آفة العلمانية في البلاد الإسلامية
لقد قضت إرادة الله عز وجل أن يمتد دين الإسلام من بعثة آدم عليه السلام إلى بعثة سيد المرسلين وخاتمهم صلوات الله عليهم جميعا مصداقا لقوله تعالى : ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) ولقوله عز وجل أيضا : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه والله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب). فبموجب هذه النصوص يكون الدين واحدا منذ بدء الخليقة ويكون نقيضه اللادين على اختلاف أطيافه وألوانه عبر العصور.
والقاعدة المعروفة أن دار الإسلام لا يمكن أن تصير دار كفر أو شرك أو الحاد أو ما يلحق بهذه الآفات.
ومعلوم أن الأمة الإسلامية بعد الضعف الذي اعتراها إبان القرن التاسع عشر والذي اطمع فيها الطامعين من الصليبيين جعل هؤلاء يعمدون إلى نابتة محسوبة على الإسلام لإفساده ولقنوها مقولة ما لله لله وما لقيصر لقيصر ؛ وهي مقولة فصل الدين عن الدنيا ؛ وهي آفة عرفتها المجتمعات الصليبية لما استفحل أمر الرهبان وتسلطوا على رقاب العباد تجبى إليهم ثمرات كل شيء وتزهق على أيديهم الأرواح وهم على عقيدة فاسدة شهد القرآن العظيم على التحريف الذي اعتراها ؛ وكان ذلك سببا في تعثرها وفساد الحياة بسببها مما جعل أتباعها يفصلون حياتهم عن الكنائس ولهم عذرهم في ذلك .
ولما عرفت النابتة المحسوبة على الإسلام هذا الأمر اتخذته مطية لتهميش الإسلام وإبعاده عن الحياة اقتداء بالصليبيين الذين وجدوا ضالتهم في هذه النابتة لأن المتمسكين الحقيقيين بالإسلام كانوا مصدر خطر يتهدد الصليبيين ؛ وقد ساعد على رواج هذه الفكرة الهدامة فساد العقيدة عند بعض المحسوبين على الإسلام من حكام ومحكومين حتى صار الدين بعد اختلاطه بالشعوذة مجرد طقوس على غرار التمسح بالأضرحة والاعتقاد بالكرامات والإيمان بالخوارق التي لا مبرر لها بعد آخر نبوة سدت أبواب المعجزات؛ وهذا الوضع صاحبه التطور التكنولوجي للأمم الصليبية التي فصلت دينها المنحرف عن دنياها . ولقد ظنت النابتة أن الأمر يصدق على الإسلام أيضا ؛ دون الالتفات إلى أن الإسلام ظل محافظا على مصداقيته من خلال قرآن لم يعرف التحريف وهو حجة على كل منحرف ؛ فشتان بين وضع مسيحية ويهودية ضاع أصلها تحريفا وبين إسلام ظل أصله كما كان محفوظا بحفظ الله عز وجل القائل : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ).
لقد كان النموذج العلماني السيئ التركي كمال أتاتورك الذي لن أخوض في أصله ولا في الدوافع التي كانت وراء نجاحه في فرض العلمانية إلى يومنا هذا على شعب تشبع بالإسلام لقرون طويلة ولن يكون إلا شعبا مسلما إلى قيام الساعة بالرغم من ديكتاتورية العسكر العلمانية.
لقد شجع المحتل الصليبي الغربي ولا زال العلمانية في كل قطر إسلامي على يد المنتسبين والمحسوبين على الإسلام ليقينه بأنه لا يمكنه إتقان الدور باعتبار خلفيته العقدية وانكشاف أطماعه ؛ وهكذا بدأت الحركات العلمانية بدايات مغمورة ثم صارت مع مرور الأيام إخطبوطا يلتف حول جسم الأمة ويمهد للمحتل الطامع حتى بعد رحيله قسرا عن الأرض الإسلامية بفعل الجهاد والمقاومة.
ولعل الحركات العلمانية اليوم قد نشطت أكثر من ذي قبل خصوصا بعد الهجمة الصليبية الأخيرة لفترة ما بعد الحرب على ما أصبح يعرف بالإرهاب ؛ وهو نعت يطلق على من يحمل السلاح ضد إسرائيل والولايات المتحدة ومن ينحو نحوهما . ولقد بلغت جسارة العلمانية المأجورة حدود الهجوم على مقدسات الإسلام من خلال عملية ما يعرف بإعادة قراءة التراث وتأويله ؛ وهكذا وجد المنفذ للتشكيك في علماء السلف من محدثين وفقهاء وفلاسفة ؛ وصارت التأويلية العلمانية سيدة الموقف ؛ ووجدت ضالتها في أشباه المثقفين الذين يحملون فيروس الانبهار بالغرب حتى بعد سقوط قناعه. ولقد تحول هؤلاء وهم عاجزون عن متابعة التراث الديني نظرا لجهلهم بقواعد العلوم ؛ ولاقتصارهم على ما كتبه المستشرقون حتى أنه يمكن القول بأنهم لا يعرفون الإسلام إلا من وراء حجاب ومن وراء نظارة الغرب التي تليق بالعميان وأقصد عمى القلوب لأنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
والفرق بين العلماني الصليبي والعلماني في بلاد الإسلام أن الأول له الشجاعة الكامل للجهر بتنكره للدين وهو محق لأن دينه محرف وهو على قناعة تامة بذلك ؛ أما العلماني عندنا فجبان لا يستطيع التنكر للدين إلا في حالات خاصة ؛ فهو ينتسب للدين ولا يقبل أن يرمى بالإلحاد لأنه إن فعل صار خارج قواعد اللعبة ولو يأبه به أحد لهذا وجد في النفاق ضالته إذ يظهر الإسلام ويبطن العلمانية ليحقق مشروعه التدميري الذي يخدم العدو بالدرجة الأولى.
