درس الإعاقة

الإعاقة عنوان كبير لحياتنا. حيثما وليت وجهك ينتصب أمامك ما يذكرك بعاهاتنا التي نحاول، عبثا، إخفاءها. معاقون و معاقات، وحياة تعرج في مشيتها، و العين دالتونية تخلط بين الألوان! تهون الإعاقة حين تصبح سمة عامة تصبغ الأشياء بصبغتها، و يستوي المعاقون و الأسوياء إذ يوحدهم بحث مضني عن كسرة خبز تحفظ ماء الوجه. تتدحرج الثقافة إلى ذيل الأولويات حين يغطي اللهاث وراء لقمة العيش عن ما عداه. لمن يكتب هؤلاء الشعراء الذين ينبتون على هامش الحياة مثل الفطر إن كان الشعر بضاعة كاسدة في سوق الجياع !؟..و أنكى من ذلك أن تمتد أصابع – تعرف رسم الحروف دون أن تدرك معناها – إلى الأقلام تخط كلاما ما هو بالشعر و لا بالنثر..!! قد ينتشي جائع، لبعض الوقت، إن أنسته كلمة جميلة آلام المعدة الفارغة، و لكن أن يقرأ " التخربيق الشعري " فتلك أبشع و أشنع عقوبة توقع عليه. " التخربيق" يدفع إلى القيء . و ماذا تقيء معدة فارغة ؟؟ مصارينها، ربما !
للمعاقين أن يفخروا فالشعر، في بلدنا، معاق هو الآخر ! و لهم أن يرقصوا نشوة لأن المصيبة تهون حين تعم : السينما عرجاء، و المسرح كسيح، و الشعر مقعد، و هلم جرا – أو شرا، و هو الصحيح – أما الثقافة التي يعتبرها غيرنا ضرورة تنموية فلها الله وحده : معطوبة، لا تتقدم إلا لكي تتأخر ..و حين يطل مبدع شاب برأسه الصغير ينشد الشمس و الهواء، يسكت صوت النقد الأخرس الذي تصنف إعاقته – ساعتها – في فئة الصم البكم. و تقوم الأطراف النقدية المشلولة و لا تقعد حين يخرج إلى دنيا الناس منتوج معاق مصاب بعقم مزمن في الخيال..في دائرة الضوء، روايات و قصص و أشعار و أفلام و لغط كثير. و على الهامش، شباب مبدع يجتر يأسه و أحلامه و يمني النفس بموطئ قدم تحت الضوء. تصور له مخيلته المرهقة السواد بياضا فيستحلي أن يحلم لوحده، أن يصاب بعمى الألوان، رجاء أن ينقله عماه من ضيق الواقع إلى سعة الوهم. و ينسى أن الأجنحة المعاقة لا تحلق إلا لكي تقع !
تدور " الثقافة " حول نفسها مجنونة كأيما دمية معاقة انفلت ضابطها، و نظل معها مشدوهين، مشدودين إلى تسارع وتيرة حياة يبدع فيها غيرنا، و تنفلت من من بين أصابعنا مثلما الماء… ثم يعلو البكاء والنحيب و شق الجيوب حين نرى بأم العين كيف تذبل أوراق كتبنا / كتبهم في الأكشاك و على الأرصفة ! .. تطفو التفاهة على سطح الضحالة، و ينسحب الإبداع من الساحة خجلا يتوارى من الناس. و لأن الطبيعة تأبى الفراغ، يصبح " بروفايل " المبدع الحق ملخصا في جملة قصيرة : " خط حرفين و نشر قصيدتين، و قال : أنا " و هو، هو لا يحسن صياغة جملة مفيدة واضحة من فرط الترهل و الإنشغال بالبهرج الزائف عن قدسية الأدوار المنوطة به.
لكأن هذه الثقافة وقف على بعض الناس دون غيرهم ..
لكأنها " مجال خاص " – كما يعبر أهل القانون –لا يجوز لغيرهم الخوض فيه ..
لكأنها منطقة معزولة، مغلقة، محرمة على غيرهم ..
سوروا " ثقافتكم "، إذن، و أحيطوها بالأشواك..
بللوها و اشربوا ماءها على الريق..
كلوها إن شئتم !
إن درس الإعاقة الأول أن من لا يتأقلم يجن أو يغير العالم !
سمير بنحطة
Aucun commentaire