المعاق

المعاق في الدلالة اليومية هو الفرد العاجز عن الحركة من ذاته, لعاهة في بدنه .فهو لا يتحرك إلا بمساعدة شخص آخر, أو عكاز, أو كرسي متحرك .
أما في اللغة فيبدو أن مفردة معاق خطأ شائع, كما يرى الدكتور مصطفى ابن حمزة إذ يقول :(…أما تسميته بالمعاق, فلا أرى له وجها صحيحا لأن مصادر اللغة لا تورد فعل أعاق وإنما تذكر أفعال ,عاق, وعوق ,واعتاق ) (حقوق المعوقين في الإسلام –مصطفى ابن حمزة – ط- يوليوز 1993) .
والمعاق ,أو المعوق (بفتح الميم وضم العين) له تعاريف عديدة أذكر منها على سبيل الاستئناس تعريف منظمة الصحة العالمية : (الإعاقة تتمثل في كل قصور يعاني منه الفرد نتيجة الإصابة بمرض عضوي أو جسدي أو عقلي, يؤدي إلى حالة من العجز, الذي لا يمكنه من أداء واجباته الأساسية معتمدا على ذاته أو ممارسة عمله والاستمرار فيه بالمعدل الطبيعي .) و الدكتور عبد المنعم نور يرى:( أن المعاق, هو الفرد الذي لديه عائق أو أكثر, يحول بينه وبين إمكانية الاستفادة من قدراته إلا بمعاونة خارجية ,على أسس علمية وتكنولوجية, توصله إلى مستوى العادية أو يقترب ما يكون لها .) (عبد المنعم نور 1973) .أما تعريف هيوارد وأورلانسكي فيرى:( أن المعوقين هم الأفراد الذين يواجهون مشكلات وصعوبات في التكيف مع البيئة التي يعيشون فيها بسبب عجز عضوي أو بسبب خصائص سلوكية قاصرة يتصفون بها .) ( نقلا عن مصطفى ابن حمزة حقوق المعوقين في الإسلام ص 5 يوليوز 1993)
وفي القرآن الكريم وردت الكلمة على صيغة اسم الفاعل في قوله تعالى :{قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا. }(سورة الأحزاب الآية 18). ويقصد بها الذين يعوقون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ,ويدعونهم لينصرفوا عنه صلى الله عليه وسلم, ويشغلونهم ويثبطون عزمهم على المقاومة بشتى وسائل المنع يوم معركة الخندق .حتى يكونوا مثلهم في الكسل والتهاون والجبن والخوف من لقاء العدو مع التشبث الشديد بحب البقاء والارتباط بالدنيا الفانية . .. )
وفي تصوري أن المعاق ,هو شخص يعاني من خلل, أو اضطراب حسي أو نفسي, يمنعه من القيام بشكل طبيعي, بوظيفته اليومية, سواء منها التعبدية الأخلاقية أو العملية ذات المجهود العضلي الجسدي . وإذا نحن تأملنا مفردة المعاق نجدها شاملة لفئات عريضة من المجتمع, كالتخلف العقلي, والسمعي, والبصري, وكل عيب جسدي, أو عقلي, من شأنه أن يعطل مهارات الفرد الحسية, كليا أو جزئيا.وفي تقديري أن المعوقين هم كل أصحاب الفكر الهابط ,العصاة, المنحرفين أخلاقيا وسلوكيا, والذين لا يتورعون عن إتيان الفواحش ما ظهر منها وما بطن .كالعري, والفاحشة ,والمخدرات, والربا …حتى وإن كان المجتمع لا يعترف بهذا النوع من الإعاقة ويعتبر أصحابها أسوياء بحكم العادة والتعود. وهم في نظري أولى المعاقين بالرعاية.
انطلاقا من الخصوصيات الحضارية والتاريخية والدينية لكل مجتمع يتحدد نوع التعامل مع فئة المعاقين.فقد كان المجتمع اليوناني والروماني يسارع إلى التخلص من المعاقين والمرضى بقتلهم . يقول أفلاطون :(أما ضعفاء البنية والمتهتكون فإن أبناء اسكولابيوس لا يرون أن بقاءهم غنم لهم وللدولة ,لأنهم عالمون أن فنهم لا يراد به معالجة أناس كهؤلاء .ولذا رأوا من الخطأ محاولة شفائهم ) جمهورية أفلاطون ص 102) ويقول أيضا :( …مع إهمال سقماء الأبدان فيموتون ,وإعدام الأشرار الفاسدين ,غير القابلين إصلاحا …نعم وقد تبرهن أن ذلك خير للدولة ولأولئك السقماء .) (الجمهورية ص 104).بل أوصى أفلاطون في جمهوريته بقتل حتى الأطفال الغير الشرعيين باعتبارهم ثمرة علاقة فاسدة. يقول أفلاطون :( إذا حبلت إحداهن عرضا –في غير الحالة المقررة –فلا يرى جنينها النور .وإذا لم تتمكن من ذلك فيلزم التخلص من الطفل على أساس أن ثمرة اجتماع كهذا لا تجوز تربيتها ) (المرجع السابق ص 161) وداروين هو الآخر يؤمن بفلسفة القوة ويعترف بقانون الغابة, الذي يجيز للقوي الفتك بالضعيف طبقا لقانون البقاء للأقوى .أما نيتشه فيعلن صراحة موقفه من الضعفاء,والعجزة ,والمرضى.. . ويدعو إلى إبادتهم, حرصا على الإنسانية ,وعلى تقدم الحضارة, لأنهم وباء يجب التخلص منه . إما عن طريق الانتحار طبقا لشعاره -مت في الوقت المناسب – أو بيد الأقوياء. يقول نتشه:(…إنهم الضعفاء اسحقهم, اصعد فوق جثثهم.إن درهم قوة خير من قنطار حق …لن نتمكن من بناء الإنسان الجديد إلا إذا كفرنا بالأخلاق والعطف والرحمة. )
أما المعاق في الإسلام فهو إنسان عادي ,له خصوصيات يجب مراعاتها وفهمها ,دون التمييز بينه وبين غير المعاق إلا بالتقوى .ولقد أنز الله المعاق المؤمن بقضاء الله وقدره والراضي, الصابر, بما ابتلاه الله به , خير المنازل وأكرمها , وأوصى له بالرعاية,وجعلها واجبا دينيا تتكفل به الجماعة- طبقا لمبدأ التكافل الاجتماعي – كما دفع عنه بعض التكاليف الشرعية ,و رفع عنه الحرج, والإثم في التخلف عن الجهاد .{ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرجا ولا على المريض حرج …}( الفتح آية 17)
{ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله .ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم .} (التوبة آية 91) لقد حقق المعاق المؤمن في ظل الإسلام وثقافة الإيمان , ما لم يحققه صناديد الكفر في ضل ثقافة الكفر والعصيان .فهذا عمر بن جموح جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة بدر يشكو أبناءه ويقول : (إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد ووالله إني لأرجو أن أخطر بعرجتي هذه الجنة ). وهذا الشهيد أحمد ياسين الذي دوخ الصهاينة من على كرسيه المتحرك .والملا داد الله ذو الرجل الواحدة, الذي روع جيوش الاحتلال في أفغانستان .وشامل باساييف في الشيشان الذي دوخ جيوش السوفييت …وصدق الله العظيم إذ يقول :{من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.} ( الأحزاب آية 23)




1 Comment
نشكرالأخ عمر حيمري على إهتمامه بهذه الشريحة من المجتمع التي تعاني من التهميش واللا مبالاة…أسئلة كثيرة حول دور المجتمع فى مساندة هذه الفئة تطرح نفسها بإلحاح..هل هناك فعلا مساعدة من المسؤولين لهؤلاء الأشخاص؟هل هناك جمعيات من المجتمع المدني تقوم فعليا بمساعدتهم أم تقتصر فقط على بيع بطاقة الإ نخراط كل سنة بدون أي دور يذكر؟….و……الجواب سيكون نعم توجد جمعيات و….لكن ذلك يبقى حبرا على ورق الواقع شيء اخر…فقط اريد في الأخير أن أذ كر معاناة أم لمعاقين(2) وحدها لأكثرمن23 سنة ولازالت تعاني و هي في الستينات من عمرها وقد طرقت جميع الأ بواب و لكن لا أذن لمن تنادي …وهناك أمثلة أخرى لا داعي لذكرها…مرة أ خرى أشكر الكاتب و أتمنى أن تواصل الكتابة في الموضوع…ربما يستقيظ ضمير المسؤولين و المجتمع المدني….