Home»Régional»حـــبّ على مشــــارف وجدة( وبكى …. مرتين)

حـــبّ على مشــــارف وجدة( وبكى …. مرتين)

0
Shares
PinterestGoogle+

إن الفنان أو المبدع الحقيقي لايرتفع بفنه عن الواقع بل يعالج قضايا مجتمعه المتنوعة
مختارا في ذلك الشكل الذي يناسبه ، وعليه أن يراعي في عمله أهمية الشكل والمضمون وألا يركز على الشكل على حساب المضمون أو يقوم بالعكس بل عليه مراعاة
المنفعة والمتعة معا في العمل الإبداعي وإذا كان الكتـــّابُ المشارقة قد قطعوا أشواطا بعيدة، فإن الكتاب المغاربة حرقوا المراحل في فن القصة ولحقوا بهم بفضل المجهودات الجبارة التي قامت بها بعض المؤسسات الثقافية ، وبفضل الانفتاح على الحضارة الإنسانية وعدم التقوقع والتشبث بالأشكال التقليدية في شتى أنواع الفنون ،إلا أن القاص يحافظ على سلامة اللغة العربية ويجعلها في متناول القارئ الذي يتابع
ماكتبه المبدع دون ملل أو كلل بسبب سحر اللغة وجمالية التعبير واستخدام الأسايب المتنوعة
التي تقتضيها المواقف والأحداث ،ومن بين القصاصين المغاربة سواء من الجيل القديم أو الجيل الجديد ، عبد الكريم غلاب، ومبارك ربيع ، ومحمد زفزاف ، وخناثة بنونة و ادريس الخوري ، وأحمد المديني، والتازي، والمسناوي،وغيرهم
في بداية الستينات ،برز بعض رواد القصة أمثال محمد إبراهيم بوعلوالذي اتخذ كغيره من الفنانين الواقعية كمنظور يعالج من خلالها القضايا المختلفة. والكاتب محمد بن الخضر زروقي واحد من هؤلاء الكتاب الذين حملوا كاميراتهم ورصدوا هموم المجتمع في الشمال الشرقي من سهل أنكاد في مرحلة معينة من تاريخ هذه الأمة ووثقوا أحداثا مختلفة ما كنا لنطلع عليها لولا الكتيب الذي يحتوي على 67صفحة ، بعنوان (وبكى …. مرتين) ،يحتوي الغلاف على صورة لمناظر طبيعية خلابة ،لأشجار مورقة ،وأراض معشوشبة دلالة على الخير العميم الذي يحط رحاله بهذه الربوع إلى أجل مسمى ، والعنوان نص مواز للقصة المعروضة على أنظار القراء، وبكى ….مرتين ولاشك أن البكاء نتيجة
ظروف معينة عاشها البطل، بسبب ما صادف من أحزان وصراع مع الحياة
قال تعالى (خلق الإنسان في كبد ) . إن البطل الذي يتحدث عنه صاحبنا بطل مكسور الوجدان…. بطل تصدق في حقه الأغنية العربية التالية :
( ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان ، وستسأل عنها موج البحر وموج الشطآن…وتجوب بحارا وبحاراوسيكبر حزنك حتى يصبح أنهارا)
إلا أنه بطل غير مهزوم مثابر وشغوف بالعلم ، طلبه في مدينة وجدة ، ثم سعى إليه بمدينة فاس بجامعة القرويين، ولعل الكاتب كان يريد إيصال رسالة إلى الطلبة المغاربة مفادها أن العلم وحده هو صانع الرجال ، ومصداقا لقول الرسول (ص) (اطلبوا العلم ولو في الصين ) فطلبه في فاس رغم فقره المدقع ورغم ماكابده من مشاق وغربة إلا أن ذلك لم يوقف عزيمته ،كما كان الكاتب بين الفينة والأخرى يوجه كاميرته إلى بعض الأماكن المظلمة في حياة المجتمع سواء مجتمع الطلاب أو الحياة كما هي خارج أسوار القرويين أو مدرسة المعلمين التي ولج أبوابها بعد نجاحه بفاس.
لم يسلم البطل من المآسي الوجدانية والإخفاق العاطفي المتكرر إما بسبب شخصيته أو بسبب أسرته حيث جعل الكاتب القارئ يتضامن معه ،ويشفق عليه راثيا لحاله (( كانت أسرة محمود كبيرة جدا ، وتفرقوا في أمر زواجه طرائق قددا ، فمنهم المتفرج ، ومنهم المشيطن في الخفاء ومنهم المتعرض علانية))
(لقد استسلم محمود ومريم للأمراض والهموم والأحزان وبكى المحب حبيبه ،مرتين ،بل مرات ومرات.) تلك كانت نهاية القصة المأساوية التي أرادها الكاتب لبطله ، وما أكثر أمثالها في المجتمع الجاهل والمتخلف.
عالج الكاتب في قصته الأوضاع الإجتماعية ببني ذراروما كابده البطل من معاناة الحب والهيام ، كما وصف مؤسستين ثقافيتين إحداهما بفاس والأخرى بوجدة من الداخل بطاقمها التربوي والإداري وطلابهما المغاربة أو الأجانب ، و تعرض للأعراف الاجتماعية في ما يخص الزواج ودور الأسرة في هذا المجال ( دور سلبي)
إن الكاتب خبير بالشؤون الإجتماعية والأوضاع المعيشية للبطل لذلك فهو يعرف عنه كل شيء عن أفكاره وأحاسيسه عن ميولاته ورغباته إنه أي البطل خاتم في أصبع الكاتب يحركه متى شاء وأنى شاء ، وقد تحكم في شخصيته إلى درجة أن القارئ أصبح يعتقد أن محمود هذا هو الكاتب نفسه ؟ لماذا كان يورد أسماء لأشخاص ربما لازالوا على قيد الحياة ؟، إن التقنية التي استخدمها الكاتب في سرد الوقائع هي تقنية الرؤيا من الخلف لأنه كان ينقل الأحداث بضمير الغائب كما أن الزمن يتطور في اتجاه تصاعدي ، مع الأحداث الشيء الذي يجعل القصة تدور في فلك القصة الكلاسيكية التي تركز على البطل وتحافظ على الهيكلة العامة للأحداث وتطورها بالنسبة لهذا النوع من الكتابة وقد استطاع الكاتب أن يجذب القارئ إليه ويشده ، بأسلوبه الرائع وطريقته في سرد الأحداث ،واعتماده على النصوص القرآنية
والحديثية والشعرية واستغلاله للأمثلة الشعبية كقوله ( ما عندي غرض لافي الزرواطة ولا في راس البوسعيدي ).
وخلاصة القول إن القارى للقصة تحت عنوان( وبكى …مرتين ) يجد المتعة والمنفعة معا بفضل ثقافة صاحبها واستغلالها في أماكن عديدة من القصة ، تلك الثقافة الإسلامية المدافعة عن قيم الحق والجمال.



MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *