صدق من قال : ومن لم يكرم نفسه لم يكرم
في السنة الفارطة نشأ خلاف بيني وبين بعض المحسوبين على الشأن الديني بخصوص صلاة العيد ذلك أنني انتقدت إغلاق المساجد في وجوه الضعفة والعجزة بسبب الصلاة في المصلى ، وزعم من رد علي أو علق على مقالي أنني ضد صلاة العيد في المصلى ، واجتهدوا في استصدار فتوى في حقي مع أن الأمر لم يكن يستدعي ذلك لأنني مع صلاة العيدين في المصلى ولأن ذلك سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لا يخالفها إلا جاهل بالدين .
وذكر أصحاب الفتوى كل ما بدا لهم حجة ودليلا لتفضيل صلاة العيد في المصلى على غيرها في حين ضربوا صفحا عن صلاة أمير المؤمنين الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالمؤمنين في مصلى الكوفة ، ومع ذلك أمر أبا موسى الأشعري رضي الله عنه أن يصلي بالضعفة في المسجد والخليفة الراشد الرابع من بين من أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسير على نهجهم في حديث مشهور: « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدبن من بعدي » وما كانت وجهة نظري إلا اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين . وهذه السنة فوجئت بقرار إلغاء صلاة العيد في المصلى بذريعة برودة الطقس ، والله أعلم بما خفي من النوايا والطوايا .
ولما سمعت بالخبر توجهت قبيل صلاة العشاء ليلة العيد لأخبر الإمام الراتب بأنني سأصلي العيد بالناس كما كنت أفعل في سنوات خلت ، ولكنني فوجئت بأنه يمتنع وبتشنج وكأنني غريب عن المسجد ، وكأنني لم أصل صلاة العيدين بالناس من قبل ، وأخذ يشترط علي شروطا استغربتها ، منها طلب الإذن من العمالة ، فلما سألته عن مصدر ما يقول ادعى أنه المسؤول عن المسجد ، ولم يخف توتره وغضبه عندما أنكرت عليه قوله وطلب مني بلهجة التحذير قائلا : » دعني أحترمك » وكأني أسأت الأدب معه ، وما كان مني إلا أن قلت له إذن ما دمت مسؤولا في هذا المسجد فعليك أن تتحمل مسؤولية الخطابة فيه بعد اليوم.ومباشرة بعد صلاة العشاء تلقيت مكالمة هاتفية من بعض رواد المسجد بين معاتب على قراري بترك الخطابة ، وبين مراجع لقراري ، وأخبرتهم بصريح العبارة أنني لن أخطب في ذلك المسجد بعد اليوم ، وكان عليهم أن يخبروا من يعنيهم الأمر لتدبره ، أو كان على الإمام الراتب ومن في العمالة ممن يتلقى عنهم الأوامر أن يتدخلوا لتعويضي بخطيب تهون عليه نفسه ، ولكن شيئا من ذلك لم يحصل فحضر الناس لصلاة الجمعة فأقيمت الصلاة رباعية بعد جلبة وفتنة كما أبلغني من حضرها ، وغابت شجاعة الإمام الراتب التي واجهني بها حينما كنا وحيدين أمام الجمهور، ولم يستطع أن يخبر الناس بما كان بل حاول أن يحملني المسؤولية عن غياب الخطبة ، وأكثر من ذلك بلغني أن بعضهم جاهر أمام المصلين بتجريمي وشكاني على حد قوله لله تعالى ، وهو إما يعلم أو لا يعلم بما حدث.
لقد قضيت سنوات وأنا أواظب على الخطابة في هذا المسجد ، واجتهد لتبليغ ما علمني الله ، ولم أستخف يوما بجمهور هذا المسجد ، وشهد الله أنني ما أعدت على أسماعهم خطبة فائتة ، ولم أهمل مذكرة من المذكرات الواردة علي من الجهة المسؤولة عن الشأن الديني بل أعطيها ما تستحق من العناية سواء كان الحدث دينيا أم وطنيا للكشف عن غنى الإسلام في معالجة كل ما يعرض للمسلمين من قضايا في حياتهم. وشهد الله كم عانيت مع بعض السفهاء الذين لم يدخروا جهدا في محاولة صدي عن هذا المنبر لأتفه الأسباب بدعوى طول خطبي والحقيقة أنها كانت تقلقهم لأنها تصحيحية تعري السلبيات التي قد تكون مما يجرحونه ولا يقبلون سماع رأي الدين فيه. وشهد الله كم عانيت مع الإمام الراتب وهو شيخ طاعن في السن لم يعد يقوى على ارتياد المسجد بله إمامة المصلين ، وكان دائم التضجر من طول خطبي التي لا تتجاوز في أقصى الأحوال الساعة الواحدة والربع مع انطلاقها بعد منتصف النهار في الغالب.
وكم من مرة حاول هذا الإمام ـ تجاوز الله عنه ـ أن يربط مصير خطبي بقدرته على الصبر على التبول أو الجلوس . وكم من مرة غالبه النوم وسمعت مرة أنه ربما غلبه بوله ـ عافاه الله ـ وكنت أنصحه بإعادة الوضوء إذا ما غلب، ولكنه كان يصر على تكييف وقت خطبتي مع وضعه الصحي. وما أظنه عارض خطبتي يوم العيد إلا خوفا من أن أطيل عليه فلا يذبح ذبيحته في الوقت المناسب ، فوجد الفرصة سانحة للانتقام من الخطيب الذي لا يراعي حالته الصحية لأنه بمثابة سلم ريختر الذي تقاس عليه أحوال المصلين جميعا . ولقد حضرني وهو يعبر عن معارضته لخطبتي في الناس يوم العيد قول الشاعر زهير » ومن لم يكرم نفسه لم يكرم » فالخطيب الذي يرضى بالدنية لا يجد ربه أن يعلو المنبر لأن المنبر هو منبر جماعة المسلمين الأبية التي أعزها الله بالإسلام والتي لا تقبل الدنية في الدين . وما قيمة خطيب يصده رجل عجوز عن إمامته الناس ؟. وما قيمة خطيب يستأذن العمالة للخطابة ؟ وما قيمة خطيب يقضي سنوات في مسجد ولا يقدر الناس غيابه جمعة واحدة ؟ ويخدمهم لسنوات ومع ذلك تناله قالة سوئهم وصدق من قال :
أيذهب يوم واحد إن أسأته /// بصالح أيامي وحسن بلائيا
فإن كنت ذا فضل وبخلت به فحسبي قول زهير
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله /// على قومه يستغن عنه ويذمم
وإن لم أكن باخلا وقد قصدت والله يشهد أن أذكر الناس بفضل عبادة النحر فمنعت من ذلك فأولى بمن منع فضلي على الناس قول زهير أيضا :
ومن يجعل المعروف في غير أهله /// يكن حمده ذما عليه ويندم
فإلى أن تعود للخطابة قيمتها وتقدر حق قدرها سأكتفي بالمقال على منبر هذا الموقع وجمهوره طويل عريض وواسع الثقافة والمعرفة ، وهو منبر لا يلزم أحدا بعدم اللغو كما يلزم بذلك منبر الجمعة ، وأرجو لمن سيخلفني على المنبر السداد والتوفيق ، والصبر على الإذاية في سبيل الله .




11 Comments
تحية خاصة للأستاذ الشركي، من لم يكرم نفسه لا يكرمه الناس وهذا الحصار المضروب على الخطباء، لا بد أن ينتهي ولن ينتهي الا إذا اتخذ الخطباء موقفا مشرفا نحن لا ندعو الى الفتنة ولكن لا بد من احترام الخطيب فهو المرشد والموجه والمربي وهو الوسيلة الإعلامية الصادقة التي تجعل المصلين يعرفون ما لهم وما عليهم. أشياء كثيرة وقعت خلال هذه السنة توحي بما يهيئه بعض المحسوبين على الشأن الديني من مشاكل حتى لا يبقى على المنبر الا المحظوظ وأخوه وابن عمه وصديقه وفئة من الخطباء الذين لا يحسنون تركيب جملة مفيدة حتى يظل صاحبنا هو الخطيب المفوه.لقد تابعنا في السنة الفارطة ما كتبه الأستاذ الشركي وتابعنا رد من سموا أنفسهم المفتين وعشنا مأساة دعوة أحد الخطباء لاجتياز امتحان التزكية بعد أن قضى عشر سنوات من الخطبة ولنفرض أنه رسب في الامتحان هل سيعيد المصلون صلاة خمسمائة وأربعين جمعة، وعشنا مأساة نقل أحد خطباء المدينة البارزين من مسجده حيث كان يصلي خلفه أكثر من ثلاثة آلاف مصلي، وعندما عرض هذا المسجد على خطيب يحترم نفسه قال لهم بالحرف لا أحد يستطيع تعويض ذلك الخطيب، ورأينا كيف يتم اختيار الخطباء المقربين ومنحهم تشريفات مختلفة، أما الطامة الكبرى فهي التي عشناها مؤخرا وقليل من له علم بها وهي قضية مسابقة الخطبة المنبرية فوجدة هي الوحيدة التي تم اختيار الناجحين دون مسابقة بل إن الناس صاروا يعرفون هؤلاء المحظوظين قبل الأوان، وتحولت المسابقة الى إكرامية، ولكن وقفة كوقفة الأستاذ الشركي ستعيد كثيرا من الأمور الى نصابها
السلام عليك ورحمة الله
ليس من الحكمة ان يخسر منبر الجمعة خطيبا مثلك
ولك في رسول الله أسوة حسنة
هل اذاية الناس لك كإذاية قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ساعة وربع، وقت كثير، وكثير جدا لألقاء خطبة الجمعة، يكفيك يا سيدي محمد نصف ساعة أو ساعة إلا ربع على أبعد تقدير لإلقاء خطبة مركزة محكمة بليغة تعالج فيها ماشئت من المواضيع الدينية والاجتماعية… خصوصا وأنك رجل تعليم مقتدر، وشاعر مجيد لا تخفى عليك مثل هذه الأمور.
ومهما يكن من شيء كان عليك يا أخي ألا تترك المنبر لمجرد خلاف بسيط معالإمام يمكن تجاوزه بقليل من الصبر والحكمة … بوجمعة
السلام عليكم
من الحكمة في الخطابةأن يراعى الإنسان أحوال مستمعيه . لأن القصد من الخطبة هو التذكير والوعظ من غير إثقال ولا إملال
وما عليك ايها الاخ الكريم الا ان تراجع صحيح مسلم . كتاب الجمعة – باب تخفيف الصلاة والخطبة
والسلام
عندي مجموعة من الأسئلة أتمنى أن يجيبني عنها أولئك المحسوبون على الشأن الديني كما جاءت تسميتهم في بعض التعاليق: 1ـ لماذا يُسمح لبعض الفقهاء في مرافقة الحجاج كل سنة في حين يُقال لبعضهم الآخر لا يمكن أن تتغيبوا عن المسجد؟
2ـ كثير من الخطباء ألقوا خطبا ومواعظ ودروسا يوم العيد فلم يلمهم أحد في حين لو أن خطيبا من غير المحظوظين حضر مجرد الصلاة في مسجده لقامت الدنيا؟
3ـ الذي سيحظى بجائزة الخطبة هل سيقبلها وهو يعلم أنه لو أقيمت مسابقة حقيقية لكانت رتبته في آخر الصفوف؟
4ـ برنامج يسألونك الذي تقدمه إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم نسمع دائما نفس الأصوات والتي لا تمثل حقيقة العلم في هذه المنطقة، هل هذا البرنامج مُحَبس على هؤلاء؟
5 ـ ماذا ربح الدين في هذه المنطقة بعد إيقاف خطيب مسجد الجردة بدعوى التزكية وخطيب مسجد السي لخضر بدعوى أنه متصوف وبعد نقل خطيب مسجد ابن عبد البر الذي لا زلت لم أحضر خطبة أو درسا في مستوى خطبه ودروسه؟
6 ـ لماذا لم تصدر مذكرة توجه الى كل الخطباء تمنع الخطبة يوم العيد والاكتفاء بإعطاء الأوامر للأئمة بعدم السماح للخطباء بإلقاء خطبة مثلما وقع في المسجد الذي يتحدث عنه الأستاذ الشركي، والمؤكد أن الإمام لا يستطيع أن يقول ما قاله له من تلقاء نفسه؟
7 ـ لماذا يتقاضى بعض الفقهاء حوالي المليون سنتيما من خلال التدريس هنا وهناك وتمثيل المجلس هنا وهناك، في حين يظل بعض الأئمة ومن أهل العلم يتقاضون أجرا زهيدا وزهيدا جدا؟
السلام عليكم إن من لا يعذر المصلين لا يستحق أن يكون إمامهم بالله عليك كم اتصل بك من المصلين و توسلوا إليك ألا تطيل في الخطبة لأنهم لا يريدون التفيط لا في صلاتهم و لا في عملهم فهل من يخرج من المسجد على الواحدة و الربع و يصل منزله على الساعة الواحدة و النصف يستطيع أن يلحق عمله على الساعة الثانية ففكر في غيرك قبل أن تأمر الناس بذلك هدانا الله جميعا
أرى انه من غير الائق ان تزكي نفسك على حساب الطرف الآخر وان تلقى بالانتقاد واللوم في غيابه « وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ « .من جهة أخرى، لم أسمع من زملائنا اساتذة التربية الاسلامية ان الخطبة الطويلة لا فائدة منها.نعم الخطبة خطبة مسجد الحدادة!
ان العلماء يقولون كلمتهم ولا يخافون لومة لائم ولكني الاحظ ان المعلقين ـ العلماءـ يخفون اسماءهم فاين شجاعة العلماء؟ وانا اعلم ان التعليقين الطويلين لشخص واحد وهو الخطيب الذي نقل من مسجد ابن عبد البر .لماذا ؟ لانه فرق شمل المسلمين وشق صفهم ولم ينقل هو وحده وانما شمل النقل الامام والمؤذن ايضا فلا داعي للمزايدات والمغالطات.
ليس الأمر فقط في إطالة الخطبة. و نحن نتفق جميعا على ذلك. بل الامر أكثر حين يطنب الخطيب في البحث عن المرادفات المعجمية مع ان السواد الاعظم من المصلين أميون و الطامة الكبرى هي ان الخطيب يحسن الانتقاذ و الذم و لكنه لا يقدم للناس بديلا عمليا ينفعهم في حياتهم
كما لا ننسى كثرة الصياح و هو امر يزعج المأمومين و بخاصة العجزة و الذين يشتكون من ألام في الاذن
هذه مجر ملاحظات أرجو الا تزعج الاستاذ مادام فتح صدره ليقاسمنا هذا الموضوع
أنا أفضل ان يكون الخطباء مثقفين و من رجال التعليم مثل الأستاذ دندان الذي اعتبره نموذجا راقيا للخطيب المتحكم في صناعة الخطبة منهجيا و موضوعاو قدرة على استمالة المتلقي و التاثير فيه
حفظه الله و انعم علينا بأمثاله
السلام عليكم …اقول للاخ شركي ليس الامام وحده الدي عاب عتك الخطب التي القيتها في مسجد عمر بن الخطاب بل جمهور كبير من المترددين على المسجد.بحيث كنت تطيل الخطب وفي جموع المصلين موضفين منهم رجال التعليم كما يوجد تلاميد كنت تحرمهم من صلاة الجمعة.وكم من مرة طلب منك مصلون التخفيف في خطبك نضرا لعدم قدرة البعض ونضرا لعدم توفر الوقت الكافي للبعض الاخر .نحن لا نطعن في خطبك لقد كانت في منتهى الروعة و لكن نطعن في الوقت المخصص لها و الاطناب الدي كانت تكتسيه خاصة وان المسجد يتردد عليعه ناس مستواهم العلمي ضئيل لا يتجاوب مع طريقة القائك للخطب…حبدا لو كنت تختصر في كلامك تكن اكثر محبة عند المصلين …لن اطيل اكثر وفقنا الله جمبعا. والسلام