Home»Régional»مكتسبات الهجرة وسبل المحافظة عليها

مكتسبات الهجرة وسبل المحافظة عليها

0
Shares
PinterestGoogle+

بعد يوم واحد سيحتفل العالم الإسلامي بمرور ثمان وعشرين سنة بعد المائة الرابعة والألف لهجرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ؛ ولما كانت الأمة الإسلامية معنية بالتذكر الذي ينفعها حسب قوله تعالى : ( وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين ) فانه لا بد من وقفة بالمناسبة خصوصا والأمة تمر بظرف دقيق للغاية.
قد يحتفل الناس في كل شبر من هذا العالم بذكرى من الذكريات التي مرت في التاريخ البشري ؛ والاحتفال إنما يكون لدلالة الحدث المحتفل به وإلا فالزمن ما هو إلا حركة دوران الأفلاك الرتيبة. وقد تجعل الدعاية من مناسبة ما قبة والحدث لا يعدو حبة كما يقال. وقد تزور الأحداث ويهيمن الافتراء والكذب من أجل الترويج لأمور التاريخ منها براء ؛ وهي مجرد أساطير تعتمد لغايات وأهداف تكتشف عند النظر الثاقب والنقد الذكي.
لا يوجد حدث في تاريخ البشرية يعدل عظمة حدث الهجرة النبوية على صاحبها أفضل وأزكى الصلوات؛ والسر من وراء ذلك هو كون الحدث كان بداية نشوء دولة الحق والقانون بعد زمن طويل من دولة الباطل والجور. لقد اقتضت إرادة الله سبحانه وتعالى أن تختم الرسالات السماوية المبشرة بدينه الإسلام ( إن الدين عند الله الإسلام) برسالة محمد بن عبد الله عليه صلاة الله وسلامه. وقد اقتضت هذه الإرادة أن تكون البعثة في زمن طغيان الباطل وفي مكان يعد وكرا للباطل وهو مكة بالرغم من وجود بيت الله العتيق فيها والذي حولته رتابة الزمان من مكان للحق إلى مكان للباطل يطبق فيه شرع الطاغوت بدل شرع الله عزوجل. ولما تبينت الإرادة الإلهية من أن الوسط المكي وسط الباطل والطاغوت لا يصلح أرضية لمشروع الدولة الإسلامية أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة وترك محيط الباطل لتوفير الوجود للحق في يثرب وتوفير ظروف استمراره إلى قيام الساعة. وبالفعل تم ما خطته الإرادة الإلهية وترسخت جذور الدولة الإسلامية وبدأت بالتوسع ؛ وكان أول عمل قامت به هو هدم وكر الباطل بمكة من خلال فتحها. وبفتح مكة يكون العالم قد قلب صفحة الباطل إلى الأبد؛ ولهذا طلب الصالحون من أبناء هذا الدين التأريخ للإسلام بالهجرة ومنهم الفاروق عمر رضي الله عنه الذي قال : (الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها). انه التأريخ الصحيح البعيد عن التلفيق وعن جو الأسطورة ؛ نبي الله عليه السلام يهجر دار الكفر ليؤسس دار الإيمان ولتكون نقطة انطلاق الإيمان عبر كل بقاع العالم.
ومعلوم أن الحديث يقرر أنه ( لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ) لقد كانت الهجرة أعظم جهاد فهي الأصل والجهاد فرعها ؛ لهذا عندما تم زوال دولة الباطل في مكة بفضل الفتح انتهى الجهاد من صنف الهجرة ؛ واستمر الجهاد من نوع آخر . إن جهاد الهجرة المتمثل في التضحية بالنفس والوطن والأهل وتعريض النفس للمهالك كان من أجل ترسيخ دولة الحق والقانون وهو شرع الله الذي لا شرع معه؛ وكل جهاد بعد جهاد الهجرة هو نية بصيانة ما بناه الرسول صلى اله عليه وسلم ؛ وهو المحافظة على مكاسب الهجرة. ولعل أول جهاد يفضي إلى المحافظة على مكاسب الهجرة هو الثبات على عقيدة الإسلام قبل التفكير في الدفاع عنها ؛ فمن فرط في العقيدة لم يكن مؤهلا إطلاقا لصيانتها والدفاع عنها لهذا حاول النبي صلى الله عليه وسلم أن يصل أول الهجرة بآخرها وهو الجهاد من أجل صيانة مشروع الدولة الإسلامية.
وعندما نتأمل المشروع الذي خلفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتمثل في دولة الحق والعدل نجد أننا وعبر أجيال متتالية قد فرطنا فيه تفريط اللئام ؛ وأول تفريط هو التنصل من روح الهجرة بحيث يلتمس بعض المحسوبين على الإسلام العزة في غيره وتنالهم ذلة بسبب ذلك ؛ وقد عمد البعض إلى التأريخ بتقويمات زمنية مؤرخة لأحداث تافهة من أجل التشويش على التأريخ الهجري الذي هو التأريخ الصحيح لدولة الإسلام بالنسبة للبشرية قاطبة. ومن التفريط في مشروع دولة الحق والقانون مخالفة شرع الله عز وجل والجهر بذلك بل والتبجح به علما بأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ). فالأمة التي يشيع فيها ما نهى الله عنه من خمارات ودور القمار وماخورات ؛ ويشيع فيه الفساد من انحلال وفسوق وفجور ورشوة وظلم وخيانة وعمالة وانبطاح وهرولة ونفاق لا يمكن أن تحسب على الدولة الإسلامية دولة تحكيم شرع الله ودولة الحق والعدل. إن من يزعم أنه من هذه الأمة وهو يأتي ما نهى الله عنه يكون منافقا بامتياز يقول ما لا يفعل ؛ ويكذب فعله قوله. وان الذي لا يثبت على عقيدته لا ينتظر منه إن يدافع عنها لأنه أصلا غير مقتنع بها فهو على الباطل ويروج للباطل.
ولما كان عدونا من الذكاء بحيث خبرنا خبرة جيدة وعرف نقط ضعفنا سلط على الصالحين والمجاهدين الثابتين على العقيدة أصنافا من المنحرفين عقديا والذين يتراوحون بين علمانيين ينتسبون جغرافيا للأمة الإسلامية ولا علاقة لهم بالدين بل هم أول من يهاجم الدين ؛ وبين روافض حرفوا الدين كأشد ما يكون التحريف فألهوا البشر ونسبوا لهم ما لا يجوز إلا في حق الأنبياء بل منهم من يغالي في تقديس البشر إلى حد تأليهم . ولما علم العدو بوجود هذين الصنفين فينا أعمل معاول هدمه في المشروع الإسلامي وبيد هؤلاء المقنعين بأقنعة الدين والدين منهم براء؛ وهذا الحكم إنما يصدر عن مواقفهم .
إن الاحتفال بذكرى الهجرة هو تجديد الروابط مع مشروعها ؛ وأول خطوة تخطوها الأمة نحو صيانة المشروع هو فضح كل أنواع الخيانة والعمالة وعدم السكوت عنها لتسريع وتيرة التغيير الذي يفضي إلى قيام دولة الإسلام المقلقة لراحة العدو الصليبي الصهيوني الذي لا يغمض له جفن طالما ظلت فكرة الدولة الإسلامية في القلوب والعقول. وأول جهاد يطالب به المخلصون هو الثبات على العقيدة لتحقيق الهوية وفرضها على العدو. فمن كانت هويته لا تختلف عن هوية العدو من حيث المميزات والخصائص ؛ وهو منغمس في ثقافة العدو إلى قنة رأسه يردد كالببغاء أطروحات العدو لا يقلق راحة العدو ولا يبالي به العدو لأنه مجرد تبيع يتبع كما تتبع الكلاب من يربيها . والعدو قلق غاية القلق ممن يتميز بهوية إسلامية ويحمل الطرح الإسلامي لدولة الحق المناقضة لدولة الباطل. إن التبعية للعدو التي تصل حد المرحلة الضبية تمسخ الهوية مسخا ؛ فالنبي عليه السلام يحذر من الحذو حذو اليهود والنصارى ذراعا بذراع وشبرا بشبرالى درجة الدخول إلى جحر الضب معهم وهو أنتن مكان لكراهة بوله. لقد تابع بعض المحسوبين على الإسلام باللسان دون الفعال العدو في كل شيء في ثقافته وفي مشاعره وفي أنماط حياته وتعدوا جحر الضب بمسافات هائلة لهذا احتقرنا العدو بقدر تبعيتنا له وتفنن في اهانتنا تفننا غير مسبوق.
وثاني جهاد يطالب به المجاهدون المخلصون تفويت الفرصة على العدو وعلى العملاء والخونة عن طريق وحدة الصف ووحدة الكلمة مهما كانت الظروف ؛ مع التنبه إلى مؤامرة خطيرة تريد نسبة الخونة والعملاء لحظيرة الإسلام وهم عبارة عن جراثيم قاتلة تخرب جسم الأمة بشكل رهيب ؛ والمؤامرة تتجلى في إيهام الصادقين بأن الأصوات الفاضحة لممارسات الخيانة والعمالة هي أصوات فتانة بل واتهامها بخدمة مشاريع العدو ؛ وهو أسلوب يعمد إليه العدو والعملاء لاستئصال شأفة المشروع الإسلامي من خلال تصويره التصوير البشع على غرار وسمه بالإرهاب والظلامية وهلم جرا؛ فيصير منطق العمالة والخيانة رمتني بدئها وانسل.
وثالث جهاد يطالب به المخلصون لله ولرسوله هو الصمود والتصدي وعدم الرضوخ لرغبات الخونة وعدم التراخي لا معهم ولا مع العدو من خلال اعتماد قوله تعالى أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.
إن الحفاظ على مكتسبات الهجرة مسئولية كل مؤمن ومؤمنة خصوصا في هذا العصر الذي كشفت فيه الأقنعة وظهر الحق وحصحص وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *