الكتاب والقراء أية علاقة ؟؟؟؟

لقد فتحت لي رسالة المحبة من الأستاذ الكبير يوسف حجازي أفق تناول موضوع العلاقة بين الكاتب والقاري ؛ وهي علاقة جدلية إلى درجة الحساسية ؛ ذلك أن كل طرف يود أن يهيمن على الطرف الآخر بل يريد إخضاعه خصوصا في الثقافة العربية التي عرفت فترات طويلة من قمع الحريات بما فيها حرية الرأي والتعبيرالى درجة تراكم الطابوهات المحرمة. فما من موضوع يريد المرء طرقه إلا ويحسب له ألف حساب وربما اضطر إلى انتقاء عباراته وتعديلها واستبدالها خوفا من الوقوع في المناطق الملغومة من هذه الطابوهات.
ومن المعلوم أن لكل من الكاتب والقارئ خلفية فكرية وعقدية هي منطلقه في الكتابة والقراءة؛ وقد تتوحد هذه الخلفيات كما أنها قد تتباين إلى حد التضارب. والمدرك لهذه الحقيقة يجد لنفسه مكانا معلوما ؛ ويجد لغيره أماكنهم أيضا ؛ أما من ندت عنه هذه الحقيقة فهو في حيرة من أمره يعود إلى خلفيته ليتهم ويدين ويبرر مواقفه.
الكاتب له كامل الحرية أن يفصح عن قناعاته الفكرية والوجدانية بالطرق والأساليب التي تسعفه وتقنعه ؛ والقارئ أيضا له نفس الحرية عند ممارسة قراءته فلا يوجد قانون يصادر هذه الحرية ؛ ولو وجد لما استطاع مصادرتها .
ولعل الكاتب عندما يكتب في موضوع معين لا يلزمه أن يضع نصب عينيه القراء طالما أنه يحدثهم عن قناعاته بغض الطرف عن انسجامها أو عدم انسجامها مع قناعاتهم ؛ فإذا ماكتب عن أمر فلا مسوغ لمطالبته بغيره مهما كانت درجة ارتباط هذا الأمر بغيره في وجهة نظر القراء؛ لأن ممارسة الكتابة تختلف عن ممارسة القراءة قلبا وقالبا. فالكاتب له شخصيته التي تتكون من عدة أمور لا يمكن الفصل بينها؛ كما أن القارئ له شخصيته بمثل المواصفات؛ وقد يلتقي كاتب مع قراء كما أنه يختلف مع آخرين في الشخصية المكونة لهويته وهويتهم.
والقراء يختلفون اختلافا كبيرا فمنهم قراء العناوين الذين يكتفون بوضع فرضيات قد تكون خاطئة مائة بالمائة ؛ وتقف مواقفهم عند هذا الحد ؛ وربما أجابوا إذا ما سئلوا عن الموضوع بأنه لا يهمهم فهذا موقف معروف في القراءة العنوانية إذا صح التعبير.
وهناك قراء آخرون لا يستوقفهم حتى العنوان لأنه ليس من اهتماماتهم وانشغالاتهم ؛ وهذا موقف أيضا معروف.
وهناك قراء من نوع ثالث يقرؤون ويتفقون مع ما يقرؤون بدون ردود أفعال أو بردود أفعال لتقارب وجهات النظر بين الكتابة والقراءة
وهناك نوع رابع يقرؤون ويختلفون مع ما يقرؤون بدون ردود أفعال أو بردود أفعال تتراوح بين إبداء الرأي والعدوان.
والعدوان في القراءة يعكس مدى التخلف المهيمن في الثقافة العربية وليدة سنوات طويلة من القمع ؛ فما كانت تقوم به الأنظمة العربية ولا زالت في مجال قمع حرية الرأي والتعبير انتقلت عدواه إلى القراء أو ربما ظنوا أن ذلك قدر لا مفر منه فراحوا يمارسون الحظر على ما يكتب عن طريق أسلوب الإساءة خصوصا عندما تتاح فرص النقد والتعليق.ولا بد للثقافة العربية من سنوات لتتأقلم مع فكرة تعايش الكتابة والقراءة مع حصول الوعي التام بالخلاف والاختلاف.
ومن نماذج القراءة المتشنجة أن ينهال القارئ على الكاتب بأسئلة قضائية تجريمية لماذا لم تكتب عن كذا وكذا لماذا نسيت ذكر كذا ؟؟؟ إلى غير ذلك من الأسئلة. وقد يكيل القراء للكتاب التهم من صنف الخيانة العظمى ؛ وقد ينحدر مستوى القراءة إلى درجة منحطة فيحل الشتم والسباب محل النقد والمناقشة ؛ بل يصل الأمر إلى حد التهديد بالطرد والتوقيف كما تفعل الإدارات المتخلفة وكأن الكتاب عبارة عن موظفين عند القراء.
المهم في هذه الحال هو توفر مؤشرات مساعدة على قياس مدى درجة الكتابة والقراءة في وطننا العربي ؛ والأكيد أنها في بدايتها إذا ما قورنت بالكتابة والقراءة في ثقافات أخرى وأنه لا بد لها من وقت طويل ليتحقق الاعتراف المتبادل بين الكتابة والقراءة على أساس الاستقلالية والحرية والتميز.
ولا ننكر وجود ممارسات كتابية وقرائية مشرفة تعطي نفسا جديدا للتواصل الايجابي الذي يخدم تطور الفكر ؛ ويغير من حال المجتمعات العربية التي مازالت تكسر القيود البالية قيدا قيدا.
إنني أشفق على قراء يبلغ بهم الأمر حد القول إن تعليقاتنا مجرد سخرية من كتاب علما بأن التعبير مهما كان شكله حسب علماء النفس هو آلية من آليات الدفاع لدرء الفوبيا مهما كانت طبيعتها ؛ وعلما بأن التعبير لا يكون إلا حيث يكون هناك مصدر مقلق ؛ وشكله له دلالة تعكس حجم القلق.
لقد تنبه الشاعر العربي القديم إلى طبيعة العقلية العربية الراضية الساخطة فقال قولا بليغا :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساوئ
ولكل الكتاب ولكل القراء أقول لا يوجد رضا مطلق ولا سخط مطلق والرضا والسخط لن يكسب الكتابة ولا القراءة قيمة ؛ فالقيمة تكون بالحوار والمناقشة وفق الضوابط المفروضة في التخصصات والمعارف . وأختم بالحديث الشريف : ( ما يزال العبد عالما ما طلب العلم فان ظن أنه علم فقد جهل).
تحياتي مع التقدير لأستاذ يوسف حجازي




Aucun commentaire