خطبة الجمعة بين زمن سيد المرسلين وأزمنة العباد الغافلين

نشرت مقالا على هذا الموقع تحت عنوان : » ومن لم يكرم نفسه لم يكرم » وضحت فيه سبب تركي منبر الجمعة صيانة لكرامة الجمعة وخطبتها وخطيب الجمعة الذي صار هدفا سهلا لكل من هب ودب ، وصارت خطبة الجمعة وخطبتا العيد وشأنها شأن ديني مجرد شأن من الشؤون العامة التي تبث فيها جهات لا علاقة لها بالشأن الديني .وصار الخطيب بين جهل الذين يحشرون أنوفهم في الشأن الديني وبين جهل الناس بحرمة الجمعة يطالب بما كان يطلبه المستمعون من الأغاني وإلا جرحته الألسنة ونالت منه قالة السوء . وعندما تصفحت التعليقات التي ذيلت مقالي تبينت من خلال مضامينها أصحابها وهم ما بين ناعق قد ألفت نقده المجاني ، ومغرض ركب مقالي لحاجة في نفسه ، وجاهل يظن الجهل بالخطيب ، وناصح غيور على خطبة الجمعة والله أعلم بخافية صدره .
ورأيت أن أرد على كل كيل بما يناسبه . أما الناعق فأقول له اهنأ برحيلي عن منبر كان يقلقك وجودي فوقه ، وعليك بإعداد نقدك المجاني الممجوج لمن سيخلفني عليه ، ولست أبالي بقولك من قبل أو من بعد ، وليس بسبب أمثالك تركت المنبر ولن يحصل لك ذلك الشرف أبدا. وأما صاحب الحاجة فأقول له هلا كنت شجاعا ولو مرة واحدة فكشفت عن هويتك خصوصا وأن تعليقك يفضحك أفلا تربأ بنفسك أن تكون موضوع تندر بين من يعرف ما تخفي علما بأن الخليقة مهما كانت لا تخفى على الناس ؟ وأما الجاهل بالخطيب والذي أنكر عليه كثرة الصياح فحسبه ما رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله قال : » كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش » فكل خطيب لا يعلو صوته يعتبر مخالفا للسنة عكس ما يعتقد الجاهل بحال خطيب الجمعة . وأما الذي أحالني على صحيح مسلم لأنه ظن جهلي به فأقول له من نافلة القول ونافقه أن يقال لخطيب جمعة عد إلى حديث في صحيح من الصحاح وهو دائم الاشتغال بهذه الصحاح، ولعلك تريد أن تحيلني على حديث أبي وائل القائل : » خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فلما نزل قلنا ، يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت ، فلو كنت تنفست فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه (أي علامة على فقهه) فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان سحرا » فأين خطباء زماننا من علم وفقه وبلاغة وفصاحة رسول الله وصحابته وقد أوتوا مجامع الكلم ؟.، وأين جمهور هذا الزمان البائس من جمهور زمن رسول الله وصحابته ؟ أليس من العبث القيام بمقارنة لا تستقيم ؟ لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عالما يخاطب علماء عنهم أخذت كل الأجيال العلم ، ولم تكن الحاجة ماسة لإطالة الخطبة وتقصير الصلاة ، أما اليوم وفي زمن أمية لا زالت نسبتها تفوق 75 في المائة حسب الإحصاءات الرسمية وعلمها حقيقة عند الله يطلب من خطيب الجمعة أن يقصر الخطبة وجمهوره غير متجانس ما بين أمي لا يقرأ ولا يكتب وبين جاهل جهلا مركبا ، وبين شارد لا يعنيه من الخطبة إلا تجزية الوقت ، وبين ناعق لا هم له إلا إحصاء دقائق وثواني الخطبة . فهل ينفع إيجاز النبي صلى الله مع هذه العينات غير المتناغمة أو إيجاز عمار أو إيجاز عثمان أو بلاغة الصديق والفاروق وعلي رضي الله عن الجميع ؟ إن الذين يهشون للاستشهاد بهذا الحديث لا يعنيهم سوى التخلص من الخطبة في أقصر وقت ممكن لاستعجال التهام صحون الكسكس والتفرج على البرامج الفكاهية أو القيلولة ،ولو طبق معهم هذا الحديث فقصرت الخطبة وطالت الصلاة لاشتكوا من طول الصلاة وكرهوا الصلاة وأوشك الله تعالى أن يأخذهم بعذاب . والحمد لله أن انتقاد هؤلاء ينال من الخطبة والخطيب ولا ينال من الصلاة وإلا لأخذنا الله جميعا بعذاب . لقد كانت الإشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تكفي أصحابه الأتقياء العلماء البلغاء أما جمهور هذا الزمان فمن صنف القائلين ماذا قال الخطيب آنفا بعد انصرافهم، ومعظمهم قد يغط في سبات عميق أثناء الخطبة ، ويتهم طولها ولا يتهم سرعة سباته قلة صبره عند سماع الذكر .
وكم من مرة أومأت إلى بعضهم وأنا أخطب لتنبيه النائمين وإيقاظهم. خطبت بالفصحى فشكا الأميون عدم الفهم، واستعملت العامية من أجلهم فغضب لذلك المثقفون . وإذا تناولت الخطبة مناسبة وطنية اتهم الخطيب بالنفاق ومداراة السلطة ، وإذا انتقد رذيلة أو نقيصة غضب البعض وظنوا أن الخطيب يستهدفهم ، وإذا تناولت خطبته الوعيد نفر الناس منه ، وإذا اقتصرت على الوعد أصابهم الملل . وإذا انتقد المسؤولين طربوا لذلك وأشادوا بالخطيب وبشجاعته وجسارته ، وإذا انتقدهم إذا هم يسخطون . فخطيب هذا الزمان لن ينفعه علم ولا بلاغة ولا فصاحة ولا إيجاز ولا إطناب ولا سحر ولا بيان بل كل ما ينفعه هو أن يكون على علم بعقلية جمهور هذا الزمان وبقدرة هذا الجمهور على مدافعة الحدثين ،وعلى علم بنموذج معيار هذا الجمهور ليقيس عليه وعلى أرقامه القياسية في الاحتفاظ بالبول والريح ، والطاقة على الجلوس ، ولعل هذا النموذج يوم كان سالما صحيحا معفى في بدنه كان يقضي الأوقات الطويلة في أماكن اللهو واللعب وربما أماكن المعاصي ، فلما فاته قطار المعاصي ولفظته المعاصي لكثرة علله وعيوبه وجد ضالته في بيوت الله ليصب جام غضبه على الخطيب الذي لا يراعي حالته الصحية ولا يكيف خطبته وفق تبوله وآلام ظهره ومفاصله. وغريب أمر تقويم بعضهم وقت خطبة الجمعة تقويما مزاجيا من خلال قياسها بالدقائق وكـأنهم يعرفون معرفة شرعية الوقت الذي ينبغي في الجمعة علما بأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت قصدا وخطبته كانت قصدا أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق كما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه إذ صلى عليه الصلاة والسلام ركعتي العيد بسورتي ص وعدد آياتها 88 آية وبسورة القمر وعدد آياتها 55 آية ، ولو استطلعنا آراء الناس في زماننا هذا عن طول وقصر هذه الصلاة لاختلفوا فيها اختلافا كثيرا لأنهم ألفوا صلاة العيد بسورة الأعلى وعدد آياتها 19 آية ، وسورة الشمس وعدد آياتها آية 15 فهل الحكم بالطول والقصر يكون باعتبار قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد أم باعتبار ما نقرؤه نحن في صلاة عيدنا ؟ وهل مقدار ساعة يعتبر طولا ؟ وما هي حجة من يجعل الخطبة نصف ساعة أو ما دون ذلك من الكتاب والسنة؟ وما يدريه أن مقدار الساعة هو التقصير عند رسول الله وعند أصحابه ؟ وهل سجدة وركعة رسول الله وأصحابه هي سجدتنا وركعتنا ؟ فالقضية لا يمكن أن تحسم بمجرد ظن لا يغني من الحق شيئا .
ومن الغريب أن بعض الخطباء لا تتجاوز خطبهم ربع الساعة ومع ذلك ينالهم حظهم من النقد والتجريح مما يعني أن انتقاد الخطباء عبارة عن استعداد فطري في زماننا ولعل السر وراءه يتجاوز التوقيت وغير التوقيت إذ قد يكون سماع الحق أشق على النفس الأمارة بالسوء لهذا تحاول التمويه عما شق عليها سماعه من خلال البحث عن ذرائع الطول والقصر، ولا يستزيد من النصح إلا الأكياس الذين يعملون لما بعد الموت ، ولا يسأم منه إلا العاجزون الذين يتبعون أنفسهم أهواءها ويتمنون على الله الأماني. ومقابل إظهار البعض الشجاعة في وجه الخطيب وانتقاده لا يستطيعون انتقاد من فرض عليهم أوقات العمل يوم الجمعة ، وهو منتهى الجبن ، لأن الجبان حقا هو الذي يجرؤ على انتقاد الخطيب ، ولا يجرؤ على انتقاد غيره من المسؤولين ، ويستكثر على الله عز وجل ساعة ذكر تكسبه الحسنات ، ولا يستكثر الساعات الإضافية التي تكسبه المال الذي قد يكون حراما أو فيه شبهة .
ومن الظواهر الغريبة ظاهرة ما يسمى اللجان المكلفة بتدبير شؤون المساجد والتي شغل بعضها الشاغل خلق المتاعب للأئمة والخطباء ووضعهم تحت المجهر وكأنهم أقنان يشتغلون في ضيعات هذه اللجان. وقد يجلس بعض أفراد هذه اللجان لقراءة الحزب فتعلوا أصواتهم بالقراءة على صوت الإمام الراتب الضابط لقواعد القراءة فتعجبهم أصواتها المنكرة النشاز فيرفعونها فوق أصوات من يشاركهم القراءة رياءا وسمعة . وقد يدفع بعضهم الفضول للتسابق من أجل إقامة الصلاة دون إلمام بصيغة الإقامة وهم لا يعلمون ، وقد يحمل بعضهم المصاحف خلف الإمام في صلاة التراويح لمراقبته ، وقد لا يستطعمهم فيطعمونه خطأ بما لا يجوز ولا يصح وهم غافلون. وما أكثر البدع التي تحدثها في المساجد بعض هذه اللجان التي لا شغل لها إلا المطالبة باستبدال الأئمة والخطباء كما تستبدل الجوارب والأحذية في وقت يجدون من يتابعهم في ترهاتهم من بعض المحسوبين على الشأن الديني الذين يتربصون بالأئمة والخطباء لإظهار سلطتهم الدينية التي يوهمون بها العامة واستعراض عضلاتهم على من يتطوع لخدمة الدين ابتغاء وجه الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .




3 Comments
السلام عليكم
ذكرناك بمصدر للاحاديث في مسالة تقصير الخطبة وهناك احاديث اخرى وفي مصادر اخرى يمكنك الرجوع اليها وهي كلها احاديث صحيحة . وبعد ردك علينا اتضح لناانك لا تقبل الذكرى .ونذكرك ايضا الفقهاء اتفقوا على استحباب تخفيف الخطبة وعدم الإطالة فيها
وعليه نؤكد لك اننا ضد الاطالة المملة في الخطبة مثلما اننا ضد التقصير المخل فيها .والمطلوب في ذلك اختصار غير مخل ولا مضر بالمعني
وقد داب بعض الخطباء على اطالة الخطبة وقد تكون انت واحدا منهم بحجة ان زمننا ووقتنا يجب فيه التفصيل الذي يتطلب التطويل فمثلما قلت اننا امة جاهلة وان جممهورنا ليس ليس بجمهور رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ .وردنا عليك ايها الاخ الكريم انه عليك ان تعلم ان سنن رسول الله صلى لله عليه وسلم لا تتغير بتغير الزمان اوالمكان اواحوال الناس وغير ذلك من المسائل. وليس لاحد من الناس حجة على الشرع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
ومن الغريب ان يدافع الانسان عن سنن ويغفل اخرى.
فمماأخرجه أبو داود في سننه عن جابر بن سمرة الوائلي قال: كان رسول اللّه صلى عليه وسلم لا
يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هن كلمات يسيرات
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإنه منهم الضعيف، والسقيم، والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء
وهناك احاديث كثيرة في هذا الموضوع يمكن الرجوع
اليها.فالخير كل الخير في اتباع هدى النبي صلى الله عليه وسلم في كل الازمنة والامكنة والاحوال
والسلام
لقد تفاجئة برحيلك عنا يأستادنا العزيز لكن مدا أقول معك حق في كل ما قلته والله سيجزي الضالمين سنفتقد خطبك الهادفة
أعتقد أن جميع مشاكل الشأن الديني في هذه المدينة راجعة الى وجود بعض المتطفلين على الدين في المجلس العلمي،ولو تم الاستغناء عنهم وتعويضهم بمن يحمل هم هذا الدين فعلا لصارت الأمور الى الحسن