يحتاج التراث الشعبي الغنائي لمدينة أحفير الى جمع وتحقيق من طرف أبناء المدينة وخاصة ذوا الكفاءات من أساتذة باحثين ومؤريخين ومن لهم علاقة بالغناء الشعبي للمدينة , لأنه يشكل بحق ذاكرة المدينة وتاريخها وتراثها , كما يمكن أن يختزل الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة , فكم من أغنية أو رقصة أو حركة أو موال أو كم من آلة عزف أو طريقة لباس تحدثك حديثا عن الأصول الحقيقية لأهل المنطقة , وكم من كلمات أغنية نرددها دون أن نعرف مدلولها , وهي في الواقع حكاية تاريخية عن معركة مشهودة أو قصة غرامية أو عن نصائح وغزوات وقصص الأنبياء والصحابة. ونضرب مثال على ذلك أغنية * نبكي على خويا اللي باعوه كان في الظهر و قلعوه * التي تغنيها الشيخة اسملاه مع المرحوم الشيخ ادربس , فهي تتحدث عن خيانة الوطن في فترة الاستعمار , وهي بحق تتحدث عن معركة حقيقية شاركت فيها الطائرات والدبابات وعدد كبير من الجنود , فالذي استمع الى الأغنية سيكتشف هذا الأمر ان لم يأخذه السحر الذي ينفثه المرحوم الشيخ أحمد في * الزامر * ومدينة أحفير شكلت مركز التراث الشعبي للمنطقة الشرقية خصوصا صنف * العرفة* , وأهم عائلة وفدت من الجزائر هي عائلة الشيخ علال الله يرحمه , فهو أب الشيخ أحمد والشيخ عيسى والشيخ وجد الشيخ حسن ابن الشيخ عيسى. عائلة الشيخ أحمد بن علال سكنت مدينة أحفير وشكلت تجمعا للعائلة في زنقة * درب العرفة * فقد سكن في أحفير الشيخ أحمد والشيخ ادريس ’ الا أن الشيخ عيسى سكن في وجدة. وقد كانت المجموعة القديمة تضم الى جانب أبناء علال , كل من الشيخ البكاي والشيخ ميمون والشيخ اعبيدة والشيخ الكولالي والشيخ أحمد2 الملقب ب( سركلاتو). والشيخ كروط , وسنأتي على ذكر دور كل واحد في الفرقة ومحددات شخصيته كما نظرت اليها أنا وربما سأجانب الصواب في كثير من المرات لكن سأترك لكم المجال واسعا لأغناء الموضوع. نتحدث عن فرقة أحفير , لأن الشيخ عيسى كانت له فرقة خاصة به , الأ أنه كان يشتغل في أحفير أكثر من أي مكان آخر , الشيخ أحمد بن علال : عازف على آلة الزامر, كان بمثابة مايسترو الفرقة , هو الذي يتكلف بتحديد مواعيد الأعراس , وللعلم فان المواعيد كانت تحدد من أب العريس في الشتاء لأن كثرة الطلب على الشيخ أحمد وفرقته يجعل من مذكرة تواريخ الأعراس ملئى عن آخرها , وللعلم أيضا أن الشيخ أحمد كان يشتغل في الخارج في الشتاء , وأكثر محبيه من أبناء أحفير ومن الجزائريين , كما كانت فرقة الشيخ أحمد بن علال تسجل الأشرظة في فرنسا , وغالبية أصحاب الأستوديوهات من أبناء المدينة , وأنا أعرف منهم واحد وهو الحضري عبد القادر الذي يتردد اسمه عند كل تبريحة
الشيخ أحمد * مايسترو الفرقة * كان هو أول من يدخل الى ساحة المعركة , الكل يتطلع الى تلك الطلعة البهية , يبدأ باسم الله الرحمان الرحيم , ثم يقوم بجولة بالزامر تسمى ب : * الفال*. هذه الجولة يقوم فيها الشيخ أحمد رحمه الله بالنفخ على آلة الزامر بشكل متواصل , والكل ينصت الى تلك النغمات التي يعجز عنها كبار الملحنين و النفارين , ففي نفس الوقت يقوم الشيخ أحمد بادخل الهواء الى الرئة ثم النفخ بعد ذلك , الغريب أن هذا الأمر يتطلب لياقة رئوية عالية , ها هو ذا الشيخ أحمد يصول ويجول وعندما يصل الى جهة النساء تسمع الزغاريد تلو الزغاريد , الشيء الذي كان يثير انتباهي هو لباسه المختلف تماما عن باقي أعضاء الفرقة , عمامته الملفة حول رأسه بشكل كبير ورائع يساعد على وضع عشرات الأوراق النقدية , بقامته القصيرة وبرزته العجيبة يضيف الشيخ أحمد الى الفرقة نكهة خاصة , وتزداد النكهة عندما تراه يلبس جلباب شفاف من تحته عبائة خضراء تضيف رونقا خاصا له . بعد جولة الفأل الحسن , يقوم باقي أعضاء الفرقة بالدخول تباعا , لا أدري لماذا كنت أنظر اليه بوقار كبير , وكلما اقترب مني أحدهم أحاول الاستماع الى كلماته ما عساه أن يقول , هاهم يلتفون حول * المجمر* , كل واحد يسخن جلد آلته , وبنما هم كذلك يواصل الشيخ أحمد جولته بالزامر متوقفا في لحظة أو أخرى لالقاء التحية على من يعرفهم
ها هو ذا الشيخ اعبيدة دخل المعركة بسلاح حنجرته المرتفعة , ما زالت السهرة لم تبدأ بعد لكن الشيخ اعبيدة بين لبفينة والأخرى يقوم بقطع بث الزامر الذي يصول به الشيخ أحمد ويجول , يقطع اذن الفأل ليقوم بتبريحة بأحد الحاضرين , والشيخ اعبيدة معروف عليه انضباطه العسكري في التبريحة , فقامته الطويلة وحنجرته المرتفعة تساعدان على أن يصل الصوت الة الجميع ودون بوق مكبر , التبريحة هي ذكر اسم من طلبها وذكر أباه ومناقب عائلته , وما العلاقة التي تربطه بالعريس وعائلته , وأغلب تبريحات الفأل يقوم بها أب العريس ليترك المجال من بعد ذلك للمدعوين خصوصا لهذا الأمر , الشيخ ميمون بوجهه الأحمر وبلباسه الأنيق يخرق صوته الآفاق بأحد التبريحات غير النتظرة من حهة أخرى , يلتفت الجميع الى النظر اليه فالسيجارة لا تفارق يده , وقد كان الشيخ ميمون يمتاز بصوته الرخيم والحنين , فتبريحاته أكثر اسماعا وذات مدلول أكبر , فهو يطبل فيها مع الحفاظ على الوزن وعلى اللعب بالصوت فعندما يذكر الأموات يخفض صوته احتراما لأرواحهم , وعندما يريد أن يذكر أحد الغائبين يطبل التبريحة وكأنه يناديه وهكذا. يقوم باقي أعضاء الفرقة بتجريب آلاتهم , وكنت أنا أنتظر انهم سيبدأون بين اللحظة والأخرى لكنني سرعان ما أكتشف أن هذا مجرد ضبط للالات. فجأة يدخل الجميع في ايقاعات معروفة بالمرونة , وكأنهم في مجرد القيام بحركات تسخينية , الشيخ ادريس يضرب على البندير, الشيخة اسملاه تمسك بتلابيبه , الشيخة نعيمة الى جانب الشيخ أحمد , الشيخ أحمد الثاني *سركلاتو* يضرب على آلة – داوداوة- الشيخ حسن ولد الشيخ عيسى على آلة البندير كذلك , آخرون كفريق الاحتاط. الساعة الحادية عشر من منتص الليل , السهرة ما زالت لم يشتد وطيسها , بعض من يحسن الرقص يتقلب على نار هادئة , سيما بعض المعروفين و * المبليين * من مثل من يحترف الجزارة , أو بعض العناصر التي أصبحت جزءا من كل السهرات التي تقام في أحفير , فلا تكاد تخلو سهرة منهم , هم جزء من الأثاث الذي تراه في كل عرس , وجميع من حضر أكثر من ثلاثة أعراس ينتظر دخولهم الى القاعة , فهم ينافسون كبار أساتذة الرياضيات في الحساب , ولكن حسلب * لفصال * . كلما مر الوقت السهرة تشتد اشتعالا , الشيخ ادريس يعلو غناءه مع الشيخة اسملاه , عندما يغني يتوقف عن الضرب على البندير ليسمع الكلمات الى الجميع , وبين كل بيت وشطر آخر يقوم بالضرب على البندير وكأنه يربط بين الكلمات والآلة , فهذا الربط العجيب يتماشى بانسجام عجيب , الشيخ اعبيدة يقطع البث عن الغناء ممسكا بورقة نقدية من فئة 100 درهم ملوحا بها في السماء حتى يراها الجميع , قاصدا بذلك اشعال نار المنافسة بين عائلة العريس وعائلة العروس , وهذه تقنية عائلة في فن المشيخة , غابت عن الأجيال اللاحقة من المنتسبين الى العرفة , ففي المدة الأخير حضرت عرسا جمع بين العناصر الجديدة وعنصر واحد من الجيل القديم ألا وهو الشيخ الحسن بن الشيخ عيسى بن الشيخ علال , عندما أمسك البراح بورقة 100 درهم لم يرفعها في السماء ولم يلوح بها , فقام الشيخ الحسن بتأنيبه أمام الجمهور ممسكا بيده طالبا منه أن يلوح بها في السماء , قبلها الشيخ العيد على مضض لكن لامست نية صادقة في تلقين أصول المشيخة من جيل الى جيل , الشيخ الحسن كذلك حضرت لدرس لقنه اياه والده الشيخ عيسى , فبينما الشيخ عيسى والمجموعة في أوج السهرة , كان الشيخ الحسن يمسك بالسيجارة وكعادته متوقفا عن الضرب على آلة البندير , الشيخ عيسى ( أباه ) يراقب الجميع , وبينما الشيخ الحسن يتحدث مع أحد من الجمهور , قام الشيخ عيسى بضربه بالزامر على أنفه ثم تابع * أتزمار
Loading...
Dans le même sujetفي نفس الموضوع
2 Comments
متتبع
26/04/2007 at 23:18
تعجبني هذه المواضيع التي يقاربها الاخ عبد الواحد مزويرح مواضيع تهتم بتراث منطقة بني يزناسن والاتيان على بعض جذورها وامتداداتها واعتقد ان هذا الموضوع سيكون فرصة لمداخلات المهتمين بتراث المنطقة واغنائه ومساهمة مني اسجل الملاحظات التلية : 1 ربط الاخ عبد الواحد ظاهرة العرفة بمدينة احفير والجزائر بينما هذه الظاهرة ممتدة على مدى سلسلة بني يزناسن في اتجاه الغرب وتصل الى منطقة الريف وهي المعروفة بالامازيغية ب : ( امذيازن ) وامذيازن كان لهم موطن آخر يقع الى الجنوب الغربي لقرية عين الركادة والمعروف ب: ( المنزل ) ولم يغادروا مدشرهم المعروف باسمهم الا مع بداية خمسينيات القرن العشرين . 