Home»Régional»دلالة الاحتفال بمولد رسول الإنسانية عليه السلام( الحلقة الثانية )

دلالة الاحتفال بمولد رسول الإنسانية عليه السلام( الحلقة الثانية )

0
Shares
PinterestGoogle+

مر بنا أن الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو احتفال بفرصة العودة إلى الجنة بعد الخروج منها من خلال الاقتداء بهذا الرسول العظيم الذي ختم الله تعالى به الرسالات بعد كمالها وتمامها وكان النموذج في الطاعة التي تعيد الإنسان إلى أحسن تقويم ؛ وجعله الله تعالى أسوة وقدوة بعدما خصه بعصمة دون غيره و هي السر وراء اتخاذه أسوة؛ إذ لا يمكن التأسي بمن كان عرضة للخطأ مهما كان حتى لا ينعكس ذلك على التابعين فيضيع الهدف الذي أراده الله تعالى من وراء خلق الثقلين الإنس والجان.
وفي هذه الحلقة سنسلط الضوء على ميزة أخرى لآخر الرسالات بعد الكمال والتمام والخاتمية والعالمية.
إنها خاصية الرحمة لقوله تعالى في وصف الرسول : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وقوله تعالى في وصف الرسالة : ( ولقد جئناكم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يِؤمنون ) .
والرحمة هي الرقة والتعطف ؛ وهي السبب في العفو والمغفرة لهذا تطلق الرحمة عليهما . والرحمة صفة إلهية تسمى بها الخالق جل جلاله من خلال اسمين عظيمين من أسمائه الحسنى وهما الرحمان والرحيم ؛ ولا يفتتح كلام إلا بهما . واسم الرحمان أخص من الرحيم وهو يقابل اسم الجلالة الله جل شأنه وفيه يقول رب العزة: ( قل أدعوا الله أو أدعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ). ويختص اسم الرحمان بواسع الرحمة وكثرتها وعمومها بحيث تشمل المستحق لها وغير المستحق. وأول الرحمة الخلق والإيجاد في الجنة وثانيها فرصة الحياة الدنيا من أجل التوبة والعودة إلى الجنة من جديد وثالثها الهداية للإيمان عن طريق الرسالات وآخرها رحمة النظر إلى وجه الله تعالى. وبين هذه الرحمات العظمى رحمات لا تعد ولا تحصى : ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) .
وإذا كانت الرحمة في البشر عبارة عن رقة تنتابهم بسبب المشاهد المثيرة للشفقة والمسببة لهم في الألم فان الرحمة الصادرة عنهم سببها الحاجة إلى دفع الألم عن أنفسهم طلبا للاستراحة منه فيكون الرحيم من البشر مسديا خدمة لنفسه لا لغيره خلاف رحمة الله عز وجل التي هي رحمة الغني لقوله تعالى : ( وربك الغني ذو الرحمة ) فهو يرحم ولا حاجة له بالرحمة بل فيها نفع لمن يرحمهم . وإذا ماكانت رحمة الخلق نسبية ومحدودة فان رحمة الله عز وجل مطلقة ولا حدود لها لقوله تعالى : (فقل ربكم ذو رحمة واسعة ).
وإذا ما كان شأن الرحمة عند الخلق حضورها عند البعض وغيابها عند البعض الآخر؛ فإنها عند الخالق حاضرة حضورا لازما ألزم الله تعالى به ذاته الكريمة ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لما خلق الله الخلق كتب في كتاب وهو عنده فوق العرش أن رحمتي سبقت غضبي ) ؛ وهو ما يؤكده قوله تعالى : ( كتب على نفسه الرحمة ). ومعلوم أن الغضب لا ينتج عنه إلا الشر بينما يكون نتاج الرحمة الخير ؛ والله تعالى خير(بتضعيف الياء) لا يفعل إلا الخير؛ وخيره متضمن حتى فيما يعتبره الناس شرا ؛ فالخير عنده تعالى مطلوب لذاته ؛ والشر مطلوب للخير لا لذاته ؛ لهذا يسلط الله تعالى الشر على مخلوق ليحقق له أو لغيره خيرا كثيرا من وراء ذلك ؛ وفي هذا الكلام رد على الذين ينكرون وجود الشرور في الدنيا مع وجود رحمة الله التي تشمل كل شيء وتسعه لقوله تعالى : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) وبيان ذلك أن الإنسان قد يبطر منه عضو فيه علة مؤذية وهو شر في الظاهر لتسلم باقي أعضائه من هذه العلة ؛ وهذا نموذج شر في طيه خير .
لقد جعل الله تعالى كل الرحمة في آخر الرسالات وفي صاحبها عليه السلام. وأكبر رحمة في آخر الرسالات أنها إيذان بقرب الساعة لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول : ( بعثت أنا والساعة كهذين ) يقول هذا وهو يجمع بين السبابة والوسطى كناية عن القرب بينهما. وقد يعتبر البعض أن قرب الساعة شر؛ وهو بالفعل شر للعصاة ولكنه فيه كل الخير لأهل الطاعة ؛ وبيان ذلك أن الحياة الدنيا هي مجرد فرصة كما مر بنا أعطيت للإنسان بعد خطيئته الأولى ؛ وهي بذلك امتحان ؛ والامتحان فيه شقاوة لهذا كانت الحياة دار شقاوة بل هي سجن المؤمن كما قال الرسول الأعظم وجنة الكافر ؛ وهو أمر يؤكده الوحي : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) فالمكابدة لا تكون إلا حيث تكون الشقاوة. وخطاب الله لآدم في الجنة : ( فلا يخرجنكما منها فتشقى ) دليل واضح على شقاوة الدنيا لهذا تكون آخر الرسالات بشارة بقرب نهاية الشقاوة والعودة إلى السعادة الأبدية.
والى جانب هذه الرحمة العظيمة وهي رحمة قرب انتهاء شقاوة الإنسانية في الدنيا هنالك رحمات جعلها الله في آخر رسول عليه السلام منها التخفيف من التكاليف التي كانت في الرسالات السابقة قبل كمال الدين وتمامه وهو ما عبر عنه الوحي بقوله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبيء الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) والإصر والأغلال هي كل ما كان يثقل الرسالات السابقة من تكاليف شاقة تم التخفيف منها في آخر رسالة رحمة بالعالمين.
ومن رحمة النبي عليه السلام بالناس انشغاله الكبير بكل ما يسبب لهم الشقاوة والعنت لقوله تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم )؛ وأكبر ما كان يحرص عليه هو أن يتجنب الناس السيئات ؛ لأن من جنبه الله تعالى السيئات فقد شمله برحمته مصداقا لقوله تعالى على لسان الملائكة الكرام المستغفرين للخلق : ( وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ) وهو ما يؤكده قول الرسول الأعظم : ( كلكم يدخل الجنة إلا من أبى) فلما قيل ومن يأبى يا رسول الله ؟قال : ( من عصاني فقد أبى ) ؛ وهذا ما يعنيه قول الله تعالى : ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ).فثمن الرحمة وهي العودة إلى الجنة هي الطاعة وهو ثمن بإمكان كل إنسان وفي وسعه وطاقته إلا من أبى دفع الثمن لشقاوته لأن الله تعلى لا يكلف نفسا إلا وسعها والطاعة في وسع الجميع ولا عذر لأحد وقد بعث الله آخر رسول بآخر رسالة كاملة تامة فيها يسر كبير ولن يكون للناس على الله حجة بعدها .
وأكبر رحمة خص بها الله تعالى نبيه الكريم رحمة الشفاعة التي يدل عليها قوله تعالى : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) وبيانها ما جاء في الأثر حيث يفزع الناس يوم الحشر إلى كل الرسل والأنبياء يلتمسون الشفاعة والتدخل لدى الخالق سبحانه فيسمعون منهم جوابا واحدا وهو : إن الله قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله من قبل ولن يغضب مثله من بعد ثم يقول كل واحد نفسي نفسي وهو ما يؤكده الوحي : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) حتى إذا جاءوا صاحب الشفاعة قال ما قاله الرسل عن غضب الله تعالى ولكنه يقول أنا لها أنا لها؛ أي للشفاعة فيسجد ويمكث ساجدا ما شاء الله تعالى ثم يرضى ربه فيخاطبه : يا محمد ارفع واسأل تعط واشفع تشفع فيقف الرسول الأعظم على أبواب النار ينقذ العصاة من أمته. ؛إنها الرحمة العظمى. فحين يحتفل الناس بمولده إنما يحتفلون بكل هذه الرحمات . وهنا يعرف فضل هذا النبي العظيم الذي يسهو بعض الناس عن سنته الموصلة إلى الخلاص. ومع الأسف الشديد يكثر عند بعضهم ذكر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ذكره وينسب الفضل لغيره وتنسب الشفاعة لغيره وتنسب العصمة لغيره وقد يرد د المرددون في اليوم أسماء غيره أكثر من ترديد اسمه الشريف ويزعمون المزاعم في غيره كذبا وهم على علم بأن الرسل والأنبياء السابقين يقول كطل واحد منهم يوم الحشر نفسي نفسي ولا يغني عن غيره شيئا إلا الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم والذي لا يشاركه في ذلك أحد كما يدعي المدعون كذبا وزورا. فإذا كان الرسل على أقدارهم؛ كل واحد يقول نفسي فما بال من كان دونهم قدرا؟؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. الفجيجي
    29/03/2007 at 10:36

    بهده المناسبة الكريمة ادعو الله ان يوحد صفوف هده الامة المظلومة . و ان يهدينا لنعيد الرحمة والمحبة الى قلوبنا اقتداءا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولكل اجر عمله
    قال رسول الله صلى الله عليه : من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الارض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الانبياء إن الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *