ما أحوج الأمة إلى الاحتفال بالإسراء والمعراج في هذا الظرف بالذات
عندما يتأمل المرء المسلم الطريقة التي احتفل بها بمناسبة الإسراء والمعراج في كثير من بلاد الإسلام تنتابه الدهشة ؛ فقي الوقت الذي تمضي عملية تهويد أرض الإسراء والمعراج بوتيرة غير معهودة وأمام صمت المسلمين القاتل تمر ذكرى الإسراء والمعراج في صمت رهيب يثير الشكوك حول عملية التواطؤ مع عملية التهويد المخطط لها في هذا الظرف بالذات.
لقد كان دأب وعادة الجهات المسئولة عن الشأن الديني في بلاد الإسلام أن تصدر مذكرات تدعو خطباء منابر الجمعة لتخصيص خطبة الجمعة القريبة من ليلة الإسراء للحديث عن هذا الحدث العظيم ؛ ولكننا فوجئنا هذه السنة بصمت هذه الجهات وهي التي دعت المنابر للحديث عن أحداث لا مجال لمقارنتها بحدث الإسراء قبل حلولها بأسابيع.
وأمام هذا الصمت الداعي للشكوك لا بد من وقفة مع الحدث العظيم؛ وهو حدث غيبي بامتياز. والناس في زماننا لا يعيرون الغيب اهتماما مع أن عقيدة الإسلام تقوم أساسا على الغيب لقوله تعالى : ( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يومنون بالغيب ) ولا يصح إيمان مسلم دون الإيمان بالغيب.
والغيب لغة هو كل ما غاب عن العيون حتى لو كان محصلا في القلوب ؛ وكل مكان لا يعلم ما فيه فهو غيب ؛ ومن ثم سميت الغابة كذلك لأنها تغيب ما فيها بسبب دوحها وشجرها. والغيب في الإسلام هو ذلك الجزء من الملكوت الذي قضى الله عز وجل ألا تدركه الأبصار؛ و هو ما يعرف بعالم الغيب المقابل لعالم الشهادة. والعلاقة بين العالمين في دين الإسلام جدلية مع العلم أن عالم الغيب هو الأسبق وهو الأصل وهو الخالد بينما مصير عالم الشهادة الزوال. وعالم الغيب هو المتحكم والموجه لعالم الشهادة ولكن الناس لا يدركون هذه الحقيقة نظرا لارتباطهم بعالم الشهادة المحسوس والذي يتخذونه دليلا على عالم الغيب خلافا لما يقتضيه المنطق السليم.
ونزوع الإنسان بفطرته لمعرفة عالم الغيب معروف عقلا ونقلا ؛ فنبي الله إبراهيم عليه السلام عبر عن رغبته في معرفة الغيب عندما سأل ربه سبحانه وتعالى أن يكشف له عملية إحياء الموتى ؛ وهو ما نقله لنا الوحي في قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ) ونفس الأمر حصل لموسى عليه السلام بل طمع موسى في ما هو أكبر من عملية إحياء الموتى كما ذكر القرآن الكريم في قوله تعالى : ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك ). ونفس الأمر حصل لعزير الذي عبر عن نفس رغبة نبي الله إبراهيم كما جاء في قوله تعالى : ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ).
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر تأدبا مع ربه سبحانه فلم يسأله ما سأله الأنبياء من قبل وإنما شكا إليه أمر تكذيب الأقارب والأباعد عندما كذب وأهين في الطائف على يد ثقيف ؛ فكانت الشكوى بمثابة رغبة غير صريحة في معرفة المغيب من أمر الله تعالى ؛ وهو ما يفهم من قوله عليه السلام بعدا إذايته : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ؛ ولكن عافيتك هي أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ؛ لا حول ولاقوة إلا بك )
وآخر الشكوى يدل على إيمان بالغيب إذ لا تحول من حال إلى حال إلا بالله العلي العظيم ؛ فالذي يكشف المغيب هو الله تعالى. ومباشرة بعد هذه الشكوى ؛ وبعد حصار خانق مارسه كفار قريش على رسول وعلى أتباعه لمدة ثلاث سنوات حتى أكل الأتباع أوراق الشجر من الجوع ؛ وهو حصار على طريقة أصحاب الطغيان في كل عصر ومصر كما هو دأب يهود هذا الزمان وحلفاؤهم الصليبيين ضد المسلمين في أرض الإسراء والمعراج وغيرها من بلاد الإسلام جاء الدعم الإلهي في شكل رحلة من عالم الشهادة إلى عالم الغيب انطلاقا من بيت المقدس كنقطة التقاء العالمين في ليلة واحدة وفي ظرف وجيز لم يبرد معه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقضي الليلة من السادس والعشرين من شهر رجب في بيت أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ؛ وهو ظرف اختلت فيه موازين الزمان والمكان في عالم الغيب الذي من خصائصه هذا الاختلال بين الزمان والمكان اللذين لهما شأن آخر هناك غير شانهما في عالم الشهادة. واختلال موازين الزمان والمكان جعل بعض العقول التي تعاني القصور ترتاب في حادثة الإسراء والمعراج لأنها تسوي القدرة الإلهية بالقدرة البشرية ؛ فقدرة الله تعالى تتساوى أمامها الأفعال ؛ بينما قدرة البشر تتفاوت أمامها الأفعال صعوبة وسهولة وإمكانا واستحالة؛ لهذا لا يصلح المشاهد في عالم الشهادة مقياسا لقياس قدرة الله تعالى ؛ بل يقاس عالم الشهادة بعالم الغيب عند من رجحت عقولهم وسلمت فطرهم وصح إيمانهم. لقد نفض علماء الأمة أيديهم من جدل المجادلين الذي ظل حبيس الخلاف هل كانت الرحلة يقظة أم مناما ؟ ولو فكر المجادلون في لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالملأ الأعلى وهو الأجدر بالاهتمام لما ضيعوا وقتهم في الجدل العقيم في وسيلة الرحلة العجيبة ؛ فالعجب كل العجب أن يلتقي النبي الكريم بالملأ الأعلى الكريم ؛ ولا قيمة بعد ذلك لطريقة ووسيلة اللقاء.
لقد كانت الرحلة النبوية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى غيبا أمرنا بالإيمان به على طريقة الصديقين وعلى رأسهم أبو بكر الصديق الذي قال للمشككين في الرحلة الكريمة : ( إني لأصدقه بأبعد من ذلك ) فمن صدق بنبوته صلى الله عليه وسلم وهو الأغرب لم يتردد في تصديق رحلته إلى بيت المقدس وإلى سدرة المنتهى في ليلة واحدة وهي مما لا يعجز الخالق جلت قدرته .
ولعل المشاهدات التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد تحكم عالم الغيب في عالم الشهادة ؛ فالأنبياء صلوات الله عليهم الذين كانت بعثتهم وحياتهم وموتهم غيبا بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاروا حقيقة في عالم الشهادة عندما صلى بهم في بيت المقدس. وهو نفسه الذي كان بالنسبة إليهم غيبا لم يدركوا عصره ولا دعوته ولا حياته صار حقيقة في عالم شهادتهم بعد بعثهم. وأحوال الآخرة مما شاهده الرسول الأعظم عليه السلام نيابة عنا جميعا من جنة ونار وهي لم تحن بعد في عالم الشهادة كلها من عالم الغيب السابق على عالم الشهادة والدال عليه والموجه له. ولعل المرء المسلم يعدل من سلوكاته ومواقفه في عالم الشهادة على ضوء ما يؤمن به في عالم الغيب. والذي يقصي عالم الغيب من اعتباره يعيش حبيس عالم الشهادة لا يتخطى رتبة البهائم بل قد يكون للبهائم إحساس خاص بعالم الغيب حسب برمجة إلهية وحينها يكون المعطل لعالم الغيب من البشر اقل من البهائم رتبة.
إن الذي يسمع أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم للنار من خلال مشاهداته اليقينية أثناء معراجه يضبط لا محالة سلوكاته تجنبا لعذابها ؛ كما أن الذي يسمع أوصاف الجنة يضبط سلوكاته رغبة فيها ؛ ومن هنا يكون عالم الغيب موجها ومتحكما في عالم الشهادة.
وأمام هذه الحقيقة التي لا يشكك فيها إلا مكذب مرتاب نجد الأمة تغيب ذكرى الإسراء والمعراج لتغيب من خلال ذلك الغيب الضابط لحياتها.فإذا كان الغيب قد تحدث عن مصير معين لبيت المقدس ؛ وهو العيش في كنف الإسلام فإن المنهزمين من المحسوبين على أمة الإسلام يهرولون إلى عقد الصفقات مع العدو الصهيوني الغاصب وألسنة أحولهم تكذب الغيب الذي كتب العذاب على اليهود كلما طغوا في الأرض على أيدي عباد لله تعالى أولي بأس شديد وفق قاعدة ( وإن عدتم عدنا ) أي إن عدتم للطغيان عدنا لتسليط عبادنا أولي البأس الشديد عليكم . والغريب أن يصح الغيب عندنا ولا نتخذه مرجعا لاستعادة بيت المقدس بينما يتخذ عدونا الخرافة مرجعا للسطو على مقدساتنا كما تنبأ الأمريكي المسيحي المتصهين مايكل إيفانز صاحب كتاب : ( ما بعد العراق النقلة الجديدة ) والذي يربط بين دمار بابل وقيام أورشليم ما بين 2018 و2028 كما كان ذلك في الماضي استنادا إلى خرافات واهية لاأساس لها من الصحة.
فما أحوج الأمة الإسلامية إلى الاحتفال بالإسراء والمعراج في هذا الزمن بالذات.
3 Comments
فعلا بابل دمرت و هي ترمز للعراق اما عن انتصارهم فهدا غير وارد لان سورة الاسراء تؤكد انتصارنا عليهم في الاخير الاشكال هو اننا لا ننتظر بل علينا ان ناخد بالاسباب و نتحد في وجه كل اعدائنا و ان نبتعد عن الحلافات الرخيصة و قد قرات دات يوم في هدا الموقع من انتصر على اسرئيل و من خلفها امريكا و نحن لا يهنا ان كان شيعيا او سنيا المهم ان السيد حسن انتصر و معه كل الشرفاء في العالم الاسلامي هدا ما جانب و من جانب اخر ان تصريح بن كوريون الدي يؤكد ان هزيمة اسرائيل مرة واحدة هو نهايتها يوكد دلك و فعلا السيد حسن نصر الله قد اعلن بداية نهاية اسرائيل
تم السكوت عن الحديث عن الاسراء والمعراج بل وطلب من الائمة الحديث بعيدا عن الاسراء والمعراج ( وشهد شاهد من اهلها ) فما هو دور الائمة في ماتقول هل دورهم انتظار نهاية الشهر للانقضاض على المنحة اللهم اهد من خلقت
إلى المتتبع كلامك يعكس تربيتك وسلوكك
من قال لك أن الخطباء سكتوا وانقضوا على المنح ؟؟ هذا تجريح منك ولعلمنك فهذا المقال هو من بنات خطبة جمعة ولكن السفاهة جعلتك تتهم غيرك وأنتا لا تقدم شيئا لهذا الدين
أما قولك السيد حسن قد انتصر فأنت تردد كلاما كالببغاء لا تعرف دلالته لو كان في الرافضة خير لما سكتوا عن احتلال العراق سكوت الشياطين ولما أعدموا مسلما سنيا صبايحة العيد التشيع عقيدة فاسدة مهما حاول أصحابها التقنع بالأقنعة التي لا بد أن كثرمن تعبيرك فضاضة وتجريحا