والفلسفة للأطفال أيضا

والفلسفة للأطفال أيضا
يحكى أن غنيا مر بإسكافي فقير, فدفع له كيسا من المال ليستعين به على الدهر.فرح المسكين بهذا المال أيما فرح, ثم أغلق دكانه, وذهب مسارعا إلى بيته. استغربت الزوجة هذا الرجوع المبكر على غير العادة, ولكنها كتمت استغرابها ولم تسأل, خوفا من أن يكون السبب غير سار.كان الإسكافي يدمدم بكلام خافت وغير مفهوم والزوجة تحدق فيه, وتحدث نفسها, والقلق باد عليها, هل جن زوجها ؟ لم ينم كعادته مبكرا.ازداد قلق الزوجة , لم تفهم شيئا . نام الأطفال, وتظاهرت الزوجة بالنوم, عند ذاك أخرج الرجل الكيس, وبدأ يعد المال, ويعده مرة بعد أخرى حتى نادى المؤذن: (أصبح ولله الحمد ).قام للصلاة متكاسلا, يغالبه النعاس, صلى في المنزل بدل المسجد على غير عادته, والكيس لم يفارقه. ذهب إلى عمله متأخرا , تعجب منه الجيران, كان الإرهاق باد عليه , والنوم يملأ جفنيه …فتح الدكان متكاسلا ,دون أن يقرأ شيئا من القرآن . وبعد قليل جاء الغني و علامات الرضا على محياه ,ولسان حاله يقول: ( اليد العليا خير من اليد السفلى). وسأل الفقير في زهو وكبرياء كيف حالك؟ لم يجبه الإسكافي بل أخرج الكيس وقال:( خذ مالك ورد علي سعادتي). لم أنعم البارحة,لا برؤِية أبنائي, ولا بمحادثة زوجتي ,ولم يغمض لي جفن ,ولم يرتح لي بال ,ولم يطمئن لي قلب ….تعجب الغني من صنع الفقير, وراح يردد السعادة, السعادة, ما هي السعادة ؟
يرى ابن منظور صاحب لسان العرب أن السعادة هي:(الفرح, والسرور, والاستبشار بالخير. وهي اليمن الذي هو نقيض النحس.
اختلف الفلاسفة وهم: ( رجال يحبون الحكمة, والتفكير العقلاني التأملي, في المواضيع ذات الطابع الإشكالي, ولا يهتمون بالقضايا الجزئية المرتبطة بفرد معين. ) في تعريف السعادة, فأفلاطون مثلا (اسمه الحقيقي هو أرسطو كليس ولد بأثينا لأسرة غنية, لقب بأفلاطون لاتساع كتفيه – كان عريض الكتفين- ولد سنة 427 قبل الميلاد, و توفي سنة347 قبل الميلاد .كان جنديا مصارعا , فاز مرتين بجائزة الألعاب .)
يرى هذا الفيلسوف أن السعادة هي الخير المطلق , المتمثل في العلم زائد لذة الحياة ,لأن الجهل هو علة الإعراض عن الحياة الحكيمة, التي هي غاية النفس البشرية .والسعادة عنده لا تتحقق بطلب الخير, من أجل تحقيق اللذة ,والمنفعة ,وإنما بفعل الخير لذاته, باعتباره الغاية المنشودة . (فعل الخير من أجل الخير ).يقول أفلاطون :(…أتوجد خيرات يسرنا امتلاكها لذاتها لا للمنافع الناجمة عنها ؟كعاطفة السرور ؟واللذات البريئة .فمع أنه لا ينشأ عن هذه اللذات نفع فمجرد امتلاكها يسرنا …أتوجد طائفة من الخيرات وهي ما يراد لذاته ولنتائجه ؟كالحكمة ,والصحة والبصر ,فإننا نرغب في هذه الخيرات طلبا للغرضين…إنها من الخيرات التي يقدرها من ينشد السعادة الحقيقية ,فتطلب لذاتها ولنتائجها . ) ( جمهورية أفلاطون ص46- 47) .لا يرى أفلاطون السعادة في اللذة الحسية, الجسدية, إذا لم تكن خاضعة للحكمة.إن كل إنسان يطلب السعادة, ولكنه لا يستطيع أن يعيش سعيدا, إلا إذا تعهد في نفسه أقوى الشهوات و استخدم ذكاءه وشجاعته وحكمته لإرضائها إن القوي (ذو المال –ذو السلطة والجاه – ذو الشهرة –ذو المنصب …) لا يكون سعيد إذا أطلق العنان لشهواته ولم يلجمها , ويكبحها .لأن إرضاء الاشتهاء عبارة عن تعهد آلام في النفس لا يهدأ أبدا .مثال ذلك المصاب بالجرب كلما حك جلده شعر بالحاجة إلى المزيد من الحك وبقوة, فتكون حياته عذاب مستمر.
وفي تقديري أن السعادة هي حالة نفسية داخلية,تتملكنا ,عندما نشعر بالبهجة, والمتعة, واللذة الجسدية, أو القلبية, أو العقلية, وكذلك عندما تبدو الحياة في أعيننا جميلة ,ومستقرة, وخالية من الآلام والأمراض , والآثام والمعاصي, والمحرمات , ومليئة بالإيمان الصادق بالله وبالقضاء والقدر والبعث, وبالطاعات الخالية من النفاق…السعادة تكون في المال الملجم بالإيمان والتقوى , وتكون في القوة والسلطان والجاه الخاضع لخوف الله, وتكون في الصحة , والجمال ,والأمن ,والبنين ,وفي كل نعمة تم شكر الله عليها .وصدق الله العظيم إذ يقول :{ من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجز ينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون . }(سورة النحل آية 97) وقال أيضا :{ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. }(سورة طه 122)
(ولنا وقفة أخرى مع فيلسوف آخر إن شاء الله.)




Aucun commentaire