دلالة الاحتفال بمولد رسول الإنسانية عليه السلام

دأب الناس على الاحتفال بما يسرهم ويسوءهم من أجل استعادة المشاعر المصاحبة للذكرى المحتفل بها. والاحتفال بذكرى مولد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام عبارة عن استعادة لمشاعر السعادة الغامرة؛ لأن الحدث ليس مجرد ميلاد إنسان بل هو حدث أعظم وأجل من جهة لعظمة صاحب الذكرى فهو آخر رسول بعثه الله عز وجل لإنقاذ البشرية إنقاذا شاملا ؛ ومن جهة أخرى لعظمة الأحداث المرتبطة بهذا النبي العظيم. إن كلمة رسول والتي تعني في اللسان العربي الرسالة تحيل على الذي يتابع أخبار من بعثه ؛ ويسمى الرسول باسم مهمته ؛ والقرآن الكريم يؤكد هذا المعنى في خبر موسى وهارون : ( فقولا إنا رسول لرب العالمين ) أي ذوا رسالة منه تعالى . ولما كان الرسل ( بتضعيف الراء وتحريك السين ) هو القطيع من كل شيء فان قطيع الأخبار إن صح التعريف عبارة عن رسل وجمعها أرسال وهذا واضح الصلة بكلمة رسالة. ولقد اتخذ الله تعالى منذ بداية البشرية رسلا ( بتسكين السين وتحريكها) ويقال أيضا أرسل ورسلاء. وكلمة رسول تطلق على الواحد وعلى الجماعة لقوله تعالى : ( إنا رسول رب العالمين) والضمير يعود على جماعة. ورسالة الله عز وجل للبشر واحدة لم تتغير بالرغم من اختلاف الأزمنة والأمكنة؛ ومضمون هذه الرسالة هو كلمة التوحيد : ( لا اله إلا الله ) وكانت تقترن باسم الرسول الذي يبلغها في كل زمان. ولقد اتخذ الله عز وجل رسلا ممن خلق ملائكة وانس وجن ؛ فقال سبحانه : ( الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا) كما قال : ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) وقال أيضا : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتيكم رسل منكم). ولقد اقتضت إرادة الله الحكيمة أن تكون الرسالة واحدة وتكون وسيلة التبيلغ متنوعة باعتبار اللسان في كل زمان وفي كل مكان فقال تعالى في هذا : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ). ولقد كشف الله تعالى عن السر من وراء إرسال الرسل؛ فمن المعلوم أن الإنسان بعد تكريمه بالجنة دون سعي منه فضلا من الله ونعمة وقع في الخطيئة فأخرج منها واشترط عليه سعي معين من أجل العودة إليها بعدما أعطي فرصة العفو والمغفرة من الخطيئة التي حذر منها . والوحي يقص علينا الخبر اليقين ؛ قال الله تعالى : ( فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى ). وكانت الوسوسة من الشيطان وأعقبتها الخطيئة من الإنسان وبدأت شقاوة الحياة بجوعها وعريها وعطشها وكانت فرصة لاستدراك الخطيئة. وارتبطت الرسالات المتتالية بهذه الفرصة لأن الله عز وجل اشترط حسابا يليه جزاء التكريم أو العقاب ؛ وما كان جل شأنه ليعاقب دون حجة لهذا بعث الرسل وهو يقول في هذا الصدد : ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما) ولما كان الجزاء بالعقاب يعجل أحيانا في الحياة الدنيا قيل الحياة الآخرة بسبب طغيان الإنسان فان الرسالات كانت بمثابة حجة لتعجيل العقاب ؛ وفي هذا يقول الله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا). والرسل الكرام عبارة عن شهود تطلب شهادتهم في اليوم الآخر لهذا يقول الله تعالى : ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) كما يقول سبحانه : ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم). ومهمة الرسل الكرام التبيلغ في شكل تبشير وإنذار وهو ما يؤكده الله تعالى بقوله : ( رسلا مبشرين ومنذرين ) وقوله : ( ما على الرسول إلا البلاغ) . وقد أمر الخلق بطاعة الرسل لأنها في الحقيقة طاعة الله صاحب الرسالة وفي هذا يقول الله تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله). كما قال سبحانه : ( ومن يطع الرسول فقط أطاع الله ). والرسالات تقدم كلمة التوحيد لا اله إلا الله والتي تعني أنه لا يعبد ولا يطاع إلا الله بمعنى لا يحيى الإنسان في هذه الدنيا إلا بالطريقة التي اختارها الله له ؛ وقد دعم الله تعالى رسالته بالبينات أي بالدلائل والحجج ؛ فلما كان سبحانه لا يدرك كذات لعظمته وسعته لملكه ولكل شيء فيه ولمخالفته لكل شيء في ملكه ( ليس كمثله شيء ) ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) فكل ما يدرك منه هو أفعاله الدالة عليه وهي الآيات البينات التي جاءت بها الرسالات وفي هذا يقول الله تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات) وقوله أيضا ك ( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات ) وهي الدلائل الواضحة. ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو آخر الرسل وكانت رسالته هي آخر الرسالات فإنها قد تميزت عن سابقاتها بخصائص منها خاصية العالمية عوض الإقليمية المرتبطة بزمان ومكان معينين وفي هذا يقول الله تعالى ك ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) وفي هذا تفضيل لرسول الله عليه السلام وهو ما يؤكده اله تعالى في قوله : ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) ؛ وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمة تفضيله على الرسل فقال : (مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها وجملها وترك منها موضع لبنة فجعل الناس يطوفون بالبناء ويعجبون منه ويقولون لو تم موضع تلك اللبنة ؛ وأنا في النبيين موضع تلك اللبنة ) إن تشبيه التمثيل هذا يبين نعمة التفضيل التي أنعم بها الله عز وجل على نبيه الكريم؛ وهي نعمة كمال وتمام الدين ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) بمعنى بالتزام الإسلام على الطريقة التي جاءكم بها محمد صلى الله عليه وسلم يتم ما اطلبه منكم من طاعة تامة كاملة تعيدكم إلى الجنة حيث خلقتم أول مرة. وهذا فضل آخر رسالة على سابقاتها التي لم تتم
كتمامها. وهذا التفضيل هو المقصود بقوله تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) فالإظهار هو الإعلاء وهو التفضيل. ولما كانت رسالة محمد عليه السلام هي رسالة الكمال والتمام فقد جسدها بطاعته النموذجية حتى شهد له ربه بذلك قائلا : ( وانك لعلى خلق عظيم ) . ولما كان على هذا الخلق العظيم جعله الله تعالى أسوة وقدوة فقال : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) بمعنى من أراد أن يعود إلى الجنة حيث خلق أول مرة فليكن كمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى خلقه العظيم ؛ وهو خلق سئلت عنه عائشة أم المؤمنين فقالت رضي الله عنها : ( كان خلقه القرآن ) بمعنى كان يجسد أوامر القرآن بأفعاله صلى الله عليه وسلم. ولما أراده ربه أسوة وقدوة فقد أكرمه بالعصمة وهي لا تكون إلا للأنبياء أصحاب الرسالات لأنه لا يجوز أن يأمر الناس بإتباع من لا عصمة له لإمكان وقوعه في الأخطاء مما ينعكس على سلوك من يقتدي به ؛ وهذا مخالف لما تزعمه الفرق الضالة في غير الأنبياء كدأب الرافضة التي تنسب العصمة للإمام ؛ كدأب الطرقية التي تنسب العصمة لشيخ القطب المربي حسب زعمهم وهو ما لا يصح عند أهل التحقيق من أئمة وعلماء. ولقد جعل الله تعالى رسوله الكريم شاهدا على أمته الشاهدة بدورها على باقي الأمم بسبب كمال الدين وتمامه فقال سبحانه : ( إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم ) كما قال : ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ). وقد يتخذ بعض الناس من شخص الرسول الكريم موضوعا للتجاسر على الوهية الخالق جل وعلا فينسبون له من الصفات الإلهية ما لم ينزل به الله سلطانا حبا في تزكية أنفسهم ليس غير؛ لأنهم بإثبات صفات ما فوق البشرية لنبيهم يستفيدون حسب زعمهم من ذلك فينالهم ما نال نبيهم من صفات متجاسرة على صفات الله تعالى لهذا يؤكد الوحي على الطبيعة البشرية للرسل درءا لكل اعتقاد فاسد فيهم فيقول المولى جل وعلا : ( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا وجعلنا لهم أزواجا وذرية) ؛ كما قال : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) فلازم الزواج والذرية وأكل الطعام والمشي في السواق هو الطبيعة البشرية المعروفة عند البشر مما ينفي الصفات الله عن خلقه من المرسلين وحتى الصفات الملائكية كانتفاء الأكل والشرب والوقاع فيهم. ولقد أراد أتباع عيسى عليه السلام أن يلصقوا به صفة الألوهية فأبى الله ذلك فقال : ( ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يوفكون ) إن الافك هو الكذب وادعاء ما ليس حقيقة . وإذا كان أتباع المسيح قد ألهوه ؛ فان الرافضة الضالين ألهوا عليا بن أبي طالب رضي الله ونسبوا له من الخوارق ما لم ينسب حتى للنبي عليه السلام بل رفعوا من قدره فوق قدر النبي عليه السلام حبا في الرفع من أقدارهم والتميز على الناس وهو افك كافك من أله عيسى عليه السلام . وما قص الله تعالى على آخر رسول إخبار الرسل السابقين إلا لغاية تثبيت فؤاده والاقتداء بهم طلبا للكمال مصدقا لقوله تعالى : ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ) أما ما لم يذكر من أخبارهم فقد خفي لحكمة أرادها الله كما قال سبحانه : ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) . لقد جعل الله تعالى وسيلة العودة إلى الجنة هي طاعته وطاعة رسوله إذ لا يفرق بين الطاعتين لأن الرسول لا ينطق عن هوى ولا يأمر إلا بما أمر به الله عز وجل لهذا يقول الله : ( ومن يطع الله وسوله يخله جنات تجري من تحتها الأنهار ) وخلاف ذلك قوله تعالى : ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها ) . والطاعة تلزم صاحبها قبول الشرع في المنشط والمكره لقوله تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ). فمن كان له خيرة من أمره كان مخالفا لشرع ربه وكان منافقا صادا عن دعوة الله عز وجل لقوله تعالى : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما انزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) وقد اخذ النفاق أشكالا تعرف من خلال نوعية الصدود ؛ فمنه نفاق الرافضة التي تصد عما أنزل الله وما جاء به الرسول لتثبت ما وضعه كبيرهم ابن السوداء اليهودي ابن سبأ الذي أراد أن يدخل بدعة التحريف إلى القرآن الكريم من جهة ليكذب القرآن القائل : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ومن جهة أخرى ليصرف الأنظار عن فضح القرآن لتحريف التوراة ؛ ثم لينشر الفتنة بين المسلمين من خلال استغلال الضالين الذين انطلت عليهم الحيلة ليكون مصدر متاعب للمسلمين يكفرونهم ويسبونهم ويقفون ضدهم مع العدو الكافر خدمة للضلالات وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ( يتبع )
Aucun commentaire