قراءة في رواية الزنزلخت للكاتب خليل حسونة

قراءة في رواية الزنزلخت للكاتب خليل حسونة
بقلم يوسف حجازي
الى الاخت الكاتبة الملتزمة المتزنة صباح الشرقي
مع التحية والتقدير
الزنزلخت أشجار زينة تزرع في الحدائق والمنتزهات وعلى جوانب الطرق والساحات لمجموعها الخضري وإزهارها الجميلة وظلها الوارف بالاضافة إلى دورها في صد الرياح والأتربة وزيادة نسبة الأوكسجين وتلطيف درجة الحرارة ، وقد كانت الزنزلخت عنوان مسرحية الكاتب المسرحي اللبناني عصام محفوظ التي تعتبر مفترق طرق في المسرح اللبناني الحديث والتي قدمت على المسرح عام 1968 أي بعد أربع سنوات من كتابتها واشترك في تمثيلها مادونا غازي وريمون جبارة وفيليب عفيفي ونبيه أبو الحسن وأخرجها المخرج بيرج فار يليان ، وقد كان عصام محفوظ يهدف من كتابة هذه المسرحية والمانيفستو الشهير ( بيان مسرحي رقم 1 ) الذي ألحقه فيها بعد النكسة إلى إعلان ولادة رسمية للكاتب المسرحي الحديث في لبنان على طريقة توفيق الحكيم في قالبنا المسرحي ويوسف إدريس في الفرافير وسعد الله ونوس في بيانات من اجل مسرح عربي والطيب ألصديقي وعبد الكريم برشيد في بيان المسرح الاحتفالي وروجيه عساف في المسرح الحكواتي ، بعيدا عن التقليد والتفاهة والكسل واللامسرح والشعارات ونقل الايدولوجيا والعبارة الشعرية والحذلقة الذهنية وأسلوب البلاغة والخطابة والغنائية والفكر وكل ما يقلل الحياة في النص لان كل نص مسكون بالحياة نص حي ، وكل ما يقلل السؤال في النص لان كل نص مسكون بالسؤال نص حي ، ناحيا نحو أن تكون الكلمة عبارة وان تكون العبارة فكرة وان تكون الفكرة حركة , ونحو العبث بصفته رد الفعل الوحيد الممكن على الاستلاب الذي يولده القمع ، وهذه هي الفلسفة العبثية العملية والحقيقية التي لا تكشف عن المطلق ولكن عن المأساة التي تتولد عن غياب ذلك المطلق ، لأن الناس ما زالوا حتى اليوم ينتظرون الخلاص من مخالب العبثية المدمرة ، كما كانوا ينتظرون غودو في مسرحية صمويل بيكيت ( بانتظار غودو ) وكأن الناس اليوم ما زالوا يعيشون في عصر صمويل بيكيت .
هذا هو القاسم المشترك بين صمويل بيكيت وعصام محفوظ وخليل حسونة ، صمويل بيكيت عاش الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة والتناقض الإيديولوجي وسباق التسلح ، وعصام محفوظ عاش الحرب الأهلية اللبنانية عام 1958 والنكسة عام 1967 ، وخليل حسونة عاش مأساة شعبه ، لذلك جمعتهم المأساة وزمن المأساة الذي لم يستطيعوا إيقافه ولكنهم ظلوا واقفين بانتظار مروره وبانتظار من يخلصهم من آثاره .
ففي رواية الزنزلخت للكاتب خليل حسونة التي صدرت الطبعة الأولى منها عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين في عام 2005 والتي تقع في 111 صفحة وتنقسم إلى سبعة فصول هي حكايا الميلاد وحكايا البوح وحكايا ألتوق وحكايا الفيض وحكايا الوحام وحكايا أبو هولي ، يصور الكاتب معاناة الشعب الفلسطيني وتشتيت الذاكرة الفلسطينية الهاربة من زمن الانحطاط والانكسار والتشلح والظلام والفساد والشخصانية في صورة درامية مأساوية وإيقاع شعوري ورؤية فكرية ومرارة تقطع الطريق على كل ثرثرة خارج الضرورة الدرامية المأساوية ، وقد تجلى ذلك في أقوى صوره في حوار أم احمد الشعب الفلسطيني وسعاد الوطن الفلسطيني الذي هرب منها زوجها والذي تقول فيه أم احمد
لماذا أنت واجمة ؟!
منذ الأمس وأنت لا تعجبينني
لقد لاحظت عليك الكثير من المعاناة
لكل شيء نهاية … فلا تكترثي يا بنيتي
غدا يرزقك الله بأفضل منه
هم هكذا دائما يصدحون … ويتذللون
وعند ما ينالون مرادهم ينقلب الواحد منهم إلى ذئب كاسر
وزوجك من هذا النوع من الرجال
لكن سعاد تقول
لقد صبرت عليه كثيرا يا خالتي
ونسى أنني رفضت الجميع من اجله
حتى أهلي قاتلتهم عند ما أكدوا لي أنهم لا يريدونه
وترد أم احد
لا يعني هذا أن تبتعدي عن الصبر … فهو مفتاح النجاح
وهو الحوار الذي يحاكي حوار فلاديمير واسترابون في مسرحية بانتظار غودو الذي يقول
ماذا تريد أن تعني ؟
هل أننا أخطأنا المكان ؟
لا بد أن يكون هناك
لم يقل قولا حاسما انه سيأتي
وإذا كان لا يأتي
نرجع غدا
ومن ثم بعد غد
قد يمكن
وهكذا ودواليك إلى أن يأتي
وهكذا يمضي الزمن على شخصيات صمويل بيكيت وشخصيات خليل حسونة وهم ينتظرون دون أن يظهر عليهم اثر هذا الزمن حسب اعتقادهم ، لكن تأثير الزمن على شجرة الزنزلخت التي تتغير مع مرور الفصول الأربعة يوحي لهم بمرور الزمن عليهم وعلى كل شيء ، البشر والحجر والشجر وكل شيء حتى الفكر والايدولوجيا والتواصل والتفاهم بين الناس والتحري عما هو حقيقي أو غير حقيقي في هذا العالم الذي لم يعد فيه حدود بين الحقيقة وبين غير الحقيقة .
هذا هو الزمن إلي لا نستطيع إيقافه ، ولكن نحن الذين نقف في انتظار مروره ، وفي انتظار تأثيره وفي انتظار غودو الذي سوف يخلصنا من آثاره .
هذه هي تجربة خليل حسونه ، وهى ليست تجربة ذاتية سيرورية ولكنها تجربه شعب مختصرة في تجربة كاتب ، شعب ينتظر غودو تحت ظلال شجرة الزنزلخت الذي كان يعتقد أنها يمكن أن توفر له الظل وتفرض عليه أن يعيش أبدا تحت هذا الظل حتى في الزمن الذي لا يحتاج فيه إلى هذا الظل ، ولكنه كان يدرك أيضا انه ليس بالظل وحده يحيا الإنسان فهو يحتاج أيضا إلى الشمس والضوء والحرارة ، لكن هذه ألشجره لا توفر له ذلك ولا توفر له الغذاء أيضا لان ثمرها مر وهي كلما ازداد مائها ازدادت مرارة ثمارها ، هذه الشجرة كما أتصور هي شجرة أوسلو التي تقيد الشعب الفلسطيني بقيود من فولاذ ، قيود الغرائز الذي يعتقد البعض أن لا حيلة لنا فيها ، وقيود الواقع الذي يعتقد هذا البعض أيضا أننا لا نستطيع تغييره لأن تغييره يعني الموت والحصار .
