بعض الأثرياء في هذه الجهة عليهم تقديم الاعتذار لما ألحقوه بالجهة من دمار وما حركوه من غبار، لأنهم يعرفون ما تمتلكه الصحافة المواطنة من أسرار..
في زمن تطاول الساقطين والراسبين والجهلة على المسؤوليات، ليس غريبا أن يطالب الأغنياء بنصب مشانق لعامة الشعب مادام هؤلاء يعتقدون أن المواطن يركب كالبهائم والحمير ولا حق له في غير الخبز والشعير.
الأبطال في هذه الجهة من نفس الطينة، والضحايا من نفس العجينة،الأبطال كثر عددهم حتى اعتقدوا أن أموالهم الطائلة بتجارات لا يباركها لا الشرع ولا القانون تستطيع أن تجعل منهم شخصيات مرموقة، إما بالممتلكات لتعويض نقصهم أو بالتصرفات الطائشة في محاولة يائسة لإثبات الذات، وبعدما فشلوا في ذلك اعتقدوا أنهم أبطالا، والحقيقة أنهم ليسوا سوى أبطال من زجاج.
المؤكد أن الجهة الشرقية عاشت أسوء عصورها منذ الاستقلال إلى اليوم، لأن حظها لم يجعل أبناءها يدافعون عنها، بل أن جلهم كان يجعلها مطية للوصول إلى مراكز القرار أو سلطة المال…كما أن جل المسؤولين الذين تعاقبوا على كراسي المسؤولية فيها لم يكن همهم غير النهب والسلب وإبقاء الحال على ما هو عليه.
وقد اعتقد الكثير من المسؤولين أن عمالات الجهة الشرقية هي مراتع لجمع المال السهل لأن بعض رؤساء المصالح الخارجية ومسؤولي الإدارات العمومية وشبه العمومية ظنوا أن مواطني هذه الجهة ليس لديهم لسان، وكأنهم يعيشون في هذا المكان خارج الزمان كالنمل والجرذان.
وجل أولئك الذين تقيحت أفخاذهم وتضخمت أثدائهم كانوا يدعون الوطنية ويغردون خارج السرب بالانتماء والعفة والحياء، وبأن سكان الجهة يرفضون اعتلاء أبناء جلدتهم مراكز القرار، لكنهم يعرفون على الأقل بينهم وبين سريرتهم أنهم ينعون لغة قديمة وكلامهم مثقوب كأحذيتهم القديمة، فهم لا يحسنون حتى مع أمهاتهم غير مفردات العهر والشتيمة ويرفضون في آخر المطاف قبول الهزيمة. ومن لا خير له في أهله لا خير فيه لوطنه.
أين هي استثمارات الأبناك بهذه الجهة؟ وأين هي العصور التي سير فيها الجهلة أمور البلاد واغتنوا ظلما على حساب البلاد والعباد..؟ سوداء في تاريخهم عندنا القصائد وخبيثة في أنوفنا روائح ليلهم في المقاعد. من أين لأثرياء وجدة والجهة كل هذه الأموال وهم لم يرثوا إرثا، ولم يزرعوا حرثا؟ وكم هي مداخيل الضرائب في كبريات المجمعات الصناعية، وماذا قدم البرلمانيون والمنتخبون؟ وأين هم المسؤولون في زمن نهب المال العام والتملص الضريبي؟ وكيف كانت عاقبة الذين استعملوا الشطط في سلطتهم؟ أو لم يهرب جلهم العملات للخارج لاقتناء مساكن في أحياء النصر الباريزية لأن عقدتهم كانت الهزيمة فحاولوا رسم شارة النصر بالشتيمة، والاقتراب من قوس النصر رغم الهزيمة..
لكن هيهات فاللباس ما صنع يوما الراهب، بل حدد معالم الجريمة.
المطلوب ليس هو سيرة ذاتية لهؤلاء ولكن المطلوب هو رسم بالإنجازات والمشاريع التنموية لتاريخ هؤلاء وفترات تسييرهم للمؤسسات وتمثيلهم للمواطنين…لأن التاريخ يحيل أحيانا جل هؤلاء على المزابل، كما أن ذاكرة المواطنين لن تنسى لهؤلاء سوء صنيعهم..فسجلات مزوديهم معروفة، وسيرة وسطائهم مفضوحة بل وحتى قضايا نهبهم واختلاساتهم أصبحت مفتوحة.
خلاصة أزمة الجهة الشرقية اليوم قد نختزلها ولا غرابة في كون بعض المسؤولين سقطوا سهوا على كراسي المسؤولية كأية ذبابة، وراحوا يتحدثون عن الفن والخطابة ويرقصون في لياليهم الحمراء على الطبلة والربابة.
أصوات كبار القوم عندنا مختزلة في عبارة، اشتاقوا في صباهم لركوب القضية، فلبسوا قشرة الحضارة ونسوا أنهم يعيشون عصور جاهلية..
إن ما تقوم به المصالح الأمنية وأجهزة القضاء اليوم أصبح يحيي في دمنا الكبرياء، بعدما عاث سفلة القوم في الأشياء، وليس لنا اليوم غير المطالبة بإخراج الأزهار الحمراء من عباءة فصل الشتاء.
اليوم نحن نطالب بإرجاع المال العام ونهج سياسة من أين لكم هذا يا سادة؟ وعوض أن نلعن الظروف فقد حان وقت الضرب بالسيوف حتى لا نضطر أن نسمع النباح في كل جرائد الصباح.
لقد حان الوقت للخروج من غياهب السرداب، لندمر مرافئ الذباب، سوف نجرب للوطن كسر الأبواب، وغسل بعض الثياب قبل أن نفكر في زرع الرمان والأعناب، لأن بين ظهرانينا نوع من الذئاب يفضل الإبحار بين الثلج والضباب وإن لم يقرأ في مشوار حياته أي كتاب…