ذات…مفتش

ذاتَ… مفتش
لدي اليوم حلم وحيد…أن أصبح مفتشا…فأرتدي بذلة كاملة بربطة عنق لأتمتع باستقبال الأستاذة لي، ولأوزع الابتسامات الصفراء على وجهها المتملق…ثم أرتاح على كرسيها في آخر الفصل بين تلاميذها وأضع رجلا على أخرى كأني تشرشل أو ألبرايت…ثم أحشر أنفي في أشيائها وأوراقها الخاصة …فقد أجد وصفة أكلة لذيذة أو وصفة أعشاب طبية…أو رسالة غرامية…آه… أخيرا وجدت دليل إدانة "الشَّعْرِية"، هيه لاشك أن هذه وصفة من وصفات شميشة التي خرَّبت جيوبي …كلهن متواطئات…أوف لقد أخطأت هذه جذاذة القراءة الشِّعرية…ولكنني سأجد…حتما سأجد…فيالهم من مدرسين يدوّنون كل شيء ولا يفعلون شيئا!!!
ثم أوزع نظراتي المتغطرسة على السبورة المكسرة، وعلى الممحاة المهترئة ،وعلى المكتب الذي ياما نمت عليه أيام كنت مدرسا مغطيا وجهي بقب جلبابي، معلما التلاميذ كيفية النوم الثقيل…ثم أتسلى بمنظر المدرسة وهي تتراقص على الخشبة محاولة إرضائي بأي شيء وأنا طفل مدلل لايرضيني أي شيء…ثم ألتفت إلى التلاميذ وهم يتصنعون الانتباه كأنني جئت من أجل سواد عيونهم فتراهم متكلفين الصمت والخشوع بحضرتي المبجلة. ليت حماتي وزوجتي وأبنائي هنا ليروا …ثم تجذبني ألوان قميص يلبسه أحد التلاميذ إنه هو هو القميص نفسه الذي قلبته يوم الأحد في سوق "فلاج الطوبة"…رائحة الخوردة غلبت رائحة الأحذية الرياضية، الخوردة … لقد أصبحت متعتي الوحيدة بعد أن طلقت القسم ثلاثا…قل لي بربك أين سأقضي كل هذا الفراغ إن لم تكن الجوطية؟…"الله يرحم اللّي اخْتَرَعْ الجوطية" لم يكتب لولدي وكتب لهذا المتعفن. الويل ثم الويل لأستاذته مني .
أعود لتبختري وأنا أفْلِي و"أكلِّبْ" الجذاذات ثم أطلق بعض الابتسامات الخبيثة…وأسر بمراوغات الأستاذة عن سبب استعمالها لهذا الفعل الإجرائي دون سواه …وعن إهمالها تصحيح فروض الإنشاء وعن تأجيلها النصوص السماعية …وعن عدم ملئها دفتر النصوص وعن…وعن…
ولكم أحس بالانتشاء كطاووس وأنا أنظِّر متذكرا دروس الباكالوريا ونظريات باختين وبارت في القراءة …ويُذهب سُقم نفسي ويُشفي غليلها عندما أتشدق بالمصطلحات النقدية الحديثة ،وألحظ بطرف خفي إعجاب المدرسة،أو تظاهرها بالإعجاب .ولئن سألتني عن معاني أبسطها فلن أحير جوابا،فأنا لا أتذكر سوى العناوين…هيه وهل تستطيع سؤالي؟أنا وفقط أنا من يسأل…
ثم يغيب ذهني بين تلك السمينة وشعرها المنفوش وبقع الزعفران التي تزين مناماتها.لاشك أنها تحضر الآن "الجلبان بالقرنيع"لكي تجده حجتها في إهمالها أشغال البيت الأخرى فترتطم هنا بحذاء وترتطم هناك برَزْمَة الحمَّام..أوف…وبين هذه الرشيقة التي تطير من مكان لآخر بكعبها العالي لتحط قرب محفظتها الأنيقة وأقلامها الثمينة…وتكتب على السبورة بيد من حرير …ويصبح وجهها موردا أكثر ومشتهى أكثر بفعل وجودي طبعا فلقد أصبحت أفضل من أي مستحضر تجميل…
يرجني الصوت الأنثوي الجميل وهو يهمس وقد انصرف كل العواذل…
– هل من ملاحظات يا أستاذ؟
– ملاحظات؟طبعا هناك ملاحظات… بكل تأكيد هناك ملاحظات …بل جبل من الملاحظات في انتظارك…لم آت هنا إلا من أجل ذلك …ملاحظة طرفك الكحيل وخدك الأسيل وخصرك النحيل وردفك الثقيل…هذا طبعا كلام أدأب على إخفائه تحت ملامح وجهي القاسية…
أعترف أنني "منحوس" و"مسخوط الوالدين" كما ينعتني جميع الأساتذة،ولكنني لن أكف عن الازدهاء كديك "ربابة ربة البيت" .فأنا المفتش الصعب…الواعر… الذي أملأ قلوب الأساتذة رعبا رغم أنني نحيل كـ"سباغيتي" واللقب دائما من عند أولئك الأوغاد.الويل لهم ثم الويل إني قادم… أم بثينة
Aucun commentaire
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اشكرك اختي الكريمة على هذا الوصف الدقيق لسلوكات بعض المفتشين التي مع الأ سف مازالت بعيدة كل البعد عن المهام المنوطة بهم….اتمنى ان تتغير هذه التصرفات والإهتمام اكثر بالتأطير, البحث التربوي,التوجيه,التكوين المستمر…..
سلام الله عليك أختي الدكتوراه مريم لحلو؛ يحز في نفسي أن أجد ثقافة بالية تتمظهر بما حكيت، تتسكع بيننا في مختلف مكونات المنظومة التربوية المغربية. أدعو قلمك زيارة الوزارة والأكاديمية والنيابة والمفتشية والمدرسة حتى يرى من عجائب هذه المنظومة ما لم يبح بها النقد الذاتي! الساكن فينا خوفا وتملقا وتمسحا بالذي يمنحنا التسمية في المنصب ويآزرنا عندما نهضم حقوق أطفالنا بدعوى الانتساب لهذا أو ذاك، لهذه أو تلك! فثقافة الابتذال عمق من أعماق ما وصفه قلمك وفي أي موقع كان؛ تأبى ثقافة الأنسنة أن تكون كذلك، لأنها لا تريد إلا أن تكون غير ذلك. فتلك نفوس مريضة شاذة لا يقاس عليها من أي تجاه جاءت أو من أي مهب هبت. فأنا لست أنا حين أكون كذلك؛ لأني أنا الذي أصنع الإنسان، فإن كنت كذلك فأي إنسان أنا؟ لك التحية والتقدير.
كنت أتمنى على الأخت الدكتورة التي نالت بجرأة من عرص وشخصية المفتش في القصة الخيالية التي أتحفتنا بها أن تختار عنوان آخر يتناسب مع ماقدمته من أوصاف للمفتش النموذج بطل القصة -و بئس النموذج الذي اختارته – والذي أقدرأنه لايوجد إلآ في مخيلة الأخت لحلو . و أظن أن تمثلاتي عن المفتش هو العنوان الأنسب للتعبير عما تسبطنه من أفكار حول هذا ًالنوعً من المفتشين والتي تختزنها في ذاكرتها و لا أدري أهي الذاكرة الطويلة الأمد أم ذاكرة العمل ، فلكل مقام مقال وعلى ضوء الإجابة سيكون الرد.
ارجو ان نرتفع بقيمة العمل الابداعي الى المستوىالذي يسمو بالقارئ ويمكنه من تجاوز مظاهر واقعنا المهترئ في مختلف صوره، والا ننزل به الى حضيض وصف الاحاسيس المرضية الشاذة
ابتغاء مرضاة هذه الفئة او تلك.ان ماينفع الناس يمكث في الأرض اما الزبد فيذهب جفاء.
اعتقد ان دكتورة ( اليوم ) لاتميز بين الابداع الادبي وسب الاشخاص تحدثي مباشرة عما يقض مضجعك وانفثي ما يغلف قلبك واريحي نفسك هل هذا هو الابداع عندك يادكتورة انا متاكد انه لو اطلع المشرف (على ماقدمته لنيل هذه الشهادة ) وكذا من ناقشها – على ابداعك هذا لتراجعوا عن قرارهم ابداعك هذا حزمات حقد وعقد حاشا ان تصدر عن دكتور .
في البداية أشكر كل الذين علقوا علىأقصوصتي سواء أإيجابا ام سلبا.اخي القارئ اختي القارئة،لم أكتب ما كتبت بدافع ولو ذرة من حقد لأي جهة من الجهات فإن شاء الله أنا أبعد الناس عن ذلك.وإن كتاباتي المنشورة وغير المنشورة أهدف فيها إلى نقد الواقع على طريقة الجاحظ وابن الرومي من القدامى .ورشيد نيني وأحمد السنوسي ومصطفى المسناوي من المعاصرين . فهذه الكتابات فيها من الطرافة والتندر بقدر ما فيها من الصحة والواقعية. ويوضح بعض العلماء دور السخرية الاجتماعية من الناحية الخلقية فيرى أنها تقويم للسلوك الاجتماعي وهدفها الأسمى هو التهذيب ومعالجة الاعوجاج.
والأدب النقدي الساخر لون من ألوان الأدب الاجتماعي الواقعي الذي يستمد نسقه ونماءه مما يحيط بالأديب.وهويدخل في إطار الأدب الهادف الذي يبصر الآخرين بعواقب السلوك السيئ،وربما يتغلغل فيها الأديب كما في الرسم الكاريكاتوري إلى داخل النفس الإنسانية ليلمس ما يعتمل فيها من صراعات وانحرافات وعقد،ثم يعمد إلى تجسيدها وتضخيمها .والأديب الساخر فنان حساس،سلاحه الصورة،وذخيرته الجملة الموحيةالتي تحمل في ظلالها،زخما حادا أو طاقة كبيرة مشحونة بمواد قد تكون متفجرة،ومن الصورة والجملة تنشأ الكتابة الفنية،ويظهر النص كلوحة إنسانية خالدة لها أبعادها المؤثرة في النفس. فالعيوب المنتشرة في المجتمع لابد من محاربتها كالبخل والنفاق والتكبر والجبن والغرور والفحش وغيرها فهي تهدم بنيان المجتمع ولهذا فالأديب حينما يسخر يحاول أن يربط بين ما هو واقعي وما هو خيالي و يصور ذلك في شخصيات هزلية كالمعلمين في نوادر الجاحظ و الأطباء في نوادر أحمد فارس الشدياق.
أظن أنك أصبت في كل ما ذكرته عن هذا المفتش لا مبالي و اقول لكل من علق سلبا ان الكاتبة أم بثينة تنقد ولا تنتقد و كل ذلك من أجل تغيير هذا السلوك .
لقد استغربت وأنا أقرأ مضمون الردود الصادرة عن السادة »متتبع » ، »ذات.. قارئ » و » قارئ » في موضوع مقال السيدة أم بثينة « ذات.. مفتش » المنشور في موقع وجدة سيتي oujda city .
اطلعت كباقي القراء على المقال و لم اعثر في ثناياه على أي إشارة تمس عرض أو سمعة المفتش ، فالمقال يمكن إدراجه في باب النقد الساخر لواقعنا الاجتماعي من خلال استجلاء مفارقاته و تناقضاته .
فهذا النوع من النقد عرفه الادب العربي منذ زمن بعيد ، لذلك أحيل الاخوة على الغوص في أمهات الكتب لاكتشاف هذا النمط من النقد الابداعي الساخر. و في هذا المقام ، تحضرني واقعة طريفة للرئيس الفرنسي الراحل تشارل دغول مع جريدة le canard enchainé المعروفة برسوماتها الكاريكاتورية اللاذعة ، فقد خصصت ركنا للرئيس الفرنسي كل صباح ، تنتقده بشكل ساخر ، ورغم منصبه السياسي ، كان الرئيس الفرنسي يتقبل هذه الرسومات بصدر رحب ، وفي أحد الاعداد احتجب هذا الركن عن الظهور ، فما كان من الرئيس إلا الاتصال يالجريدة مستفسرا عن هذا الاحتجاب لانه تعود على الاطلاع على هذا الركن كل صباح . يا للمفارقة بين ديموقراطيتهم وديموقراطيتنا.
لقد سقت هذه الواقعة لعلها تكون عبرة » لذات » قراء هذا الزمن الرديء و كفى .
الاخت مريم انا معجب بقلمك المنساب كالماء .ربما لم و لن يعجب البعض خصوصا منهم النمطيون الدين الفوا الخطاب المدحي التزلفي . او الدين يغطون الشمس بالغربال .مزيدا من النصوص الملتزمة و حياك الله. سلام.