Home»Régional»آفة الحسد

آفة الحسد

0
Shares
PinterestGoogle+

الحسد انفعال نفسي يصدر من مصاب بهذا الداء الخطير إزاء نعم الله على عباده المحسودين ؛ وتمني زوالها سواء كان ذلك بواسطة سعي مباشر لزوالها بإيعاز من حقد وغيظ ؛ أو توقف الأمر عند مجرد حب زوالها.
ومن معاني الحسد اللغوية القشر ؛ وهو السحق ؛ ذلك أن الحاسد كالقاشر كالذي يسحو اللحاء والجلد وقد قال الشاعر : أتاني قاشر وبنو أبيه وقد جن الدجى والنجم لاحا
وما أشبه القشر المادي بالقشر المعنوي وهو حب زوال كساء النعمة.
ولقد علمنا الله عز وجل في محكم التنزيل التعوذ من شرور عينها بدقة في سورتين عظيمتين هما المعوذتان ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام إلا إذا قرأهما ونفخ في يديه الشريفتين ومسح بهما جسده الشريف كما روت أمنا عائشة رضي الله عنها.ومن هذه الشرور شر الخلائق التي خلقت لتتعامل فيما بينها بأسلوبين : أسلوب الخير وأسلوب الشر ؛ وشر الغاسق لما فيه من ظلمة يتستر بها الأشرار ؛ وشر السحر الذي يروم ايقاع الضرر؛ وشرالحاسد محب زوال النعم .
ولو تأملنا هذه الشرور في المعوذة الأولى لوجدناها تحيلنا على أصل الشر في المعوذة الثانية وهو المخلوق الشرير إبليس اللعين فهو من شر ما خلق الله عز وجل ؛ وهو الخناس المتواري عن الأنظار ؛ وهو نافث السحر ؛ والموسوس بالحسد. وهو نموذج الحساد وأسوتهم فكان أول حسد في التاريخ من صنيعه إذ حسد آدم على نعمة التكريم فكان بذلك عليه وزرالحسد ووزر من عمل به إلى يوم القيامة ؛ وكل الحساد من ذريته ما دام الله عز وجل قرن بين الإنس والجن في الشيطنة ؛ لقوله : ( شياطين الإنس والجن)
والله إنما علمنا التعوذ من الحسد لشره ؛ والشر نقيض الخير؛ والشرير بتضعيف الراء وتخفيفها هوالسيء الذي لا خير فيه وهو معيب لأن الشر بضم الشين هو العيب. وقد جاء في الأثر : ( ولد الزنى شر الثلاثة)
لأنه من ماء زانية وماء زان ؛ فشره أكبر من شر هما لأنه خليط من شرهما.
والحساد ثلاثة أصناف ؛ صنف من يحب زوال النعم عن غيره دون الرغبة فيها وهذا غاية الخبث؛ وصنف يحب زوال النعم رغبة فيها وهذا غاية الجشع ؛ وصنف ثالث يحب زوال النعم مخافة أن يظهر التفاوت بينه وبين صاحب النعم وهذا غاية الجبن.
والحسد ممنوع شرعا ؛ وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم من علامات النفاق إذ قال ( المؤمن يغبط والمنافق يحسد) والغبطة غير الحسد فهي المنافسة الشريفة ؛ والمنافسة من النفاسة وقد رخصها الله تعالى بقوله : ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) والغبطة عبارة عن الرغبة في نعم الغير دون حب زوالها منه وهي المقصودة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل والنهار ؛ ورجل آتاه الله قرآنا فهو يتلوه) بمعنى المنافسة تكون في أعمال الخير بالإنفاق في سبيل الله ؛ وبالعلم خصوصا العلم الحق كتاب الله عز وجل.
والحسد آفة قلما ينجو منها احد لقوله عليه السلام : ( ثلاث لا ينجو منهن أحد الظن والطيرة والحسد) لهذا قال عليه السلام : ( إذا ظننت فلا تحقق ؛ وإذا تطيرت فامض ؛ وإذا حسدت فلا تبغ ).
ومما أثر عن نبي الله زكرياء قوله حكاية عن رب العزة : ( الحاسد عدو لنعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي )؛ وهو كلام يؤكده الحديث الشريف : ( إن لنعم الله أعداء ) كما يؤكدها القرآن الكريم : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله).
ومن عافاه الله من داء الحسد دخل الجنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الضامن إذ قال لأصحاب يوما وهو في المسجد : ( يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة) وتكررالقول ثلاثة أيام وكان الطالع رجل من الأنصار ينفض لحيته من الوضوء ؛ وقد تحايل عليه عبد الله بن عمرو بن العاص ليعرف سر دخوله الجنة فاختلق حكاية خصامه مع والده ليبيت معه ثلاث ليال ويطلع على سره فما رأى منه فضل عبادة ولا طول قياما فكاد يحتقر عمله حتى أخبره بالأمر فكان رده بعدما سئل عن العمل الذي حاز به الجنة : ( ما هو إلا ما ترى غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشا ولا حسدا على خير أعطاه الله إياه) وكان تعقيب عبد الله : ( هي التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ). وبالفعل ليس من السهل أن يعافى الإنسان من حسد وهو يرى نعم الله على خلقه ولا يراها عنده.
والحسد يولج صاحبه النار بعد إفلاسه لقوله عليه السلام : ( الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)
ومعلوم أن المفلس يقضي ديونه من حسناته فيبقى بلا حسنات فيحمل سيئات غيره ويدخل النار مع الداخلين؛ ومن طرق الإفلاس الحسد.
والحسود شامت بطبعه لقوله تعالى : ( إن تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها) وهذه شماتة سببها الحسد .
وأسباب الحسد متعددة جعلها عالم التربية شيخ الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي سبعة:
ـ عداوة وبغضاء تنشأ بسبب خلاف / ـ تعزز سببه تفوق الغير/ـ تكبر سببه حب إخضاع الغير/ـ تعجب من نعم الغير/ ـ خوف من فوت المقاصد بسبب المنافسة عليها/ ـ حب الرياسة وحب الثناء/ وخبث النفس.
ولو تأمل اللبيب هذه الأسباب لأدرك سبب مرضه إن كان مصابا بهذا الداء العضال ؛ وإلا فمن للحمار برأس كرأس أمير المؤمنين هارون الرشيد كما قال له الطحان في نادرة مشهورة. واللبيب هو الكيس الذي يدين نفسه ويقول ما قال الشاعر:
وترى اللبيب محسدا لم يجترم شتم الرجال وعرضه مشتوم
هذه نصيحتي لمن كانت له بقية من انتصاح ؛ وهي من صميم الواجب الديني ولعلها تطمئن من يخشى على مكانته ؛ فما أنا إلا كاتب من كتاب النيت لا أتمنى زوال نعمة أحد من كتابها؛ وقد أنعم علي الله وله الحمد والمنة بمنظوم الكلام ومنثوره ؛ فمن شاء فليغبط ولينافس وهو مأجور ولكنه إن حسد كان مذموما
وآخر كلامي في الموضوع قول الشاعر الحكيم :
سألزم نفسي النصح عن كل مذنب وان كثرت منه علي الجرائم
وما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشروف ومثلي مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف قدره واتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فان قال صنت عن إجابته عرضي وان لام لائم
وأما الذي مثلي فان زل أو هفا تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم
ورحم الله من سمع فوعى ؛ وعرف الأقدار ورضي بما قسم الله له وجلس دون قدره ؛ وتيقن أنه لا معطي لما منع الله ؛ ولا مانع لما أعطى ؛ وسال ربه الخير ؛ وأكبر الخير الشفاء من داء الحسد.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

  1. مهتم
    11/02/2007 at 22:19

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. لاحسد الا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل و النهار.
    فلا تلتفتن يا أخي للحاسدين.

  2. jrada
    11/02/2007 at 22:19

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *