Home»Régional»هل نحن بحاجة للتأني في عصر السرعة ؟؟؟…

هل نحن بحاجة للتأني في عصر السرعة ؟؟؟…

0
Shares
PinterestGoogle+

يوصف العصر الذي نعيش فيه بأنه (عصر السرعة) كنتيجة لوسائل الاتصال السريع ووسائط النقل المتطورة برّاً وبحراً وجوّاً .

فنحن نلاحظ أنّ المسافة الزمنية بين قفزة علمية وأخرى راحت تضيق ، فلم نعد نحتاج إلى عقد وعقدين من الزمن أو أكثر حتى يتكلّل اختراع ما أو تجربة ما بالنجاح ، بل باتت مسألة سنوات معدودة .

وإلى جانب ما أفرزه هذا الواقع من سعة في العلوم والمعارف في الميادين المختلفة ، فإنّه كشف أيضاً عن الكثير من النظريات والآراء والاختراعات العلمية السابقة ، بل حتى على صعيد النظريات التعليمية والاجتماعية أحياناً ، هي عرضة للتبدل والتغيير في سياق الزمن المتصاعد ، فلقد اندثرت نظريات أو تراجعت وتركت المجال لنظريات أكثر تطوراً ونضجاً ، ويتجلى ذلك في مجال الصحة والأجهزة التقنية الكهربائية والالكترونية .

غير أنّ المثير للانتباه هو أنّ مصطلح (عصر السرعة) قد أسيء فهمه واستغلاله . فإذا رأيت تلميذاً ينهي مطالعة كتاب مدرسي أو أي كتاب آخر في ظرف دقائق ، وتعجبت لذلك فإنّه يردّ على تعجبك بأنه في عصر السرعة . وإذا قاد شاب سيارته بسرعة فائقة يتجاوز فيها الحدود المسموحة بها ، قال : إنّنا في عصر السرعة ..وإذا تناول الشبان والفتيات الأطعمة الجاهزة أو السريعة الصنع حتى ولم تكن صحية ، قالوا : نحن في عصر السرعة .. وإذا أنجز فنان شاب لوحته ، أو كتبت فتاة أديبة قصيدتها في وقت وجيز ، وإذا قامت علاقات بين بعض الشبان أو بعض الفتيات ففسخت بسرعة ، فإنّك تسمع منهم تبريراً غير مقنع ، إنّنا في عصر السرعة ولا شيء يمكن أن يدوم .

وقد يعذر هؤلاء في بعض الأحيان لأنهم يختزلون أوقات كانت تهدر على أعمال لا تحتاج إلى كل هذا التبذير ، كالبقاء طويلاً في المطبخ ، أو الجلوس ساعات طويلة للثرثرة أو التسكّع في الشوارع وما شابه ذلك .

ولكنك لا تجد العذر للأعمال الغير المكتملة خاصة وان ذلك يتنافى مع ثقافتنا الإسلامية لقول الرسول عليه الصلاة والسلام : «رحم الله امرأً عمل عملاً فأتقنه » كما يتنافى مع روح العصر التي تتطلب الدقة العالية في الإبداع والمنافسة .

إنّ السرعة والدقّة لا تلتقيان إلاّ نادراً ، وبعد أن تكون المهارة قد وصلت أعلى مراتبها ، ولذا فمثل الشاب أو الفتاة اللذين يسرعان في إنجاز أعمالهما دون توخي الدقّة ، كمثل الذي يقطف ثمرة غير ناضجة (فجّة) ليأكلها .. هل تراه يستلذها ؟ هل يجد طعمها كطعم الثمرة الناضجة اللذيذة الشهية ؟

إنّنا لا ندعو إلى إنجاز العمل الذي يحتاج إلى ساعة بيومين ، أو الذي يحتاج إلى يوم بأسبوع لاسيما بعد ما أعانتنا في ذلك التقنيات الحديثة التي اختزلت العمل الكثير ، لكن ذلك لا يعفينا من ضرورة الانجاز الدقيق المتكامل الذي ينافس الانجازات المماثلة أو يقترب منها .

إنّ عودة الفنان الشاب إلى لوحته بعد رسمها قد يجعله يضيف لمسات جمالية أخرى عليها ، وتأنّي الأديبة الشابة في كتابة قصة أو قصيدة يوفر لنتاجها شرطاً من شروط الإبداع ، ويقلل فرص النقد والمؤاخذة ، وهكذا الأمر في كل شأن حياتي أو علمي أو فني أو أدبي .

وثمة مفارقة أخرى ، فاللذين يدّعون أ نّهم في عصر السرعة ، ويبررون بذلك النقص الحاصل في أعمالهم ، تراهم ينفقون الساعات الطوال في لعبة لكرة القدم ، أو ساعات أطول أمام الانترنيت ، وساعات متواصلة أمام التلفاز ، وكذا ساعات في التجول بالسيارة أو سيراً على الأقدام في الأسواق وأماكن النزهة ..

إنّ مفهوم (عصر السرعة) يستخدم في المواضيع الخطأ ، فأنت تسرع في الموضوع الذي يحتاج إلى الدقّة والتريث والتأني ، وتبطئ في المواضيع التي لا تحتاج إلى ذلك .
فما زال الوقت المهدور عبثاً بين الشباب والفتيات ، بل ازداد هدراً .. وما زالت الأوقات المضيّعة على الهوامش .. كثيرة ، وكان بالإمكان أن يستثمر الوقت الفائض في أعمال أكبر وانجازات أكثر ، لكننا لا نجد ذلك إلاّ في حدود ضيقة .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. محمد شركي
    21/06/2007 at 00:30

    جزاك الله خيرا طرح جيد لقضية مهمة
    العجلة من الشيطان والتأني من الرحمان
    دام إبداعك

  2. شهرزاد الاندلسي
    22/06/2007 at 16:43

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    استاذي الفاضل محمد شركي
    اشكرك جزيل الشكر على هذا التشجيع ..واتمنى ان اكون عند حسن الظن.. وكما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله امرأ عمل عملا فاتقنه ) …
    تحياتي للاستاذ الفاضل وشكرا

  3. عبد الله
    06/01/2016 at 09:40

    شكرا على هذا الطرح الجيد
    بارك الله في جهودكم

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *