السبيل إلى وحدة الأمة
إذا ما كانت الأرقام القياسية تحقق في مجالات المنافسة المغرية عند الأمم ؛ فان أمتنا تحقق رقما قياسيا غير مسبوق في مجال الفرقة والشتات؛ وقد صدق عليها ظن العدو الصليبي المتصهين فركب ظهر طوائف منها لقصم فقار الطوائف الأخرى حتى إذا ما خلا له الجو انفرد بالطوائف الذلولة ليكون هو الرابح الوحيد ؛ وتكون خسارة أمتنا مضاعفة ؛ إذ القاتل والمقول منا في النار ؛ والغالب والمغلوب منا منهزم في نهاية المطاف.
ولا توجد أرض على وجه البسيطة تعرف ما تعرفه أرضنا من إزهاق للأرواح وسفك للدماء وإتلاف للممتلكات ؛ وإمعان في الاهانات. ولئن تعددت المصائب فان مصيبة الطائفية والتشتت والتفرق هي أعظم المصائب لأنها انفصام لعرى الأمة. ولا تحصل فرقة إلا بخلاف حول أمور ما كان يجب أن يكون فيها خلاف ؛ فلا خلاف في كرامة أمة وعزتها واستقلالها ؛ وهي أمة تنطلق من وحدة الإله ووحدة الرسول ووحدة القرآن ووحدة السنة ووحدة القبلة ووحدة المصير؛ فلا يوجد في هذه الأمور ما يفرق ؛و كل شيء فيها يجمع.
ومع شديد الأسف سادت الفرقة وأخذت أشكالا رهيبة خصوصا عندما حدثت باسم الدين؛ وهو عنصر جامع تستحيل في حقه الفرقة.
لقد حصلت فرقتنا وفينا أمر الهي صريح لا يقبل تأويلا؛ وهو قوله تعالى :( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ). والاعتصام هو الامتناع بالشيء من غيره ؛ فالمعتصم بالله هو الممتنع به من سواه . وأهل الصلاح يقولون إن الاعتصام بالله هو الامتناع بلطفه من غضبه. والله عز وجل يطلب منا الاعتصام بحبله ومعلوم أن الحبل هو السبب؛ وهو آلة من خصائصها المتانة والشدة والقوة لتحقيق ما لا يتحقق إلا بقوة. ومن كان مع سبب أوحبل كانت القوة بجانبه وإلا قيل عنه منقطع أو منفصم الحبل للدلالة على ضعفه. والحبل قد يكون ماديا مما ألفه الناس في حياتهم ؛ وقد يكون معنويا وهو المقصود في الآية كما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه القائل :(عليكم بحبل الله فانه كتاب الله) . إن الحبل الذي طلب منا أن نعتصم به ونمتنع به هو كتاب الله عز وجل ؛ والسر من وراء ذلك هو أن هذا الكتاب يتضمن قانون الله المفارق لكل قانون وضعي؛ وعليه فالامتناع به معناه الامتناع عن كل ذل وهوان سببه قانون الطاغوت .وقد جاء في الذكر قوله تعالى : (إلا بحبل من الله وحبل من الناس) ولئن رأى البعض أن الحبل ههنا هو العهد فإنني أراه القانون والشرع إذ لا عهد بلا قانون. ولقد وضحت آية الاعتصام بالحبل طبيعته ؛ فالأمر في الآية ( اعتصموا ) اتضح بالنهي ( ولا تفرقوا) ذلك أن الذي لا يعتصم بشرع الله مصيره الفرقة لا محالة ؛ وشرع الله هو الجامع وما دونه من الشرائع فرقة بالضرورة.
فالمفارق للجماعة المعتصمة بحبل الله غير ممتنع بل هو عرضة للزوال ينطبق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :(عليكم بالجماعة إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ) ؛ والذئب ههنا هو كل شر يتهدد الإنسان ؛ وأكبر الشرور شيطان همه أن يشقى الإنسان في عاجل وآجل وهو أمر قطع إبليس العهد على نفسه أن يشتغل به يوم حاز الخزي وطرد من روح الله عز وجل فانتقم ممن كان سببا له في ذلك واتخذه عدوا أبديا .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبهنا إلى خطورة الفرقة فقال : (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا ؛ فيرضى لكم أن تعبدوه ؛ ولا تشركوا به شيئا ؛ وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا؛ ويكره لكم قيل وقال ؛ وكثرة السؤال ؛ وإضاعة المال ). لقد ربط حديث الرسول الأعظم بين مقتضيات ما يرضاه الله لنا وما يكرهه لنا ؛ فعبادته دون شريك مع الاعتصام بحبله الجامع هو طريق الوحدة ؛ والقيل والقال وكثرة السؤال وهي دليل الخلاف الكلامي الذي يصير صراعا داميا بعد ذلك فبزهق الأرواح ويتلف الأموال هو طريق الفرقة.
ولقد حدد لنا الوحي طريق المواجهة مع العدو بشكل دقيق في قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله و لاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ). إن لقاء العدو سواء كان صراعا مسلحا أم كان صراعا حضاريا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا لا بد فيه من الثبات ؛ والثبات عبارة عن قوة تستمد من ذكر الله بمعنى استحضار شرعه مع الالتزام به وهو المقصود بقوله تعالى وأطيعوا الله ورسوله ؛ ومباشرة يأتي النهي عن النزاع الذي قد يكون قيلا وقالا وسؤالا ويفضي إلى صراع فيزول الثبات ويحل محله الضعف والخور ويكون الفشل والزوال السريع كسرعة الريح ؛ والثبات رهين بالصبر فلا بد من صبر على النزاع بين المؤمنين فيما بينهم وهو أول الثبات كالصبر على اللقاء مع عدوهم ؛ ومعية الله تعالى تكون مع الصابرين.
حالنا أيها الأحبة في وطننا الرحب الواسع من الخليج إلى المحيط إلى الدائرة الإسلامية الكبرى عبارة عن بؤر للتوتر بين الأشقاء السبب فيها هو الإعراض عن ذكر الله عز وجل بمعنى ترك الاعتصام بحبله المتين واللجوء إلى حبال غيره المنفصمة والبداية تكون قيلا وقالا وكثرة سؤال ثم تصير صراعا مدمرا ومشتتا وفرقة منذرة بالزوال.
هذه دعوة الله عز وجل للمؤمنين خصوصا في هذا الظرف الدقيق فهل من مستجيب ؟؟؟؟؟؟
Aucun commentaire