2 الاسماء التي ذكرها الاخ تتوزع بين عرفة احفير والمنزل ( بركان فيما بعد ) 3 مجيء الشيخ علال من الجزائر الى احفير لايعني بذاية معرفة المنطقة للعرفة فشيوخ اواخر القرن 19 يتحدثون عن احياء حفلاتهم بالعرفة والخيل ومركز العرفة في الجزائر هي منطقة (مسيردة ) القرببة الى احفير ) 4 الشيخ عبيدة شيخ كان في خمسينيات القرن 20 اللهم الا اذا كان شيخا غير هذا لان الاوصاف التي ذكرتها تنطبق على الشيخ الاول واذا كان هو المعني فان التبريحة كانت بالدورو في عهده وليس ب 100 درهم وللايضاح فان منطقة الريف كانت تتوفر على عرفة ( امذيازن ) بارعين في النفخ في الزامر والعرفة تخص المناطق التي ذكرتها بنو يزناسن والريف واقصي غرب الجزائر اما مدينة وجدة (اهل انكاد ولمهاية ومنطقة جرادة ولعيون وتاوريرت فانهم مولوعون بالغايطة والقصبة ولهم في ذلك باع طويل اتمنى ان يفيدنا بقية الاخوة المهتمين بالموضوع بالمزيد وشكرا
منير مير، من خارج البلد
28/04/2007 at 14:32
تحية إلى المهتم المجهد عبد الواحد مزويرح،و شكرا ً له على إلفاتته إلى أحد أهم ميزة تتميز بها أحفير و هي العرفة .مزيدا من العطاء عبد الواحد.
2 Comments
تعجبني هذه المواضيع التي يقاربها الاخ عبد الواحد مزويرح مواضيع تهتم بتراث منطقة بني يزناسن والاتيان على بعض جذورها وامتداداتها واعتقد ان هذا الموضوع سيكون فرصة لمداخلات المهتمين بتراث المنطقة واغنائه ومساهمة مني اسجل الملاحظات التلية : 1 ربط الاخ عبد الواحد ظاهرة العرفة بمدينة احفير والجزائر بينما هذه الظاهرة ممتدة على مدى سلسلة بني يزناسن في اتجاه الغرب وتصل الى منطقة الريف وهي المعروفة بالامازيغية ب : ( امذيازن ) وامذيازن كان لهم موطن آخر يقع الى الجنوب الغربي لقرية عين الركادة والمعروف ب: ( المنزل ) ولم يغادروا مدشرهم المعروف باسمهم الا مع بداية خمسينيات القرن العشرين . 2 الاسماء التي ذكرها الاخ تتوزع بين عرفة احفير والمنزل ( بركان فيما بعد ) 3 مجيء الشيخ علال من الجزائر الى احفير لايعني بذاية معرفة المنطقة للعرفة فشيوخ اواخر القرن 19 يتحدثون عن احياء حفلاتهم بالعرفة والخيل ومركز العرفة في الجزائر هي منطقة (مسيردة ) القرببة الى احفير ) 4 الشيخ عبيدة شيخ كان في خمسينيات القرن 20 اللهم الا اذا كان شيخا غير هذا لان الاوصاف التي ذكرتها تنطبق على الشيخ الاول واذا كان هو المعني فان التبريحة كانت بالدورو في عهده وليس ب 100 درهم وللايضاح فان منطقة الريف كانت تتوفر على عرفة ( امذيازن ) بارعين في النفخ في الزامر والعرفة تخص المناطق التي ذكرتها بنو يزناسن والريف واقصي غرب الجزائر اما مدينة وجدة (اهل انكاد ولمهاية ومنطقة جرادة ولعيون وتاوريرت فانهم مولوعون بالغايطة والقصبة ولهم في ذلك باع طويل اتمنى ان يفيدنا بقية الاخوة المهتمين بالموضوع بالمزيد وشكرا
تحية إلى المهتم المجهد عبد الواحد مزويرح،و شكرا ً له على إلفاتته إلى أحد أهم ميزة تتميز بها أحفير و هي العرفة .مزيدا من العطاء عبد الواحد.