الولايات المتحدة تجيد استغلال انفصام عرى العروبة والإسلام

لقد دأبت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود على حسن استغلال الفرقة العربية الإسلامية لتحقيق مصالحها ؛ وإتقان هذه اللعبة يتطلب خبرة عالية بالعقليات والخصوصيات ؛ وهو ما تعتمده الولايات المتحدة من خلال مراكز البحوث والدراسات الاستخبارتية المبثوثة في طول وعرض العالمين العربي والإسلامي والتي تمد ساسة البيت الأبيض بالمعلومات الهامة التي تكرس ظاهرة الفرقة بين أبناء الوطن القومي والعقدي الواحد.
لقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية زمن الحرب الباردة تقاسم مناطق النفوذ مع الشرق الشيوعي داخل الكيانات العربية والإسلامية اعتمادا على مدى ارتفاع درجة الفرقة بين الأشقاء.ولما انهار القطب الشيوعي ظلت الولايات المتحدة تعتمد نفس الخطة حيث تركب كل خلاف بين العرب والمسلمين لتحقيق مصالحها القومية في المنطقة العربية الإسلامية التي تمثل مصادر تمويل خطيرة بالنسبة لها.
لقد خبرت الولايات المتحدة عقليات المجتمعات العربية والإسلامية ؛ وتأكدت أن فكرة الجامعة أو الرابطة التي هي استمرار لفكرة الخلافة صارت من خبر كان المحذوف وجوبا إذا سمح لي النحاة بهذا التخريج.
فلقد بلغ الخلاف بين الدول الإسلامية درجة إطلاق اسم منظمة المؤتمر الإسلامي على فكرة وحدتهم العقدية ؛ ولقد كان للولايات المتحدة الدور الكبير في تفريغ مفهوم الوحدة من دلالته ليصير مجرد مؤتمر علما بأن المؤتمر ينعقد بين الحين والآخر؛ ولا يمثل إطلاقا مؤشرا على الوحدة الواقعية التي تشمل السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية. كما بلغ الخلاف بين الدول العربية درجة تفريغ مفهوم الوحدة بينها من دلالته التي لا تتجاوز فكرة المؤتمر مع فرق طفيف في التسمية يعود للطبيعة العاطفية للعرب ؛ فاسم جامعة الدول العربية يدل على كيان ورقي وهمي لا يتجسد في الواقع ؛ وإنما يمثل كمسرحية هزلية عندما تحين بعض الظروف الاستثنائية علما بأن الاستثناء أصبح سمة غالبا.
لقد خبرت الولايات المتحدة طبيعة العقلية الإسلامية العربية التي تميل إلى التفكك والتفرقة لأبسط الأسباب فنفخت في كال نعرة تفضي إلى فرقة ووجدت في العرب والمسلمين التربة الخصبة للتنافر والتطاحن؛ وهو ما يمدها بالمبررات الكافية للهيمنة والتسلط ويسهل من مهامها.
لقد كان من مصالحها أن ينفرد الاتحاد السوفياتي سابقا ببعض الدول العربية والإسلامية ليمدها بالمادة الخام التي هي الفرقة العربية الإسلامية الضامنة لمصالح الولايات المتحدة ؛ وبعد زوال الشريك السوفياتي كان لابد مما يسد مسد التموقعات في هذا المعسكر أو ذاك بالنسبة للعرب والمسلمين. لقد حافظت الولايات المتحدة على صداقاتها القديمة مع كيانات عربية وإسلامية ؛ وحاولت استدراج من كان خارج الطوق ترغيبا وترهيبا حتى حج إلى بيتها الأبيض من كان لايمكن أن يحج إليه من دول ما كان يعرف بمحورالصمود والتصدي ؛ وحتى حصل أن صارت منظمة التحرير الفلسطينية ذات الطبيعة الراديكالية على مائدة المفاوضات مع العدو الاسرائلي لأن أوراق وسندات سوق الهرولة العربية الإسلامية عرف تضخما ؛ وصارت القضية الأولى إسلاميا وعربيا موضوع مساومة ؛ بل ومطية الكل يريد أن يركبها ليتقرب من أمريكا ؛ فسارع الفلسطينيون إلى ركوب قضيتهم قبل أن تركب إن لم تكن ركبت بالفعل وتم قبض الثمن مسبقا.
لقد نجحت الولايات المتحدة في إدارة حرب بين ثورين هائجين ثور فارسي وآخر عربي لمدة ثمان سنوات وخرجت بأكبر انتصار وهو كسر شوكة قوتين كان بإمكان اتحادهما قلب موازين القوة في المنطقة ؛ وبعد ذلك نجحت في التحريش بين ثور ونعجة عربية ؛ وما إن هاج الثورالعربي ضد جارته النعجة حتى انتزعت منه الولايات المتحدة ما تبقى من قوته لتنفرد بالثور الفارسي من جديد خصوصا وأنه لم تبق في المنطقة إلا نعاج عربية لا تتسبب في قلق ولا تقوى عليه أصلا بعدما سيق الثورالعربي إلى حبل المشنقة فجر العيد ليكون عبرة للنعاج.
لقد نجحت الولايات المتحدة في النفخ في نيران النعرات العقدية ؛ وبين عشية وضحاها صار التيار الصفوي سيد الموقف في العراق ؛ ووهي ورقة ضغط على باقي الدول العربية التي كانت دائما تتوجس من الإمبراطورية الصفوية ؛ وورقة الضغط هذه عبارة عن استفزاز لضمان استمرارية التبعية والهرولة وضمان استمرار المصالح الإستراتيجية لأمريكا.
لقد بدأ الحديث مؤخرا عن مشروع حرب طائفية تبدأ من بن فلول الصفوية في العراق لتنتشر بين النعاج العربية والثور الفارسي الهائج الذي يطمح إلى امتلاك سلاح تركيع دول الجوار بالدرجة الأولى لأنه لا يقوى على تركيع إسرائيل صاحبة السبق النووي. إن هذه الحرب وشيكة ؛ وقد تم الإعداد لها بدقة متناهية محسوبة حسابا دقيقا.
والمؤسف أن التعصب الصفوي الأعمى إلى جانب الخوف والشك العربي الأعمى لا يمكن أن يتنبه إلى اللعبة الأمريكية ؛ وإذا ما تم هذا التنبه فانه لا طاقة للطرفين به وقد تعمق الشك بينهما واتسع الفتق على الرتق. والتجربة العراقية شاهدة على ذلك فالصفوية هناك أعماها حب الكرسي المزيف فهي تخبط خبط عشواء وتخدم الأمريكان خدمة المومس لزبونها فتعطيه بدون حساب بعدما تفككت دولة كانت متماسكة تخطو خطوات نحو القوة المطلوبة من أجل المهابة.
لقد سخرت الولايات المتحدة سخرية لاذعة من العرب والمسلمين ؛ فصورت لهم أنفسهم أعداء ألداء ؛ وصار شغلهم هو إتقان شغلة الاقتتال والتناحر لتسهيل عملية الهيمنة التي قد تكلف الولايات المتحدة ثمنا باهظا لو أن العرب والمسلمين بثيرانهم ونعاجهم اجمعوا أمرهم وقلبوا ظهر المجن للعدو العابث بهم.
لقد كانت عبارة صدام وهو على وشك أن يشنق : ( هي هاي المرجلة؟) عبارة تاريخية وصفعة لكل العرب والمسلمين ليعودوا إلى الصواب كما يفعل بالمخدرين والسكارى لإخراجهم من تخديرهم وسكرتهم.
لقد كانت العبارة رسالة مشفرة على الطرق الصدامية ؛ وهي عبارة عن سؤال إنكاري القصد منه حسب أهل البلاغة النفي ؛ فليست المرجلة عبارة عن استعراض العضلات على الأشقاء بل المرجلة التنبه إلى العدو الساخر الشامت ؛ ولكن من لحمار الطحان برأس كرأس هارون الرشيد ليعي الحقيقة المبكية ؟ فلا زالت الصفوية تحتفل بموت صدام وتلوم من بكاه ؛ ومن بكاه إنما بكى أمة قدرها الفرقة والشتات
ومن شمت به إنما شمت بنفسه وهو لا يدري متى يأتي دوره ؛ ولعل طبول الحرب تقرع لتأكل كل يابس وأخضر وعندما تستفيق الصفوية والعروبية سيكون الوقت قد مضى ولا عودة لوقت مضى.




Aucun commentaire