Home»Régional»حاجتنا إلى علم كلام جديد (1)

حاجتنا إلى علم كلام جديد (1)

0
Shares
PinterestGoogle+

الكلام هو مجموعة من الألفاظ المركبة, الدالة على معنى معين, بالوضع أو الاصطلاح, بواسطته نتمكن من التعبير عن أفكارنا داخليا, في شكل حديث نفسي, وخارجيا كأداة للتواصل بين الذوات المتكلمة.وهو صناعة يتدرب عليها الإنسان منذ نشأته الأولى, ليعبر عن حاجاته البيولوجية والفكرية .
أما ما يعرف بعلم الكلام, أو علم التوحيد, أو علم أصول الدين, أو علم العقائد.فقد ظهر كما يرى الكثير من المفكرين, في بداية القرن الأول الهجري, لضرورة دعت إليها حاجة الذود عن الإسلام, ضد انتشار أفكار مضادة لتعاليم الإسلام الحنيف, نتيجة احتكاك المسلمين بغيرهم من الأمم,والفرق الضالة كالمانوية والزرادشتية والمزدكية والحركات الشعوبية … التي لا تدين بدينهم,وتكن لهم العداء,وتتربص بهم الدوائر,. ونتيجة الحركة الثقافية المنبثقة عن ترجمة التراث الفلسفي اليوناني .دون أن ننسى , التطور السريع الذي عرفه الواقع العربي ,الإسلامي آن ذاك ,على صعيد النهضة التشريعية, التي أدت إلى انقسام الفقهاء إلى أصحاب رأي, ونقل . وعلى صعيد الخلاف السياسي, المتمثل في مشكلة الخلافة وما نتج عنها من صراع هائل, و مروع عكس الانتماء الاجتماعي, والمكانة المتباينة لكل فريق,وأدى إلى ظهور فرق عديدة, كالمرجئة والخوارج والشيعة والجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية …وإن كانت هذه الفرق, تبدو للمتتبع أنها لا تختلف إلا في فروع العقائد .أما الأسس فهي محل اتفاق الجميع. فمثلا (جميع الفرق, تؤمن بأن القرآن هو كلام الله ,وتختلف في كونه مخلوق أم منزل.وكذلك بالنسبة لصفات الله تعالى الأخرى ولمسألة الجبر والاختيار والقضاء والقدر… )
أمام هذا التآمر الخطير , والهجمة الشرسة التي تستهدف تقويض الإسلام من الداخل, قبل أن تنقض عليه من الخارج , وجد المسلمون أنفسهم في حاجة ملحة إلى صيانة دينهم وعقيدتهم وشريعتهم ورد البدع وإزالة الشبهات والتصدي لتحديات الضالين المضلين.
لم تكن الأمة الإسلامية, وهي في أوج قوتها, لتسمح للسوس أن ينخر جسدها.ولم يكن لأعدائها التقليديين من يهود ونصارى ومجوس… ليسمعوا ولا ليسمحوا بالخطاب القرآني ولا بالحديث النبوي,لأن هدفهم الأساسي في كل زمان ومكان ,هو تقويض هاتين العروتين ,لأن الإسلام بهما ,ولا إسلام بدونهما.
ومن ثم كان على المسلمين ,أن يبحثوا في أصول عقائدهم ,وأن يقارعوا الحجة العقلية, بحجة عقلية ,وبرهانا, ببرهان مواجهة , و مجارات أعدائهم في استعمال العقل , والمنطق .خصوصا وأن المسلمين, وجدوا في الكتاب والسنة, المبادئ والأسس التي تدعو إلى العقل وتشيد به. ولذلك يعتقد البعض, أن علم الكلام ليس من العلوم المستحدثة في الإسلام, بل ترجع جذوره إلى عهد الصحابة والتابعين.وهناك من الشيعة, من ذهب إلى أن الإمام علي كرم الله وجهه, والأئمة من بعده, هم الذين وضعوا اللبنات الأولى , والقواعد الأساسية لهذا العلم.
ومهما يكن من أمر النشأة,فلقد وجد المسلمون ضالتهم في علم الكلام, باعتباره محاولة للتصدي للتحديات المفروضة عليهم, عن طريق الأدلة اليقينية, المبنية على العقل ,المستندة إلى المنطق. كما مكنهم من إثبات العقيدة بالبرهان والحجة وإبطال كل شبهة تثار حولها.
أما سبب تسمية هذا العلم , ففيها خلاف كثير. نذكر بعضه للاستئناس فقط: يرى البعض أن التسمية مأخوذة من أعقد مسألة عقائدية, طرحت في الإسلام. كانت لها انعكاسات سياسية, كادت أن تذهب بالخلافة. وهي مسألة كلام الله عز وجل .هل هو قديم أم محدث ؟ أي هل القرآن باعتباره كلام الله, منزل, أم مخلوق كسائر المخلوقات ؟ بينما يرى آخرون ,أن التسمية مأخوذة من قولهم: تكلم الخلف فيما سكت عنه السلف . وهناك رأي آخر يقول أن التسمية ناتجة عن كون المشتغلين بعلم الكلام, كانت صنعتهم الكلام والجدل, وموضوع خلافهم كان صفة كلام الله تعالى.
وكما اختلف المفكرون في تسمية علم الكلام ,اختلفوا في تعريفه. فهذا ابن خلدون يعرفه بقوله :{ علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات, عن مذاهب السلف وأهل السنة.} (المقدمة الجزء الثالث تحقيق علي عبد الواحد وافي ص 1169) ويرى الغزالي أن علم الكلام سمي كذلك .{لما نشأت صنعة الكلام ,وكثر الخوض فيه ,تشوق المتكلمون إلى محاولة الذب عن السنة بالبحث عن حقائق الأمور ,وخاضوا في البحث عن الجواهر والأعراض وأحكامها} (المنقذ من الضلال فصل علم الكلام ط 72ص 7بيروت ). و الفارابي يتحدث عن علم الكلام باعتباره صناعة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة وتزييف كل ما خالفها من الأقاويل.أما التفتزاوي فيذهب إلى أن{علم الكلام هو العلم بالعقائد الدينبة اليقينية}(تهذيب الكلام ص8 للإمام سعد الدين التفتزاني.)
صحيح أن علم الكلام أدى إلى انقسام المسلمين عقائديا وفكريا , فكانت النتيجة ظهور العديد من الفرق الإسلامية ,التي مازالت تتوالد إلى يومنا هذا. وصحيح أن بعض الفقهاء, حرم الاشتغال بعلم الكلام كالإمام الشافعي, الذي يروى عنه أن قال :{ لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ماعدا الشرك (وفي رواية ماخلا الشرك) خير له من أن يلقاه بعلم الكلام ( وفي رواية أخرى) بشيء من هذه الأهواء}.ولكن ذلك كان شرا لا بد منه لأن الهجمة كانت شرسة ,والمستهدف كان الإسلام, وركيزتيه القرآن والسنة . (يتبع)

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. محمد الزعماري
    30/05/2007 at 00:24

    فعلا ما احوجنا الى علم الكلام في عصرنا هذا الذي يعرف ثورة في الاتصال والتواصل من اجل التسلح بعلم اتقان فن الدفاع عن الهوية الثقافية وعن الاراء بالادلة العقلية مع احترام الاراء و الاختلاف و الايمان بنسبية الحقيقة لاشاعة ثقافة التسامح والتعايش .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *