حياة وموت يغيضان الأعداء

أقدمت الطائفة الشيعية العراقية على قتل زعيم عربي ذي فضائل جليلة لا ينكرها إلا حقود أو جاهل، فضائل على شعبه العراقي: فقد كان رئيسا؛ وبجدارة واستحقاق؛ لكل العراقيين وبجميع طوائفهم وجنسياتهم، يشهد له بذلك أعداؤه قبل حلفائه، وكان أول زعيم عربي أقام قاعدة علمية صلبة يؤكد ذلك عدد العلماء الحاصلين على شهادات الدكتوراه (عشرون ألفا) في مختلف العلوم والمجالات في زمن كان الدكاترة في أوطاننا يعدون على رؤوس الأصابع، وشهادة للحق أقول إنني؛ وفي رحلة لي في أوربا خلال الثمانينات وإبان دراستي الجامعية وحينما كنا لا نتقاضى من المنحة الجامعية إلا مبلغا زهيدا جدا لا يسمن ولا يغني من جوع، التقيتُ؛ في جولتي بإيطاليا؛ بشاب عراقي في إهاب وزي على أحسن ما تشتهي نفس المرء؛ وله حقائب ملأى ومعه في رحلته زوجته وابنته، فتجاذبنا أطراف الحديث عن عمله، وكم كانت دهشتي عظيمة حينما أخبرني بأنه مجرد طالب بالجامعة، واستنتجت من حديثي معه أنه شيعي، فقد ورد على لساني ذكر للصحابي الجليل أبي هريرة، فعلق على الحديث بقوله :"سوالف أبي هريرة" ومعنى السوالف في اللهجة العراقية "الأكاذيب"، علما بأن الشيعة يطعنون في غالبية صحابة الرسول ـ ص ـ. وهذا كان موقف الحكومة العراقية من طلاب الجامعات ودعمها إياهم. وفي مجالات الصحة والتعليم يكفيه أن تشهد له المنظمات العالمية حتى شبه بعضهم العراق في السبعينات بـ"سويسرا" الشرق الأوسط. ناهيك عن دعم البحث العلمي في بلاده، وتطوير القدرات العلمية في المجالات العسكرية والمشاريع التسليحية الطموحة التي كان يسخر لها طاقات عظيمة، وقد انتبهت دول الخليج وجمهورية مصر متأخرين بعقود كثيرة لضرورة الاعتماد على البحث العلمي في المجال النووي بعد أن وجدوا أنفسهم محاصرين بين مطرقة الدولة العبرية وسندان الجمهورية الإيرانية. أولم يكن بطل العراق متقدما بأشواط بعيدة عن هؤلاء القادة. مع أن الفارق بينه وبينه مقلديه المغفلين بعيد جدا:فقد توفرت له القاعدة البشرية والعلمية والمادية، في حين تفتقر مصر للعنصر المالي افتقارا يرهن طموحاتها ومستقبلها لإرادات ذوي رؤوس الأموال، ويفتقر الخليجيون للعنصر البشري ذي الكفاءة العلمية. هذا؛ بالطبں إذا توفرت في نفوس الزعماء النوايا الحسنة والحقيقية مثلما توفرت في صدر الزعيم العراقي. أما عن العلاقات التي ربطت العراق في عهد الزعيم صدام بباقي الدول العربية فلا ينكرها إلا جاهل. فقد استقدم من اليد العاملة الفلسطينية خاصة والعربية عامة أعدادا هائلة وجدت في كنفه الرعاية والحدب. وكثير هم الزعماء العرب الذين كانوا يلجأون إليه في أوقات الملات والأزمات الاقتصادية فيجدون رغائبهم، ولطالما قدم لهم النفط بأسعار تفضيلية أبخس مما يجدونه لدى غيره.
ولا ينكر إلا مكابر عنيد على عينيه غشاوة الحقد وفي أذنيه وقر العصبية أو الثأر البغيض أنك كنت وأهلك ووزراءك ومساعديك تعيش بعيدا عن البذخ والترف رغم ما تروج له الآلة الإعلامية المعادية والحاقدة عليك. ويكفيك من الفخر أنك ابن العراق البار قاسمتَ أهله نعمه ومواهبه، وقاسمته آلامه ومكارهه. فلبثت في سفينة الوطن حين حاصرها القراصنة، وكان بمقدورك أن تنجو بنفسك وأهلك ومالك مثلما يفعل الجبناء الانتهازيون لو أنك كنت من ذوي القصور الفخمة والودائع والحسابات المصرفية الضخمة بالعملات الأجنبية في مصارف دهاقنة المال العالمي. ومثلما عاثت يـد الحقد الطائفي الصفوي و الامبريالية الصهيونية فسادا في أرضك، فاكتوى بنارها ولظاها أبناء العراق، فكذلك عزمت أن ينالك منها نصيبك. وياله من نصيب عظيم !!
أيها الزعيم نشكر لك تأديتك واجبك تجاه شعبك ووطنك، وإيمانك بالأمة العربية إطارا عاما للنهوض إيمانا رافقك إلى المقصلة، ونشكر لك تتويجك كل ذلك بمفخرة الركون إلى الدين الإسلامي والاعتماد على المحيي المميت، الحي الذي لا يموت. ويحضرني في هذا الموقف بيت لشاعر العربية أبي فراس الحمداني يلخص مآلك ومآل العرب عامة :
سيذكرني قومي إذا جـدٌ جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
وكذا قول الحكيم المتنبي في سيفيته الأخيرة:
قعـد الناس كلهم عن مساعيك وقامت بها القنا و النصـول
ليس من عنده تُـدار المنـايا مثل من عنده تدار الشمـول
وإذا كانت أسباب الموت متعددة، فالذي لاريب فيه أن مذاقه و مآله واحد، ومما يهون على النفس مصيبتنا فيك أن من أوقدوا عليك نار الحرب أو طعنوك من حيث لم تكن تحتسب قد سبقوك إلى الشرب من كأس المنون رغم إنفاقهم أموالا طائلة لدفع الموت عنهم، ورغم استعانتهم بأطباء الغرب ومصحاته. لكنك امتزت عنهم بميتة الشهداء والرجولة والشهامة التي يقل الرجال المتحلون بها.
Aucun commentaire