الكــــاتب والأدب الملتـــــزم

يدفع الالتزام بدرجات مختلفة، إلى إعادة النظر في التمثيل الأدبي الذي شيدته الحداثة، مأخوذ بين الكاتب ذي الحضور
الشامل المؤكد بقوة، والقارئ الذي يلعب دور القطب المعدل، حيث اصبح العمل الأدبي وسيلة في خدمة قضية أو موضوع. نجد من يمارس الالتزام الأدبي بكيفية تجريبية خطوة خطوة، متكيفين بطريقة محكمة مع المصاعب الذي يثيرها التزامهم، وهناك من يبرز ويواجه التوتر المستتر بين الالتزام ومفهوم الأدب لدرجة قرن الالتزام بالأدب بدون التخلي عن الأول أو تضييع الثاني.
من هذا المنظور يجب ممايزة الأدب عن الفنون الأخرى كالموسيقى والرسم التي لا يمكن أن تخضع لشروط معينة من الالتزام، هذا هو التميز بين الكاتب والفنان كما أشار له جان لوي فيريي في كتابه * من بيكاسو إلى غرنيكا * حرص أن يبين أن الرسم أيضا يمكنه أن يكون ملتزما وفي اتجاه معاكس، إلا انه يظل من خلال سؤال الفنان أو الكاتب أن هناك شئ آخر يطرح ألا وهو الكتابة؟ وكيف يستطيع الأدب أن يكشف قوة فاعلة تمارس تأثيرا على العالم وتساهم في تغييره؟؟؟
نجد من ينظر للكاتب على غرار الفنان، حيث يضع إشارة إبداع وهذا يعارض الفكرة الشائعة عموما، وهناك من يغير كلمة إبداع بكلمة كشف، لأن الكاتب على المعطى والموجود من قبل، ومهمته أن يضيء ما هو قائم لكنه غير ظاهر ومختبئ، وهو الذي يسمي ما لم يسمى بعد أو ما لا يجرؤ على الجهر باسمه ومضمونه، بعبارة أخرى الكاتب ينغمس في تعقيدات العالم الواسعة لأجل أن يكشف منها بعض الجوانب التي تحظ بالاهتمام، ومن ثم فان جدة عمله لا تتمثل في كونه يضيف جديدا إلى ما كان موجود من قبل، وإنما تدخله يتصل بما لم يسبق إظهاره، أو قوله، أو تسميته بإضافة عناصر جديدة لما كان عليه يضعه تحت المجهر النظري والتفكيري.
الكاتب يغير بالتأثير لكلامه الكاشف، قول الحقائق معناه إرادة التغيير، وإن ما يميز الأدب لا يوجد في الكشف يقدر ما هو في التلميح، إذا الأدب يتكلم ويقول الأشياء وهو ما يجعله آلة لمساءلة العالم والإشارات إلى ما لا نهاية، وهذا هو التأثير الذي يملكه الكاتب على المعطيات، ومن هنا نلاحظ ارتباط العلاقة باللغة، فالألفاظ لا تعبر أبدا بدقة، إنما تقاوم لأنها تمتلك كثافة وسمكا وفي جوهرها نفعية وتضطلع بوظيفة أذاتية، إذ لا مجال للتميز بين الكاتب والمتكلم، وبين المشروع الأدبي والتواصل اليومي، بل هو صيرورة تبادل وتواصل رغم أن الكلمات هنا غير أساسية قياسا إلى الواقع الذي تعنيه.
لهذا نجد الكلام الملتزم متعدد، إذ يتعلق الأمر بالكتابة من أجل نقل الأفكار، الأخبار، الآراء والمشاعر، وهذا لا يعني أنها مثلى وكاملة قياسا إلى الواقع الذي تعنيه، الكلام يقدم كبوات وإخفاقات هي بمثابة صمت، لهذا تجد الكاتب الملتزم يجتهد لكي يقطع الصمت ويملأه بدلالة واضحة، ويتضح هذا بالأخص عندما نتناول مسألة الشكل، فالاستغراق الوظيفي في الاشتغال على اللغة معناه جعل الشكل هو الموضع ألامتيازي للنشاط الأدبي، حيث يتجلى للنظر المعنى الذي حدده الكاتب لمشروعه وكذلك الفرق الجدري الذي يميز اللغة الأدبي عن استعمالاتها العملية اليومية، إذا فالشكل هو الذي يعزل الأدب عن الخطابات الاجتماعية الأخرى ومن ثم يكون أي بحث عن أدب خالص قد أختزل إلى إنتاج أدب ذاتي سيكون هو نفسه موضوعه الخاص.
إن الكتابة الحداثية هي جسم حقيقي، مستقل ينمو حول الفعل الأدبي ويزينه بقيمة غريبة عن قصديه، ويجعل منه صيغة وجود مزدوجة، وينضد على الألفاظ إشارات تحمل في طياتها تاريخا أو تلويثا أو افتداء ثانيا، بحيث بموقف الفكر مصير إضافي.
الأدب الملتزم، يصدر عن الكاتب الملتزم وهو من يوزع بين اتخاذ موقف بوضوح ليكون مسموعا، وبين رغبته أن يصنع عملا أدبيا بالرغم من كل شيء – الالتباسات التي تفرزها الكتابة الأدبية – وهذا يعني رغبته في الالتزام دون التخلي عن الأدب، قد تكون الرغبة مشتركة بين جميع الكتاب الملتزمين و واقع المثل الأعلى الحداثي حيث يتبنى الطريقة المموضعة والمؤقتة التي تسلكها لتعرض عن نفسها ولتؤثر في العالم لهذا فإن الأدب الملتزم يسعى إلى مصالحة أنماط من القيم تلك التي تتعلق بالأدب وأخرى تتصل بمقاييس أخلاقية، اجتماعية، أو سياسية بالرغم من الصعوبات والتناقضات فإن الأدب الملتزم موجود ومكتوب وقرئ بشغف كما أن كتاب ملتزمين عرفوا كيف يسمعون صوتهم وينالون الاحترام بوصفهم كتابا أو رجالا لهم قنا عات ومعارك.
18/12/2006 صباح الشرقـــــــــي
http://www.maktoobblog.com/sabahchergui
Aucun commentaire
تحياتي المشفوعة بالتقدير الكبير
موضوع جد هام وطرح رصين والقضية فيها وجهات نظر لي الشرف الكبير للتعبير عن واحدة متواضعة
الالتزام قيمة ولكنها رهينة بالثقافة التي تحتضنها والأدب خادم القيم وعبد الثقافة لهذا ليس من اليسير الجزم بشكل مضبوط عن الالتزام ؛ فما وجدت الاتجاهات الأدبية والمدارس الا بسب الاختلاف في قضية دور الأدب في الحياة ؛ ويتركز الخلاف حول هذا الأمر في رأيين الأول يربط الأدب بالحياة ربط ضرورة والثاني يجعله نافلة من نوافل الحياة ؛ وهنا تبرز مشكلة الالتزام.
أما أشكال التعبير فهي لبوسات تصنعها الثقافة المهيمنة ؛ وكل شكل يلقى الرواج ثقافيا يكون مؤهلا للرواج ؛ فالشكل الذي يعبر به الأديب هو شكل عصره ؛ فقد يكون تصريحا وقد يكون تلميحا المهم هو أن تقبله الثقافة المهيمنة ؛ وقد تقبل الثقافة ما لا يقبله الذوق الرفيع فيصير التعبير الرفيع بضاعة كاسدة تماما ما يحصل مع جياع تقدم لهم أطباق غنية لا تقبلها أذواقهم التي تختار الالطباق المتواضعة ؛ ولقد استسمجت ثقافة أبي تمام بعض أشكاله التعبيرية ؛ وأصبح أبو الطيب المتنبي غريبا بأشكاله التعبيرية كغربة نبي الله صالح ؛ وهذه مشكلة قد تعترض كل مبدع.؛ وما أريد أن اخلص اليه هو أن الالتزام رهين بعصره وبيئته والا فلو ترك المبدع وسجيته دون وصاية ثقافية لنطق بما لا يخطر لثقافته على بال
أختي الفاضل استسمحك عن هذا الطرح البسيط متأدب بسيط لأن موضوعك يغري بالتعليق دام ابداعك ويطول عمرك كما يقول اخواننا في الخليج وتحياتي المشفوعة بالمحبة