Home»Régional»الرواية التفاعلية بين طعم القراءة والكتابة

الرواية التفاعلية بين طعم القراءة والكتابة

0
Shares
PinterestGoogle+

كنا قد دعونا القراء الأعزاء إلى كتابة رواية تطرح فيها قضايا تربوية وما تعيشه مؤسساتنا التعليمية من أوضاع مختلفة، بغية وضع الأصابع على مكمن الداء والتنبيه إلى الأخطار المحدقة بشباب المستقبل قبل فوات الأوان والملاحظ أن مشاركة

أم بثيتة أدت إلى ظهور رواية أخرى إلا أنه مع الأسف بقيت الرواية الثانية معلقة عند مشاركتها ونتمنى أن تجد من القراء من يحركها أما الرواية الأخرى فإننا أنهينا فصلها الأول وسنعرضها على القراء الإعزاء لتقديم آرائهم ومقترحاتهم وتعليقاتهم حتى نتمكن من إتمامها ولكم الشكر الجزيل.

أحس بالهاتف النقال يتحرك في جيبه كالطائر المذبوح، فخنقه بيده اليسرى ، وأخرجه ملطخا برسالة قصيرة ثم قذف به في جيبه الأيسر، والتلاميذ منشغلون في إنجاز واجباتهم داخل الفصل، لم يكن يدري ما يدور حوله ، كان يدخل القسم تلبية لطلب والده المهاجر ، ويخرج مع الخارجين ، انتشله مرة أخرى من أعماق جيبه بقوة فقرأ الرسالة التالية ( التحق بي الآن ) التمس من أستاذه الخروج فأذن له ، وترك محفظته التي تنبعث منها روائح كريهة ، لم يفتحها منذ الدخول المدرسي المنصرم ، قطع المسافة التي تفصله عن صديقه في لمح البصر وهناك خارج الإعدادية وجد كريم بصحبة فتاة لم يرها من قبل وبادره قائلا ( ذق واحدة إنها أحسن من تلك التي كنت تشتريها ، إنهم يبيعونها فقط للأحبة )، وضع الحبة في فمه وأتبعها جرعة ماء صبتها له الآنسة… فعاد إلى القسم عودة الحمامة إلى وكرها ، عبر السور المهدم بمياه الفيضانات التي اجتاحت المؤسسة في الأيام الممطرة.
وما هي إلا لحظات حتى بدأ العرق يتصبب من جبينه ، والصور تتراقص أما م عينيه اللتين
هاجمها النعاس ، ورأسه المتدلي على صدره ، وبدون سابق إنذار خرج من القاعة يجر رجليه ، فاعتقد الجميع أنه مصاب في معدته وانه أسرع إلى إفراغ حمولتها قبل أن تقوم بذلك مقامه ، كانت الكلمات المبعثرة ذات الروائح النتنة تتطاير من شفتيه ، وأحست بغربتها في مؤسسة تربوية لم تعهد مثلها من قبل، أسرع رجال الإدارةو بعض رجال التربية إلى مصدر
الضوضاء فأدركوا جميعا أن المعني بالأمر يعيش في عالم الهلوسة حيث صنع في مخيلته أعداء افتراضيين وبدأ يصب عليهم جام غضبه بسبب عقده الكثيرة التي لازالت مشدودة إلى بعضها البعض ، هيا اقترب يا ابن…..سأقتلكم جميعا أين…..؟.مد يده إلى جيبه فأخرج سكينا
يرقص الموت فوقه ، لم تستطع الإدارة التربوية الصبر أكثر من اللازم خصوصا وأن المذكرات تنص على وجوب الاحترام ، وقد سبق للمحكمة أن أدانت رجال الإدارة بسبب العنف المستعمل ضد المتعلمين ،أمر رئيس المؤسسة أحد الحراس العامين بإلقاء القبض على
الشبح إلا أنه أشار بأنه غير مختص للقيام بهذه المهمة الخطيرة ، وعلى المديرالصبرو الاتصال برجال الشرطة قبل أن تأخذ الأمور مجرى غير طبيعي ، وفي هذه الأثناء سقطت
قرب الإدارة حجرة تركت ندبا وجرحا عميقا على وجه الأرض المبلطة بالإسمنت المتهالك،
وأخرى وقعت على زجاج المكتب ،وكانت السبب في إشعال فتيل الحرب داخل المؤسسة،
غزت مجموعة من الأغيارساحة المؤسسة وعاثوا فيها خرابا ودمارا ، وظلت الحرب سجالا بين التلاميذ المذعورين والمهاجمين من كوكب آخر مدججين بأسلحتهم التقليدية والرقمية ، وسالت دماء كثيرة ، وتدفقت سيارات الإسعاف والشرطة وسيارات الأجرة ورجال الإطفاء
نحو المؤسسة ، وانتشر الخبر في المدينة انتشار النار في الهشيم وأسرع الآباء والأمهات بدورهم إلى مكان الحادث لتفقد فلذات أكبادهم ،فتوقفت الدراسة وتعالت الأصوات هنا وهناك
ولم يعرف معظم التلاميذ ما حل بمؤسستهم في لمح البصر. كانوا يخرجون من الأقسام جريا على غير هدى ،
وعلى مقربة من الإدارة نظم آباء وأولياء التلاميذ وقفة احتجاجية أطرها رئيس الجمعية للسيطرة على الأوضاع حتى لا يؤدي شغب الكبار إلى اقتلاع جذور المؤسسة ،حيث طالب الجهات المختصة بحماية الممتلكات العامة وصون كرامة المؤسسة ،وبناء أسوارها والضرب على يد مروجي المخدرات داخل فضاء المؤسسة ومحيطها والقيام بحملات التوعية حفاظا على الصحة النفسية للمتمدرسين ، وفجأة ساد صمت رهيب وسط ساحة المؤسسة بسبب عودة مجموعة من التلاميذ إليها ، التلاميذ الذين تعرضوا إلى الاعتداء والرشق بالحجارة من طرف هؤلاء المهاجمين الأغيار، في حين بقي معظمهم تحت العناية الطبية بسبب الجروح العميقة التي خلفها الاعتداء بأجسامهم الفتية، كانت الجروح النفسية التي حملها العائدون غائرة عميقة تحتاج إلى أطباء من نوع خاص ، وهناك على بعد بضعة أمتار كانت الشرطة تحيط بالإدارة ، محاولة فهم ماجرى ، لمتابعة الفاعل وإحالته على العدالة بعد تحرير محضر في الموضوع ، في حين كانت
إحدى سيارتهم تنقل فأر التجارب إلى المركز وصراخه يشق أعنان السماء وما من مجيب .

تقع المؤسسة التعليمية على هضبة مطلة على دوار السكويلا أغلب ساكنيه من البدو الرحل الذين تركوا أراضيهم بسبب الجفاف ورحلوا إلى المدينة علهم يجدون فيها ملاذا يحميهم من قساوة الزمان ويضمن لهم قوت يومهم من بين جيوب العمارات الممتدة هنا وهناك كان أغلبهم يسكن على ضفاف الوادي الحار المار وسط عاصمتهم القصديرية حاملا لهم روائح عبقة وضبابا من الناموس والحشرات المستنسخة من المزابل المنتشرة على جنباته ، وقنوات الصرف (غير الصحي) التي حولت الفضاء إلى برك هنا وهناك أصبحت مع مرور الأيام متنزها عموميا للأطفال ومسابح للتباري في الغطس بينهم . وهناك على مسافة بعيدة ،تعالت أصوات الكلاب الضالة ممزوجة بهدير المحركات التي أقامها أصحابها على أطراف الوادي لضخ المياه واستغلالها في سقي الأراضي المزروعة بالسلاطة والنعناع والبقولة والجزر الذي أصبح لا يحتاج إلى روث الدواب أو الأسمدة ، لأن المياه المستعملة تحتوي على جميع المركبات والعناصر الغذائية اللازمة لنمو النباتات والخضر ، إن الحياة دبت من جديد في تلك الأراضي المجاورة للمدينة بفضل القروض الصغرى التي حصل عليها أصحابها وأقاموا مشاريع شبه فلاحية تعتمد على مياه المدينة والصنابير المغفلة. لم يكن أحد من المستهلكين يسأل عن مصادر مياه سقي الخضر الطرية المجلوبة إليهم كانت تهمهم تخفيضات الأسعار أما الجودة لم تثر شهيتهم قط ، وعلى بضعة أمتار شادت الجهات المختصة مستوصفا يقدم النصائح للزائرين ، لم يكن يتوفرلا على الأدويةولاعلى وسيلة اتصال ، بداخله ممرض سيحال على المعاش في الأيام المتبقية، يعاني من آلام حادة يشارك المرضى في نقله إلى مستشفى المدينة بكل الوسائل . أغلب المساكن القصديرية عبارة عن حديقة عمومية للحيوانات ، أصوات تخترق الحواجز والممرات ،من صياح الديكة إلى ثغاء الغنم أو نهيق حمار أنهكته العربة بحمولتها ، حتى إن أحد المصورين التقط مشهدا فريدا لهذا الحيوان المعلق بين السماء والأرض، ونال جائزة أحسن صورة من قبل مؤسسة مجهولة الاسم.
دار السكويلة بقعة يتآلف فيها الإنسان مع الحيوان ، فهذه العجوز التي توفي عنها زوجها وتركها وحيدة تعاني الأمرين ، فكرت في مشروع تربية الدواجن ، وبيع البيض للساكنة ،حيث أقامت حظيرة وخما وسط زقاق الحي بالصفائح المعدنية الملقاة في مزابل الوادي المجاور ، لم يكن الجيران يشتكون من الأذى الذي كانت تسببه لهم لأنها كانت تمنح بين الفينة والأخرى أطفالهم بعض البيض المكسور ، كما أن بيتها الصفيحي أصبح مقرا للندوات والإجتماعات النسوية ولها خبرة طويلة في حل جميع المشاكل التي يتعرضن لها ، فتسدي لهن النصح والإرشاد ، حكت لهن ذات يوم أنها تزوجت أربعة رجال كلهم ماتوا بالسكته القلبية فعزف الرجال عن معاشرتها خوفا على أرواحهم ، كن يضحكن ضحكات تملأ جنبات الوادي وكل واحدة منهن تحمد الله على أن زوجها على قيد الحياة يعود في المساء إلى الخم ليدفئه بلحظات سعيدة ، وما أقلها . وفي الجهة الأخرى من المؤسسة ، يقع حي النهضة الحي الذي التهم الأراضي الزراعية ، وأشجار الزيتون الممتدة إلى تخوم الجبل ، العمارات تسافر في كل الدنيا ، والمنازل الفخمة تحط رحالها في كل الدروب ، والإسمنت المسلح يغزو الحقول والمساحات الخضراء ، والمجلس البلدي يتفنن في وضع تصاميم خيالية تسيل لعاب دوار السكويلة ، هنا دار الشباب ، وهناك المسبح البلدي ، وعلى مقربة من منزل السيد الرئيس ملعب الكرة الذي رصدت له اعتمادات خيالية ،بالإضافة إلى موقف الحافلات ، والمكتبة العمومية والنادي النسوي يختلف عن ذلك الذي أقامته العجوز في بيتها ويستقبل نساء لا يعرفهن التاريخ….
. أين رخصة البناء؟ بهذا خاطب أحد تقنيي المجلس البلدي الرجل القادم من دوار السكويلا الراغب في بناء مسكن قرب إحدى التجزئات السكنية ظنا منه أن الأرض عرشية ، أو في ملكية إحدى القبائل السلالية حيث اعتاد على الترامي على أملاكها إبان موسم الحرث بدون موجب حق قبل أن يصل إلى هذه المدينة السابحة في كل الاتجاهات……
ـــ هات البطاقة يارجل ، سوف تندم على البناء العشوائي المقام هنا في العراء.
ـــ لماذا اخترت هذا المكان ولم تذهب إلى هناك؟
أطرق ولم ينبس ببنت شفة، يلتفت المسؤول التقني فيقول لصاحب الشاحنة اقتلعها من الجذور ثم ينصرف مع كوكبة من مسؤولي المجلس تاركين الرجل والدخان يتصاعد من صدره، والكلمات المتدحرجة من شفتيه تغرق في مستنقع الحزن والإحباط. اجتمع حوله بعض تلاميذ المؤسسة، يواسونه ويهدئون من روعه. قال أحدهم لصديقه :
ـــ من يكون هذا الرجل ؟ فأجابه قائلا:
ـــ هذا الذي تحدث عنه الشاعر عبد المعطي حجازي في قصيدة له بعنوان: أنا والمدينة فأخرج من محفظته كتيبا وبدأ في قراءة القصيدة، وهما يتوجهان نحو المؤسسة:
هذا أنا
وهذه مدينتي
عند انتصاف الليل رحابة الميدان ،
والجدران تل
تبين ثم تختفي وراء تل
وريقة في الريح دارت، ثم حطت،
ثم ضاعت في الدروبْ
ظل يذوبْ يمتد ظل
وعين مصباح فضولي ممل
دست على شعاعه
لما مررت
وجاش وجداني
بمقطع حزين بدأته ثم سكتّ
من أنا يا… من أنت؟
الحارس الغبي لايعي حكايتي
لقد طردت اليوم من غرفتي
وصرت ضائعا بدون اسم
هذا أنا وهذه مدينتي !
لم تكن الإعدادية بأسعد حال ظلت طوال سنوات تفتقر إلى التجهيزات الأساسية، فالمكتبة تضم بين جناحيها آلاف المقررات القديمة لأن عجلة التربية في دوران مستمر، وبدون سابق إنذار يصبح الكتاب المدرسي من الماضي ،ويحل محله كتاب (جديد قديم). إن القراءة أو المطالعة الشخصية والإقبال على الكتب ،شراء وكراء من قبل المتعلمين عبث وضرب من الخيال وتجزية للوقت، حيث إن القيم على الخزانة قتلته الغربة وبات يحلم بالحنين إلى أيام زمان حين كانت المؤسسة تنعم بالأنشطة الثقافية وبجيل متعطش للمطالعة الحرة…. فقدم طلبا لرئيس المؤسسة يلتمس فيه نقله إلى مكتب آخر تدب فيه الحيوية والنشاط على غرار مكتب الغياب مثلا حيث يصطف أمام بابه كل يوم عشرات من التلميذات و التلاميذ لتسوية وضعيتهم التي لن تسوى أبدا، هذا فضلا عن الأمهات اللواتي يترددن على نفس المكتب لمراقبة أبنائهن في غياب الآباء إلى إشعار آخــــــــــر…..
يقطن السيد المدير خارج المؤسسة لأن السكن الإداري لازال محتلا من قبل أحد الموظفين ولازال النزاع معروضا على أنظار القضاء، والوزارة الوصية،لحد كتابة هذه السطور، حيث يأتي متأخرا إلى عمله في غالب الأحيان بسبب ظروفه الخاصة وعدم امتلاكه لوسيلة نقل. التفت الرجل إلى ابنه وهو في ساحة المؤسسة يتجاذب أطراف الحديث مع أصدقائه وناداه بصوت مرتفع:
ـــ عزيز …عزيز ماذا يحصل هنا ؟ رد الابن ببرودة لاشيء لاشيء . ــ من هؤلاء النسوة اللواتي اجتمعن قرب الإدارة؟ ـــ جمعية أمهات التلا ميذ ؟ ــ وأين الآباء ؟ ــ انسحبوا ؟ بدا على وجه الرجل علامات الإستغراب ،ثم أمر ابنه بمرافقته ، وخلف الباب كانت السيارات المرقمة في الخارج تحوم حول الإعدادية في سرعة جنونيية غالبية أصحابها تلاميذ انقطعوا عن الدراسة أو طردوا فركبوا قوارب الموت فمنهم من قضى نحبه ومنهم من التهمته طرق الوطن بعد عودته من ديار الغربة، وتذكر الأب المأساة التي وقعت أمام باب إحدى المؤسسات راح ضحيتها متعلمون في مقتبل العمروأصبح الجاني حرا طليقا ، فلم يجد بد ا من السير على الأقدام في الممر المحاذي لحائط المؤسسة للعبور إلى الضفة الأخرى حيث السيارة في انتظارهما ، كان الحائط أول من يستقبل الزوار ويرحب بهم ، ويعبر لهم عن مشاعره بلوحات فنية رائعة ممتدة على طوله ذات رسومات بذيئة تخدش الحياء ، من عالم فن التشكيل العبثي…. قلوب ورسا ئل من دهاليز الإنترنت. وهناك على بعد عدة أمتار ، شاهد الأب تلميذا يحمل محفظته على كتفه ويتبول على الحائط فيضفي على اللوحة بهاء وجمالا. توقف ومد يده إلى جيبه ملتمسا من الابن شراء بعض الحلوى ، لمنح ((المتعلم )) بعض الوقت لإنهاء مهمته قبل أن يصلا إليه وهو متلبس بفعلته ، وهناك غير بعيد قرب بائع السجائر المهربة بالتقسيط ، كان الدخان يتصاعد من بين مجموعة مختلطة من رواد المؤسسة، ولاحظ أن بعض الفتيات يرتدين سراويل (أمريكية) ضيقة ومصبوغة في الواجهة الخلفية حيث ملمس العفة، كان الرجل يعتقد أن الزي الموحد سيكون مفروضا على الجميع ولو بالقوة عكس تلك الألبسة التي ترتديها بعض المتسكعات في الشارع العمومي صاحبات البطون العارية الجائعة ، ولا حسيب ولا رقيب…
ــ ولكن للحرية حدود .صاح الرجل بأعلى صوته.
ـــ أبي مع من تتكلم ؟
1. لا كنت أخاطب نفسي فقط تذكرت أيام زمان يابني حينما كنا نتردد على المؤسسة، وكانت الشركات الوطنية لصناعة الملابس تعيش مرحلة ازدهارها أما اليوم فالظاهر أن وسائل الإعلام، والإفلاس نجحت في اقناع بعض المستهلكين بجودة الملابس الشيطانية ،فأغلب المصانع أقفلت أبوابها بسبب الإقبال على الأزياء الغربية ، وكثرة العارضات في الشوارع . وأمام السيارة وجدا الحارس العام يتحدث في الهاتف النقال وتوقف الأب قليلا وبعد إنهاء المكالمة سلم عليه وسأله عن أحواله وأحوال المؤسسة،فرد مختصرا ومكثفا
ـــ الحمد لله كل شيء على مايرام …. وفي قرارة نفسه لم يكن مرتاحا للعمل في المؤسسة ، بعدما لاحظ العزوف عن مناصب التسيير ومطالبة المدراء الجهات المسؤولة بتحسين أوضاعهم ،كان يعلم أن أغلب موظفي المِؤسسة يشتغلون بعيدا عن زوجاتهم، وبعض المدرسات يملأن الاستمارات تلو الأخرى ، وينتظرن في كل سنة لعل الحركة الانتقالية تشملهن بعطفها وحنانها ولازالت مصانع الأوراق في المركز تدور وتدور…والانتقال يدغدغ أحلامهن وبينما هو على هذه الحال ،اقترب منه أستاذ اللغة العربية وسلم عليه ، ثم انصرف كان يعلم أنه سيصل إلى منزله بعد صلاة الظهر، ويشرع في إعداد غذائه ، فقد حكى له أنه ذات يوم غلبه النعاس بعد أن وضع الغذاء على النار، فاستفاق صدفة على سحابة من الدخان تغزو البيوت ، ونجاه الله من الكارثة ، كان بيته مَعرضا لأواني الطبخ المحروقة ، يجمع فيه بين مهن مختلفة رغم أن القانون لايسمح بذلك، كان طباخا ومنظف ملابس وخادما ومدرسا… لم يكن يقوى على تحمل كل هذا العناء على مدى السنة الدراسية لذلك كان منزله بين الفينة والأخرى مزارا لسيارات الإطفاء ، لم ينس ذلك اليوم الذي عاد فيه إلى مسكنه بعد العطلة الصيفية ووجد كتبه ومتاعه في عداد المفقودين حيث تعرض إلى السرقة ، واتبع الإجراءات القانونية التي قادته إلى تسجيل الشكاية ضد الرياح…وعاد يجر أذيال الخيبة والتحق بالمرفق العمومي الذي يشتغل فيه ومد بصره نحو لافتة بيضاء معلقة في الهواء مكتوب عليها // معا من أجل بناء الجودة//| وتممتم بعض الكلمات وابتلعته المؤسسة.
وصلت الأم إلى مركز الشرطة في حال يرثى لها خاصة بعد أن تأكدت أن المؤسسة تعرضت للتخريب وأن مجموعة من المتعلمين لازالوا تحت العناية الطبية …أحست بالصداع، فالأسئلة سحابة ممطرة، كم كان يحلم بديار الهجرة للعيش قرب أبيه الذي حرم من حنانه ، لكن انحراف الأحداث قادته إلى مخفر الشرطة، وبعد طول انتظار خرج مع أمه لايدري ما يدور حوله ، كان بين الفينة والأخرى يتشاجر معها ، فتحاول جاهدة الإمساك به، ووصلا المنزل فسقط صريعا على الفراش…. وظلت جالسة بقربه لعلمها أنه كان يتناول الأقراص المهلوسة، وتقوم هي بدور الممرضة
إلى ما بعد صلاة الفجر.لم تكن قادرة على إيقاف النزيف .اعتقدت أن الحساد كانوا له بالمرصاد ،فلم تترك فقيها ولا مشعوذا ، ولا عطارا إلا وزارته ، وحرقت البخور والتمائم عله يهتم بدراسته إلا أن الأوضاع ازدات سوءا كم كانت خائفة أن يلتحق بإحدى العصابات ، أو يصبح مضغة لمروجي المخدرات والأفكار الهدامة وعبدة الشيطان….حيث مجتمع المدينة غير الفاضلة ، تلك المدينة التي لا تقيم للأخلاق وزنا ولا للقيم قداسة . وما أكثر الأسر التي تعاني في صمت ، عاشت بين أروقة المحاكم وقضايا الجرائم والجنح، إنه عالم غريب صنعته المؤسسات الغربية، وثقافة حرية بلا حدود
والزواج المثلي ، والحرية الجنسية، وتدمير الذات…..

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *