حالة غش معلنة تغيب وراءها حالات غش
الغش في الامتحانات ليس ظاهرة جديدة على نظامنا التعليمي فهي موجودة منذ أن وجدت الامتحانات حيث تنبه المشرع إلى حدوثها وأفرد لها حالات وعقوبات . إذاً المشكل ليس في الظاهرة في حد ذاتها ولكن المشكل يكمن في من عمل على تفشي الظاهرة بهذا الشكل المهول .. من شجع وتغاضى واستهان بخطورتها . هنا مكمن الداء بامتياز .. هذا الداء الذي نحاول جميعا أن نطببه دون معرفة أسبابه .. ونكون بذلك كالذي أراد علاج داء القرحة المعدية بعصير الحامض الخاثر فتمددت قرحته إلى مواطن أخرى تحول دون الاستنجاء ..
هذه هي الصورة الحقيقية التي نحاول بها معالجة طاهرة الغش في الامتحان . جاهلين أو متجاهلين في أغلب الأحيان مسسببات هذه الظاهرة . ولو نظرنا إلى واقعنا العام لوجدناه مدرسة في اكتساب كل أنواع الغش والتزوير من مادة " كاران" إلى مقعد بر الأمان . طبعا مع بعض الفروقات والاختلافات على مستوى الكيف والنوع ..
إن التبليغ عن عملية الغش التي حصلت بثانوية عمر بن عبد العزيز قد أيقظ الضمائر " الغيورة " للتتنبه لخطورة الطاهرة ولتتكاثف الجهود من أجل لعن الظاهرة ورجمها .. كما فسح المجال للجميع للحديث عن هذه الظاهرة وجعلها مناسبة للتلاسن والاتهام فالتلميذ يتهم أستاذه والأب يتهم المدرسة والمفتش يتهم الجميع والأستاذ يتهم ظروف العمل والمسؤول يتهم المخلين بالعمل والمخلون يتهمون المسؤولين والمسؤولون منقسمون في الرأي بين المسؤول الكبير والمسؤول الصغير والمتخلفون من الأعراب يتهمون التيكنولوجيا المساهمة في النقل .. وهكذا .. كل واحد من هؤلاء يتهم الآخر ويبرئ نفسه .
والكل مجانب للصواب – قد أكون واحدا منهم – لأن الصواب أن نصوب السهم نحو الأسباب الحقيقية والتي أراه تكمن في :
– تشجيع الغش انطلاقا من كثرة الكتب الموازية التي تطرح مسائل وإجابات جاهزة يقوم التلاميذ بنسخها على شكل قصاصات جاهزة عند الحاجة .
– العنف المدرسي الذي أصبح يهدد رجل التعليم مما يجعل هذا الأخير اتقاء الشر بواسطة التغاضي عن عمليات الغش التي تحصل أمامه .
– القبول بظاهرة الغش اجتماعيا وأسريا بل أصبح سائرا في ثقافتنا العامة حيث نظمت أقوال وحكم تعكيه المشروعية " من نقل انتقل ، ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه " مع التحراز فاز الذي فاز " قضى حاجه ما مشى ما جاء " وهناك الكثير ..
– تخصص بعض دور النسخ في إعداد القصاصات " الحروز " وبيعها دون حسيب ولا رقيب ..
– نوعية الأسئلة التي تدعو إلى استظهار الملخصات مما يتطلب حتما الاعتماد على الغش .
– عدم تتبع الجهات المسؤولة التقارير المرفوعة إليها في شأن حالات الغش سواء الفردية منها أو الجماعية .
– تصنيف وتقويم نسب النجاح في المؤسسات التعليمية من لدن السلطات المسؤولة عن التعليم مما خلق التنافس على احتلال المراتب الأولى في نسبة نجاح تلاميذ المؤسسات ولو عن طريق التغاضي عن الغش وتشجيعه .
– الاتكالية المتفشية في مجتمعنا في جميع الميادين حيث أصبح غالبية الناس يرغبون في قضاء الحاجات دون مجهود يذكر .
هذه بعض الأسباب الحقيقية لتفشي ظاهرة الغش دون أن ندخل في طرقها ووسائلها التي تعددت في الآونة الأخيرة . فإذا كنا فعلا نريد التحكم في هذه الظاهرة ولجمها ولجم من يشجعها ، فعلينا جميعا كل من مسؤوليته أن نباشر هذه الأسباب بالتحليل والمناقشة وسن القوانين لزجرها .. أما إذا اقتصرنا على الكلام الموسمي والمناسباتي فستتمر الظاهرة في التوطين حتى تصبح حالة صحية يكون معها الاعتماد على النفس والجد والاجتهاد ظاهرة مرضية ، وبذالك سينقلب الحال على أهل الحال وربما ستطلع علينا الأخبار يوما أن تلميذا بثانوبة ما وفي زمان ما ضبط في حالة اجتهاد وسجل محضر ضده ، أتمنى ألا يهرع المسؤولون إلى عين المكان لمعاقبة التلميذ …
محمد حامدي
1 Comment
اضيف الى الاسباب التي ذكرت تخلي مجالس الاقسام عن صلاحياتها لفائدة الخريطة المدرسية التي تفرض عتبة نجاح تصل الى 3من10 . ــــــ المراقبة المستمرة لم تنجح في منظومتنا التربوية اذ كانت بوابة للغش وعدم تكافؤ الفرص ويجب الغاؤها . ــــــالتسامح مع الغشاشين اطرا كانوا او ممتجنين.ـــــــ اعتماد المعدلات في القبول ببعض المؤسسات مما افقد الشهادة قيمتها و اغلق الباب في وجه حامل الشهادة بمعدل متوسط من ابناء الشعب الذين ليست لهم وساطات ولم يشتروا المعدلات بالساعات الاضافية وغيرها……