مفهوم الحس – حركي

سبق إن تحدثنا في إطار الطفل والتواصل(في الحلقة الأولى) عن كيفية بروز بعض المظاهر التي تصوغ شخصية الطفل: من تحكم في الحركة، و كلام، وذاكرة، وتفكير… .
وكان طبيعيا أن نستمر في الحديث عن هذا النمو بين الفترة الممتدة من سن الثالثة إلى السادسة. إلا أني فضلت قبل الخوض في هذا الحديث أن أعرف بمفهوم متداول اليوم، رغم قدمه نسبيا،والذي هو مفهوم" الحس- حركي" لتتضح الفكرة أكثر ليس بالنسبة للمهتمين طبعا لأنهم في غنى عن مثل هذا التوضيح ولكن بالنسبة للقارئ العادي أو لنقل "المدوني" نسبة إلى" المدوِّنة " Blog.
ولابد من التذكير بأن طرح أو إيضاح هذا المفهوم لا يكتسي من الأهمية إلا بقدر ما يساهم في توضيح العملية "التعليمية- التعلمية". فنقول إذن بأن:
منطوق "الحس – حركي" يجمع جميع الوظائف التي يتميز بها الكائن الحي وفي الدرجة الأولى: الإنسان. ولكن لا يمكننا الخوض في هذا الموضوع دون دراية بالمكنزمات المتحكمة بجسم هذا الإنسان.
يعلم الكل مكون هذا الجسم، من ناحية الشكل:
1)- هناك الهيكل العظمي أولا والذي بدونه لن يكون الإنسان، إن كان، إلا سطيحا (نسبة إلى شق وسطيح).
2)- الجهاز العضلي الذي يعطي الإنسان هيئة معينة، والذي بدونه يكون شبحا ليس إلا.
3)- الجهاز العصبي الذي بدونه ما كان لهذا الهيكل وهذا الجهاز العضلي إن يتم تحريكهما. ومعقول جدا إن يطرح السؤال، كيف تتم عملية التحريك هذه؟ معروف بأن الجسم ينتج كهرباءه التي يتم بواسطتها التواصل بين أجزاء الجهاز العصبي:" المركز" و"الأطراف"، ولن نخوض في التفاصيل على أساس أن التلاميذ يأخذون هذه المسائل إبتداء من المرحلة الإبتدائية.
4)- ثم هناك ما هو متواضع عليه ب "النفسية "أو"الحياة النفسية" و التي تقوم بالتخطيط و بالتسيير الكلي.
يرجع الفضل في نحت هذا المفهوم إلى كل من هنري فالون و بياجي. رغم توجه كل منهما ومنظوره الذي ينطلق منه.ويختلف كذلك المنظور الجديد معهما رغم الإتفاق في الأساسي منه.
يكتسي هذا الموضوع أهميته من كون المعني الأول الذي هو الطفل لا يستطيع شرح ما يجري بداخله. لهذا كان للتقسيم والتنظيم الذي قام به علماء النفس مهما لتسهيل عملية التوصيل بين المربية والطفل: يشمل هذا التقسيم خمسة مستويات:
1)- معرفة الجسم
2)- التوزيع المكاني
3)- التوجه الزماني
4)- ما يمكن أن نطلق عليه الجهاتية( أي الإستعمالات التي يقوم بها الطفل بالنسبة ليديه ورجليه خاصة:فهو إما يأكل ويكتب بيده اليمنى أو اليسرى، كما أنه يضرب الكرة برجله اليمنى أو اليسرى. وكل هذا حسب تغلب فص من الفصين في الدماغ على لآخر،الأيمن أو الأيسر، مما يجعل الإعتماد على هذه الجهة أو تلك أكثر.علما أن الفص الأيمن من الدماغ يتحكم في الجهة اليسرى، والفص الأيسر منه يتحكم في الجهة اليمنى).
5)- ثم يأتي دور تدريب المفاصل بالنسبة لليد قصد الوصول الى عملية الكتابة. حيث أن المفاصل لا تكون مرنة في السنوات الأولى من حياة الطفل، لذا يجب تمرينها لجعلها مطواعة وتساعد اليد على إنجاز خطوط الكتابة.
داخل هذا الإطار يتحدد دور المربي أو المربية في بناء شخصية الطفل ومساعدته على اجتياز المراحل بسلاسة ودون أعطاب، لأن تعليم القراءة أو الكتابة أو أية مهارة إنما هو بناء مكنزم أو مكنزمات، وإذا ما بني هذا المكنزم بطريقة غير صحيحة فإنه يصعب إعادة بنائه من جديد. وهذا يبرز الأهمية القصوى للتعليم الأولي داخل المنظومة التعليمية.
سنرجع في الحلقة القادمة إلى الحديث عن الطفل بين السنة الثالثة والسادسة إن شاء الله .
Aucun commentaire
أرجو ان تركزوا على ابراز الفرق بين بياجي وفالون في هذا الشأن