الهجرة السرية بين الأمني والسياسي

أظن أن مسالة الهجرة من الجنوب إلى الشمال، أو من الدول النامية أو المتخلفة إلى الغرب
أساسا، أصبحت حاليا معضلة حقيقية تعاني منها الدول المستقبلة أولا، هذه الدول التي شبعت من أيادي الجنوب الرخيصة والصبورة على كل أنواع الأعمال الشاقة، شبعت منها بعد أن بنت بها بنياتها النحتية وقطاعاتها الاقتصادية والصناعية التقليدية،وبعد أن استغنت عليها بالأيادي الغربية الشرقية ،بعد انهيار دول المنظومة الاشتراكية…وبدأت تستورد فقط هجرة الأدمغة والأيادي العاملة المؤهلة تقنيا وفنيا لاقتصادياتها الحديثة…بالأمس كان الغرب يسهل الهجرة الشرعيةو يشجع عليها،وتغض الطرف على الهجرة غير الشرعية لأنها تستغل من طرف بعض أرباب المعامل والضيعات الفلاحية وذلك بطريقة غير شرعية كذلك… رغم هذه الحقائق الميدانية،فإن أغلب شباب الجنوب الأمي أو ذو المؤهلات الثقافية والمهنية المتواضعة لا زالت تغريه الهجرة ،وذلك بطريقة غير شرعية وذلك لعدة أسباب:
الغرب أصبح يسد أفاق الهجرة الشرعية أمام هذا النوع من البشر، وذلك بتعقيد مسطرة الحصول على التأشيرة، وعدم تسليمها في أغلب الأحيان، تصوير الغرب كجنة نعيم في مخيلة هؤلاء الشباب عبر الإعلام السمعي البصري أو عبر المهاجرين الذين يأتون في العطل،اشتداد واستفحال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في بلدانهم(البطالة بنوعيها :بطالة أصحاب الشواهد التعليمية،بطالة غير المتعلمين…هذه الأزمات التي ساهم في تعميقها واستدامتها الغرب نفسه عبر النهب التاريخي والمستمر لخيرات هذه الشعوب وتكريس التبعية السياسية والاقتصادية الاستهلاكية وحماية الأنظمة السياسية الفاسدة…)هزالة الأجرة بالنسبة للعاملين امام متطلبات الحياة المعاصرة المتعددة والنفيسة، الإرتفاعات الصاروخية لكلفة العيش…انسداد الأفق السياسي والاقتصادي لبلدانهم(القهر السياسي والاجتماعي والاقتصادي…)، وجود لوبيات(من الطرفين:بالجنوب والشمال) تسهل الهجرة السرية وتجني أرباحا خيالية وراء ذلك…بالإضافة إلى بعض الخصوصيات النفسية والاجتماعية التي ربي عليها بعض الشباب: الرغبة في الترقية الاجتماعية السريعة،وحرق المراحل بسرعة من أجل ذلك،غياب الوعي السياسي للنضال من أجل حقهم في الشغل والكرامة ببلدانهم الأصلية…
وأظن أن معضلة البطالة يرتبط حلها بقرارات سياسية ديمقراطية وإنسانية(دولية ومحلية) تعيد الاعتبار للمواطن وللكائن الإنساني،وتمتيعه بكافة حقوقه الوطنية والدولية(كما هي في المواثيق الدولية التي تبقى غالبا حبرا على ورق)، وتوفير كل شروط الكرامة الإنسانية، تسهيل شروط الهجرة الشرعية الدائمة أو الموسمية،والعمل على تنمية شعوب الجنوب،وكف الدول الغربية نفسها عن الاستغلال السياسي والاقتصادي الإمبريالي والبشع لها،ولما لا تقديم تعويضات مادية ومساعدات حقيقية لهذه الدول كتعويض على سياساتها الاستعمارية القديمة والجديدة،وعلى نهبها لثروات وخيرات ومستقبل شعوب الجنوب لعدة عقود،العمل على محاربة كل أشكال الفساد(السياسية والاقتصادية والإدارية…) وتحقيق عدالة مجتمعية لدى دول الجنوب…وليس فقط اللجوء إلى الحلول الأمنية والقانونية السهلة التي تحافظ على الوضع القائم كما هو، وبالتالي على أسباب إنتاج الهجرة السرية إلى ما لانهاية.
* محمد الصدوقي



Aucun commentaire