أصناف الأزواج من خلال معيار حديث أم زرع

لقد أغرتني مقالات الكاتبة المغربية المقتدرة شهرزاد الأندلسي الشيقة بالكتابة في هذا الموضوع مع أن شريحة عريضة من النساء والرجال لم تتنبه لما تقدمه هذه الكاتبة من نصح يعود بالفائدة الكبيرة على الحياة الزوجية علما بأن المجتمعات تبنى انطلاقا من اللبنة الأسروية ؛ ولعلنا انشغلنا كثيرا بظاهرة التفكك القومي والضعف السياسي والفرقة الشائعة والاقتتال ولم نفكر لحظة واحدة في تفقد نواة المجتمعات العربية الإسلامية كما تفعل الكاتبة شهرزاد ؛ ولعلها كشهرزاد الأسطورة تحاول انقاد بنات جنسها من طغيان الشهريارية المستفحلة ح وقد تكون مشفقة حتى على هذه الشهريارية.
لقد همست في تعليق لهذه الكاتبة على موقع مغربي بحديث أم زرع وأرجو أن تستثمر كم أرجو ألا أشوش عليها بهذا المقال الذي أردت به تصنيف الأزواج من خلال حديث أم زرع وهو حكاية هادفة قصها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها بعدما باغتها وهي في مناجاة مع ريحانته فاطمة الزهراء رضي الله عنها فقال لها : ( أما أنت بمنتهية عن ابنتي يا حميراء كنت لك كأبي زرع لأم زرع) فلما سألته : ما أم زرع قص عليها خبر إحدى عشرة امرأة في الجاهلية جلسن في غياب الأزواج وكشفن عن أسرار بيت الزوجية ؛ وتراوح البوح والكشف بين مدح وذم.
لقد صار حديث أم زرع بمثابة معيار به يقاس الزوج والزوجة ؛ ولعل قمة الزوج هو نموذج النبي صلى الله عليه وسلم وقمة الزوجة هو نموذج عائشة رضي الله عنها وقد جسد هذا النموذج أبو زرع وأم زرع ؛ فما حقيقة النموذج الزرعي إن صح التعبير وهو نموذج بيت النبوة في نهاية المطاف؟
أبو زرع الزوج من خلال منظار أم زرع هو زوج بجح زوجته لأنه يحبها والتبجيح هو التفريح والتعظيم وكان من خلال ما قدمه لها من هدايا ؛ ومن خلال تغيير وضعيتها المادية المتواضعة إلى وضعية جيدة ومن خلال معاملة مثالية بحيث تنام كما تشاء وتقول ما تشاء وتحصل على ما تشاء دون حرج وهذه المعاملة السر من ورائها عاطفة الحب الجياشة وهو ما يختصره قول أم زرع : ( زوجي أبو زرع فما أبو زرع أناس من حلي أذني وملأ من شحم عضدي وبجحني فبجحت إلي نفسي ووجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق فعنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح وأشرب فأتقمح )
هذه المعاملة لم تكن من أبي زرع لو لم تكن أم زرع جديرة بها فكانت أهلا للحب والإكرام تستحق التبجيح لخصال كان يعرفها أبو زرع معرفة جيدة. ولم تقف أم زرع عند امتداح زوجها بل شهدت لمحيطه بالفضل فأثنت على أمه ؛ وهو ما لا يوجد إلا نادرا في الزوجات إذ تعتبر أم الزوج في الغالب الأعم العدوة الأولى التي تنافس الزوجة في حب زوجها وان كان الحبان مختلفان هدفا وغاية وشتان بين حب الأمومة وحب الزوجية ولكن نموذج أم زرع كان واعيا بالفرق فأثنى على الأم وقدر حبها لابنها وهو حب جعلها تكرم الزوجة التي يحبها الابن إلى درجة اعتراف الزوجة بذلك من خلال قولها : ( أم أبي زرع فما أم أبي زرع عكومها رداح وبيتها فساح). وأثنت أم زرع على أبناء أبي زرع الولد والبنت ونادر ما يحدث ذلك خصوصا إذا كان للزوجة ربائب فأم زرع العاقلة كانت على علم بحب زوجها لأولاده وحرصا منها على حبه فقد أحبت من يحب فقالت : ( ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع ؟ مضجعه كمسل شطبة ويشبعه ذراع الجفرة ؛ بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع ؟ طوع أبيها وطوع أمها وملء كسائها وغيظ جارتها) ولقد كانت أم زرع في قمة الذكاء والخبرة بنفسية زوجها فاختارت الثناء اللائق لولده وبنته الجمال والعفة والطاعة ولا يرضى إنسان بمن يفوقه في سجية كما يرضى ذلك من أولاده. ولم تنس أم زرع حتى جاريته فامتدحتها حبا في زوجها وإرضاء له فقالت فيها : ( جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع لا تبث حديثنا تبثيثا ولا تنقث ميرتنا تنقيثا ولا تملأ بيتنا تقشيشا ) شهادة مخالفة تماما لما نسمعه عن الخادمات حتى أن غيرة بعض الزوجات تصل حد قذفهن واتهامهن بالعلاقة السرية مع الزوج للحط من شانه وهو ما لم تفعله أم زرع المحبة زوجها بصدق والعاقلة.
بالرغم من كل هذا الثناء حصل أن وقع الفراق بين الزوجيين المثاليين لسبب يعتبر فطرة فطر عليها الرجال وهي حب الولود من النساء ؛ ولعل أم زرع لم تكن ولودا أو لعلها قضت حقها من الإنجاب فتاقت نفس أبي زرع إلى من تنجب له من جديد ؛ وقد أغرته الولود بذلك خصوصا وقد كانت صاحبة توأمين ولعل ذلك أغضب أم زرع فطلبت فراقه وهي عادة طبيعية في المرأة لا تقبل شريكة في حب زوجها ؛ والدليل على ذلك أنها قبلت شراكة حب الأم والأبناء والخادمة ولم تقو على شراكة حب الشريكة أو الضرة كما يقال؛ وقد عبرت عن ذلك بقولها : ( خرج أبو زرع والأوطاب تمخض فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلقيان من تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها) ولعل لأبي زرع عذره فالمنظر كما وصفته أم زرع يغري بطلب الولود ذات الفهدين والرمانتين والخصر ؛ فان كانت هذه شهادة امرأة في امرأة فما بال شهادة رجل ؟ ولعل أم زرع كانت تنظر بعين أبي زرع لأنه كانت خبيرة به وعاشقة له تستجيد ما يجيد وليست من اللواتي يميل حبهن للأزواج مع المصلحة ؛ وينتهي هذا الحب بانتهاء المصلحة.
ولقد كان حظ أم زرع أوفر حيث تزوجها من هو في مستوى أبي زرع كما صرحت بذلك هي قائلة :(فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا وأخذ خطيا وأراح علي نعما ثريا وأعطاني من كل رائحة زوجا وقال كلي أم زرع وميري أهلك ) لقد أقرت أم زرع بفضل زوجها الثاني ولم تنكر جميلا لأنها كانت أصيلة ؛ ولكن مشكلتها هي قضية المحبة التي لا تعوض فهي عاشقة لأبي زرع ؛ وقد عبرت عن ذلك بقولها : ( فلو جمعت كل شيء اعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع) ففضل الزوج الثاني لم تنكره أم زرع ولكنها لم تستطع استبدال حب أبي زرع بحب
زوجها الثاني ولعلها كانت على عقيدة : وما الحب إلا للحبيب الأول. ويأتي تعقيب عائشة رضي الله عنها قالت : ( قال رسول الله صلى الله عيه وسلم كنت لك كأبي زرع لأم زرع ) بمعنى لن تجدي بديلا لي مهما كانت معاملة غيري لك لأن حبي لك وحبك لي لا بديل لهما.
هذا النموذج الزرعي المثالي فما حقيقة باقي النماذج ؟
أما النماذج الأخرى فهي إما ناشدة النموذج الزرعي دون إدراك شأوه أو نماذج منحطة ؛ فمن النماذج المنحطة ما عبرت عنه إحدى نساء حديث أم زرع : ( زوجي لحم جمل غث على رأس جبل لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل ) هذا نموذج العلاقة الزوجية الفاشلة الميئوس منها الغثاثة والصعوبة وهي دليل على انعدام المودة التي جعلت المصلحة فوق المحبة فلا ترى هذه المرأة المنفعة والربح وقد عبرت عن ذلك أدق تعبير عندما شبهت زوجها بلحم جمل ولا يصلح هذا اللحم إلا للاستهلاك ولكنها مع الأسف وجدته غثا وصعب المنال في نفس الوقت ؛ وهذا نموذج امرأة سيئة فلو كانت غير ذلك لرضيت بالغثاثة وتحملت الصعوبة ولكنها لم تفعل لأنها من اللواتي يكفرن العشير. ومن النماذج المنحطة أيضا قول أخرى : ( زوجي لا أبث خبره إني أخاف ألا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره ) فهذه ناكرة للعشرة غير محبة لزوجها ولكنها مع ذلك لم تكشف ستره وان كانت قد فضحت أمره ورب تلميح أقبح من تصريح .وأما المصرحة بالعيب فهي القائلة : ( زوجي العشنق إن انطق أطلق وان أسكت أعلق ) فهذا نموذج الزوج القبيح قبحا ماديا ومعنويا إذ فيه فحش في قامته وفحش في سوء خلقه وهو مصدر تهديد دائم للزوجة طلاق أو تعليق في حالي النطق والسكوت ؛ ولو كانت هذه الزوجة في المستوى لما علقت ولا طلقت ولكنها لم تكشف لنا عن عشنقيتها هي كما فعلت مع زوجها. ومن النماذج المنحطة ما عبرت عنه أخرى : (زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة ) هذه علاقة زوجية وجودها كعدمها لانعدام الحب فيها ؛ ولو كان الحب من الزوجة لما كانت منها السآمة ولخافت على حب زوجها ؛ ولقد قللت من شانه إذ جعلته بلا حر ولا قر كليل تهامة وهو تقليل من شان زواج بلا حب . ومن النماذج المنحطة قول أخرى : (زوجي إن أكل لف وان شرب اشتف وان اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث ) فهذا نموذج زوج أناني لا يبالي بزوجته همه هو نفسه مأكلا ومشربا ومضجعا ؛ ولو كانت خيرة ومحبة لآثرها على نفسه ولأخرجته من أثرة إلى إيثار ولكنهما عدما الحب معا فكانت الأنانية هنا والشعور بالغبن هناك.
ومن النماذج المنحطة قول أخرى : ( زوجي غياياء أو عياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك أو جمع كل لك ) هذا نموذج الفشل الذريع في بيت زوجيتها يسودها العنف بكل أنواعه لانعدام المودة ؛ ولعل هذه الزوجة كانت مستفزة ومزوخية لا ترتاح إلا إذا شجت|أو فلت أو جمع لها الشج والفل فلو كان على حسن خلق لأحبها زوجها وما أهانها ؛ ولو كان على حسن خلق لأكرمها وأحبها عوض أن يهينها كل هذه الاهانة .ومن النماذج المنحطة قول أخرى : ( زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب ) فهذه لا هم لها سوى ما تصيبه من لذة ؛ وهي محتقرة زوجها ولم تجد له تشبيها إلا الأرنب والزرنب وبذلك جردته من كل مقومات الذكورة والرجولة ح ولو كانت جميلة متجملة محبة محبوبة لوجدت أسدا مكان الأرنب.
ومن النماذج المتأرجحة بين انحطاط العلاقة الزوجية ورفعتها قول أخرى : ( زوجي إن دخل فهد وان خرج أسد ولا يسال عما عهد ) لقد جمعت هذه لزوجها صفتين متناقضتين أو هكذا يبدو فأسديته وفهديته في الدخول والخروج لا تستقيم مع عدم سؤاله عن الأحوال ؛ ولعل هذه المرأة ماكرة مكر الثعلبان تفعل ما تريد وتداري زوجها الذي لا تحبه ولكنها تخشى بطشه .
ومن النماذج الراقية ولكنها لا تصل درجة نموذج الزرعية قول أخرى :( زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من الناد) فهذه قد تكون غير محبة لزوجها وإنما محبة لقيم ترضاها كالشرف والشجاعة والكرم والنجدة فوجدتها متجسدة في زوجها فأحبته لأجلها ليس غير ؛ ومع ذلك لا يضيرها هذا الموقف في شيء.
ومن النماذج النفعية ولكنها لا تستقبح على كل حال قول أخرى : ( زوجي مالك وما مالك مالك خير من ذلك له ابل كثيرة المبارك قليلات المسارح إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك ) فهذه عاشقة للبذخ واللهو لا تحب زوجها إلا لذلك فماذا عساه أن يصير لو افتقر ؟؟
ويبقى النموذج الزرعي هو الضالة المنشودة لمن رام بيت زوجية سعيد قوامه حب صادق لا يعوض كما كان بيت زوجية النبوة المشرفة ؛ فما رأيكن يا بنات حواء فيما قالت أخواتكن في الجاهلية وما عقب معقب بعد إذنكن وما هو بنفسيات النساء بعليم بل هو خابط خبط عشواء فان أخطأ فعذركن أوسع له وأشمل وان أصاب وما أخاله مصيبا فحظ غير منتظر وما هو بضربة لازب.
وشكري واعتذاري للكاتبة المتألقة شهرزاد الأندلسي إن كنت قد تطاولت على ميدان هي أولى به مني.
Aucun commentaire