هذه ألشجره المغروسة في ارض الوطن فلسطين … في قلب سعاد الوطن التي فقدت زوجها وهي لا تعرف من هو وكيف جاء ولماذا جاء ومن أين جاء وكيف ذهب والى أين ذهب ولماذا ذهب وهل سيعود وكيف سيعود وأين سيعود ومتى سيعود ، وتنتظر سعاد وتبكى ، نعم تبكي ومازالت تبكي ، ولأنها تبكي إذن هي موجودة ,، تبكي على سوء اختيارها لأن أسوأ جريمة يمكن أن يقترفها الإنسان هي سوء الاختيار وقد كان اختيار سعاد سيء ، ولذلك لم تعطي قلبها لأحد ولن تعطي قلبها لأحد لأنه لا يوجد من يستحق قلبها ، و ستنتظر غودو الذي سوف يخبرها ما إذا كان حملها صادقا أم كاذبا ، شرعيا أم غير شرعيا ، ويخلصها من قيود الغرائز وقيود الواقع .
وكذلك لم يكن حال أم أحمد … الشعب الفلسطيني أفضل من حال سعاد الوطن الفلسطيني … رغم تجربتها وخبرتها ومعرفتها ببواطن الأمور ومكر الرجال ودلع النساء التي كانت تغوص معهن بين الأمواج وتلقي عليهن الشباك وتنثر على رؤوسهن ماء البحر بعد أن تتمتم بألفاظ غريبة وآيات من القرآن تتلوها بهدف الحبل وهن يستقبلن تمدد الأمواج بحذر العذارى وفي خيالهن فرسان الأحلام وعرسان المستقبل على أحصنتهم البيضاء ، وأم أحمد تعرف ذلك جيدا ولكنها لم تعرف كيف تختار زوجها ، وقد أساءت الاختيار عند ما اختارت فدعوس العاقر المقامر ، الضائع بين مقهى ومقهى ، الحاضر الغائب وهكذا نامت مشاعر أم أحمد وطويت أحلامها وأخذت تنتظر غودو أو عوليس الذي أبحر مع جيسون الذي تحدى الآلهة .
وكان على أم أحمد أن تدفع ثمن إساءة اختيارها كما دفعت سعاد
وإذا فسد الملح فبماذا نملح ؟
نعم لقد فسدت القيادة الفلسطينية ، وفسدت المعارضة الفلسطينية ، لأن سعاد الوطن أساءت اختيار الزوج القائد ، ولأن أم أحمد الشعب أساءت إختار الزوج المعارضة ، ولذلك كانت شجرة الزنزلخت المرة وكانت أوسلو التي اختصرت الوطن في حاجز أبو هولي ، واختصرت حلم الشعب في العبور من حاجز أبو هولي أو أي حاجز اسرائيلى في الوطن المحتل ، ووقف الوطن والشعب ينتظرون غودو الذي سوف يخلصهم من آثار زمن أوسلو ، فهل يطول الانتظار ؟!
هذا يتوقف على وعي الشعب وعلى إعادة قراءة التاريخ قراءة نقدية وموضوعية بعيدا عن أي قراءة انتقائية أو مغرضة لأن مستقبل أي شعب يتوقف على حضوره في الماضي .
1 Comment
أستاذي الجليل يوسف حجازي القدير … شكرا جزيلا على هذه اللفتة الانسانية التي غدت بخطى تابثة نحو الذاكرة والوجدان ، قراءة متمكنه نضت عن رواية الزنزلخت ثوبها القديم وارتدت ثوبا جديدا ومميزا وغدت في عرف الأدباء والدارسين قطعة فريدة تدور حول موضوع من الموضوعات
تروق القرئ وتستهويه وينهل منها اكثر لأن الكاتب الجديد بذل جهده في تجليه الموضوع في حلة انيقة ملائمة وفسح امام معانيه الباطنية المجال كي لا يظل محدودا في نطاق صلب الأطراف،،، حفظكم الله ولكم فيض من التقدير والإمتنان