البغاء الوحشي : المنطلقات والأسباب والأشكال والعلاج

البغاء الوحشي
المنطلقات والأسباب والأشكال والعلاج
بقلم يوسف حجازي
فلسطين
لا شك أن مقال الأخت الكاتبة الملتزمة صباح الشرقي ( الدعارة ثالث اكبر مصدر دخل بعد المخدرات والقمار وتأثيرها السلبي على مجتمعاتنا العربية والإسلامية ) مقال هام جدا وخطير جدا لأنه يمس عصبا حساسا من حواسنا ويسد نقصا في حياتنا الثقافية والاجتماعية والأخلاقية خاصة في هذا الزمن العربي الرديء الذي يسيطر فيه الإعلان على الإعلام والسياسة على الثقافة والانفتاح الاستهلاكي على الانفتاح الإنتاجي في ظل أنظمة عربية ديكتاتورية كمبرادورية هي في الأصل والنهاية مسؤولة بشكل مباشر وعن عمد وسبق إصرار وترصد عن كل النكبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية ألتي حلت وتحل وستحل بالوطن العربي إذا لم تحل هذه الأنظمة عن ظهر الشعب العربي , لأنه لا حل إلا أن تحل ولا تغيير إلا أن تتغير , لأننا وبصراحة أكثر وتركيز اشد شعوب منكوبة بقياداتها وأحزابها وجيوشها , ولذلك لن يكون الحل إلا من الكتاب ولن يكون التغيير إلا من الكتاب , لأنه إذا كان للحكام جيوشهم فإن للكتاب أقلامهم النظيفة التي يجب أن تعري هذه الأنظمة وتشكل وعي الشعوب العربية في اتجاه الثورة البرتقالية عليها لأنها مسؤولة مسؤولية مباشر ليس عن البغاء فحسب وإنما عن كل الظواهر الاستيطانية السلبية المزمنة في الوطن العربي , لان هذه الأنظمة وبالإضافة إلى دورها في تهيئة الظروف تقوم بدور القوادة في هذه الظاهرة , لان البغاء الوحشي هو قبول مزاولة علاقة جنسية خارج الدين والعرف والعادة والأخلاق الغامة في مقابل ثمن يعطى أو يطلب , وذلك بالإضافة إلى قواده أو وساطة يقوم بها طرف ثالث بدافع التكسب من هذا الدور, وهي ظاهرة استيطانية مزمنة عرفتها كل المجتمعات البشرية وعبرت التاريخ كما عبرته فيرها من الظواهر الأخرى مثل القتل والاغتصاب والسرقة والتسول الانحرافي والكذب والنفاق والتزوير والرشوة والاستعمار والغش والقمار , وهي أيضا ظاهرة قديمة عرفتها المجتمعات الفينيقية والبابلية والفرعونية والإغريقية وغيرها من المجتمعات القديمة الأخرى, وقد خضعت في منطلقاتها في بعض مراحلها إلى شكل من أشكال التقرب إلى ألا لهه أو شكل من إشكال التجارة أو شكل من أشكال التنظيم لدرجة انه كانت هناك محظيات للذة الجسدية وأنيسات للسرور الروحي ونساء شريفات زوجات لإنجاب الأطفال وإدارة البيوت , وقد لعب العامل الاقتصادي من مستوى الضرورة إلى مستوى الرفاهية دورا هاما في ظهور وانتشار واستمرار هذه الظاهرة إلى جانب عوامل أخرى تربوية ونفسية وصحية واجتماعية وسياسية واستخباراتية وحربية وحتى دينية وخاصة في بعض المجتمعات القديمة , وذلك بالإضافة إلى بنية المجتمع وبنيانه وتناقضاته , وقد خضعت هذه الظاهرة إلى دراسات واسعة ومتخصصة ومتعددة ومتنوعة في العصر الحديث لأنها لم تعد مجرد ظاهرة يمكن أن تعالج بالمواعظ النصائح والتحذير الأخلاقي والمعنوي والروحي , ولكنها أصبحت ظاهرة موضوعية تدرس دراسة نقدية وموضوعية في العلوم الإنسانية والتجريبية , وخاصة في علم الإجرام الذي يحاول شرح أسباب هذه الظاهرة وتحديد معالمها في إطار الجنوح والانحراف , وعلم الطب النفسي والعصبي الذي يحاول بدوره أيضا شرح هذه الظاهرة وتحديد معالمها في إطار الاضطرابات والأمراض الجنسية والنفسية والعصبية , وأيضا علم الاجتماع الذي يحاول شرح أسباب هذه الظاهرة في إطار بيئة المجتمع وبنيانه وتناقضاته ومدى ارتباطها بالنزعات والميول وانعكاساتها على تفجير الكبت النفسي أو إسقاط المعاناة , وقد كانت هدف هذه العلوم جميعا وبالإضافة إلى التشريعات والقوانين التي تهتم بهذه الظاهرة على مستوى معايير العقاب هو معرفة مدى تفاعل هذه العوامل وتعددها في تهيئة الظروف المناسبة لنمو هذه الظاهرة وتنشيطها أو حصرها وحصارها وما يترتب عليها من نتائج وآثار اجتماعية واقتصادية وسياسية وأسرية ونفسية وعصبية وجسدية , ولذاك ومن منطلق الشكر للكاتبة الملتزمة المتزنة صباح الشرقي التي طرحت هذه الظاهرة على بساط البحث بكل جرأة وشجاعة وشفافية ورؤية مبدئية تفتح الطريق أمام دراسات أخرى حول واقع البغاء وآفاقه في لونه الحديث وصورته المعاصرة من اجل مقاومة آفة العصر هذه وحماية الآداب العامة وخاصة بعد انتشارها في المجتمعات المعاصرة التي انطبعت بطابع الاستهلاك في كل شئ بما في ذلك القيم والمبادئ والأخلاق والأيديولوجيات , وفلسفة إشباع البطن وإفقار الضمير لدرجة أنها أصبحت لا تمارس بدافع الفاقة والضرورة وانما بدافع التحلل الجنسي مع الملل العاطفي وضعف مشاعر التسامي والرغبة والتغيير والتبديل بعد أن عم التغيير في كل شئ في المجتمعات حتى في القيم والأفكار والمبادئ والمثل والأيديولوجيات والعادات الاجتماعية , لأننا وللأسف الشديد أصبحنا تعيش في عصر كل شئ فيه يباع ويشترى في سوق الاستهلاك , حتى أن بعض المفكرين والمثقفين اصبح ينادي بما يسمى التهوية الجنسية أي ترك هذه الظاهرة حتى تصل إلى درجة التشبع للتخفيف من حدة تخفيها والانتشار الوبائي لهذه الظاهرة والعودة إلى الاعتدال والتعادل بعد الإشباع كما حدث في بعض المجتمعات الأوربية بالنسبة لأفلام ( البوريو الجنسية ) , أو السكوت الضمني عن الفضيلة في بعض التشريعات الخاصة بتحديد الشذوذ الجنسي والتمييز في الأخلاقيات بين ما هو مبادئ سامية وما هو معنويات تقليدية وما هو سلوك طبائعي .لكن هذه الحلول جميعا لم تكن حلول ناجعة في حصر هذه الظاهرة وحصارها والقضاء ع
Aucun commentaire