والعلماني عندنا إنسان عدواني بالضرورة ؛ ولما كان منافقا فانه يهاجم الدين في شخص معتنقيه فهو يستأثر بالنور ويرمي المتدينين بالظلمة قالبا مفهوم الآية الكريمة : (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) ولكن الآية تنقلب بفعل رمتني بدائها وانسلت. فالمسلمون الملتزمون بدينهم ظلاميون وأصوليون والعلمانيون نورانيون وفروعيون أو لست أدري كيف يسمون مقابل الأصولية.
إن الحقد الأسود الأعمى يغطى عقول العلمانيين بغشاوة فلا يرون في المسلمين إلا سوادا وظلمة ؛ والفكرة مع حقوق الطبع للمحتل الصليبي والصهيوني لأن الإسلام بالنسبة إليهم ظلمة تحول دون مشاريعهم التوسعية ؛ فمن يقول بجلاء اليهود من أرض فلسطين دون القبول بالخرائط ومسلسلات السلام أوليس الإسلام الظلامي الأصولي ؟؟ ومن يقول بجلاء المحتل الأمريكي من بلاد الإسلام قاطبة أليس الظلامي الأصولي ؟؟؟ أما صاحبنا العلماني فهو دائما حالم بوضعية كوضعية اليهود والصليبيين ؛ وهو يتمنى من أعماق قلبه أن يتم القضاء على المسلمين الظلاميين ليكون بديلا عنهم بصيغة هجينة يحلم بها العدو ليستتب له الأمر في أرض الإسلام.
لقد اختفت عبارات من قاموس العلمانية عندنا كالامبريالية التي طالما صمت آذننا وكأن العالم لم تعد فيه امبريالية لقد جمعت الديمقراطية بين الامبريالية والعلمانيين لأن العدو صار مشتركا بعد زوال الاتحاد السوفياتي الذي كان يستقطب العلمانيين بشعار مدغدغ ألا وهو :لا اله والحياة مادة ؛ لقد صار الشعار لا اله والحياة امبريالية بل هرولة وانبطاح.
إن آفة العلمانية جرت على الأمة شرا كثيرا واقل شرورها تعطيل موعد النهضة الإسلامية الشاملة التي تعيد للإسلام أمجاده كما كانت زمن النبوة والخلافة الراشدة وباقي العصور الذهبية التي كان الحاكم المسلم فيها يقول لحاكم الصليبية : من أمير المؤمنين إلى كلب الروم الرأي ما ترى لا ما تسمع. وحتمية التاريخ أن يتم الله نوره ولو كره الكافرون.
Aucun commentaire
من عجائب الزمان أنه كلما أحاط بالأمة الإسلامية مكروه قام المسلمون على وجه السرعة لصد العدو والدفاع عن المقدسات ، واصطف الطرف الآخر في صفوف العدو كما حدث في الجزائر إبان محاربة الاستعمار، وما يحدث الآن في فلسطين والعراق ولبنان وغيرها من بؤر التوترإن الأسباب متنوعة التي دفعت بهؤلاء خيانة الأمة والوطن ،ولعل من بينها هجرة الكتاتيب القرآنية التي كانت تجعل من الفرد مواطنا متمسكا بدينه وهويته ، ولايستطيع العدو شراء مسلم واحد حقيقي ولو بملايين الدولارات ، كما أن نظامنا التعليمي أخفق في خلق مواطن متزن ، إن تدريس التربية الإسلامية كمادة في شكلها الحالي لا ينجب مواطنا قادرا على التشبث بالقيم الأسلامية الأصيلة ، إن هذا الإخفاق جعل العناصر الإسلامية تبدو غريبة في وطنها ،إن التعليم في الوطن العربي أخفق إخفاقا كبيرا في جعل المواطن يتمسك بجذوره التاريخية ، وأصبح صيدا سهلا في أيادي الغرب الذي استغل ملفات الفساد قي أوطاننا وانعدام الديمقراطيةووووو وزينوا لشبابنا الذي درج في رياض الأطفال لايحفظ القرآن مع تغييب دور فقهاء الأمة وهاهي الكارثة بعينها تحل في كل شبر من أوطاننا . جزاك الله خيرا أيها العلم الفاضل وعلى الأمة الإسلامية إعادة النظر في دور الكتاتيب القرآنية ،فهي ركيزة الأمة والتخلي عنها معناه انهيار القبموبيع الذمم وخيانة الوطن.