الأشكال النضالية مع وقف التنفيذ لن تزيد الوزارة إلا تجاهلا لمطالب المفتشين

من المعلوم أن الحوار بين نقابة المفتشين ووزارة التربية الوطنية وصل إلى طريق مسدود ، وأن النقابة قررت البدء بخوض أشكال نضالية متنوعة من أجل حمل الوزارة على الجلوس إلى مائدة التفاوض والحوار البناء ، عوض الحوار التسويفي والتسويقي في نفس الوقت . ومعلوم أيضا أن هيئة المفتشين داخل الساحة التربوية رقم وازن كما يقال ، وبإمكان رجال ونساء الهيئة تعطيل دواليب المنظومة التربوية خصوصا ونحن على مشارف نهاية موسم دراسي ، وأن النهاية تعرف عمليات جد هامة وخطيرة ، ودور هيئة التفتيش فيها جوهري وحساس . وإذا ما كانت نقابة المفتشين ترغب في الضغط الحقيقي على الوزارة فعليها أن تختار الأشكال النضالية الفعالة والمؤثرة ، والتي تقض مضاجع الوزارة.
وفي حال اختيار هذه الأشكال التي يجب أن تكون من قبيل مقاطعة كل العمليات الحساسة لسير المنظومة ، و التي هي في حكم ما لا يجب الواجب إلا به كما تقول القاعدة الفقهية ، فلا يعقل أن تعلن أشكال نضالية في أمور لا يمكن أن تكون ذات وزن للضغط على الوزارة من قبيل تعليق مجالس التنسيق التي هي معلقة أصلا في العديد من الجهات لانعدام الشروط المادية والمعنوية لحد الساعة .
ولا يعقل أيضا أن تعلن الأشكال النضالية المطلوبة والفعالة مع وقف التنفيذ . ولا يعقل أيضا أن يستجيب المنخرطون في النقابة بسهولة و ربما برغبة خفية أو ضمنية مع سبق إصرار لتسلل العناصر غير المنضوية تحت لواء النقابة ، وهي عناصر تعتمدها الوزارة كطابور خامس بغرض الإجهاز على النقابة وعلى مطالب هيئة التفتيش . ولقد لوحظ في العديد من الجهات أن العناصر المتسللة ، وشعارها المصلحة الشخصية المحضة تحظى برضا الوزارة مركزيا وجهويا ومحليا ، و هي عناصر يسيل لعابها أمام مغريات مشاريع المخطط الاستعجالي المادية ، ولا يوجد مشروع إلا وفيه هذه العناصر المتسللة الوصولية والانتهازية، وهي بطبيعتها تفتقر إلى الكفاءة والحرفية والجدية ، ولكن الوزارة تعول عليها وهي على علم تام بدونية كفاءتها ، وجشعها وطمعها في تعويضات برامج المخطط الاستعجالي فقط ، وهي لا تستحقها أصلا ، وعلى يقين من أن عملها سيكون مشوبا بالعيوب العديدة لأن الدافع عندها هو الطمع وليس الغيرة على المنظومة السائرة نحو غرفة إنعاش كئيبة لا يعرف بعدها ما المصير ؟ والمحزن والمؤسف وما يحز في النفس أن بعض العناصر المقتنية لبطاقة الانخراط في النقابة تتخذ من المتسللين قدوة وأسوة ، وتبرر أحيانا تسللها بتسللهم ، وهي على علم تام بخروجهم عن طائلة التزامات النقابة .
والمحزن أيضا أن يضرب الموعد في بعض الجهات من أجل انطلاق تنفيذ بعض الأشكال النضالية البسيطة من قبيل الوقفات الاحتجاجية التحذيرية إلا أنها لا ترى النور . وقد تناقلت بعض الأخبار أن الجهات الموكول لها إبلاغ الجهات المسؤولة بالأشكال النضالية لنقابة المفتشين قد تلكأت في ذلك ، وتبريرها عدم استعداد من يقابل المسؤولين لإبلاغهم بذلك . ولعل التلكؤ في مواجهة المسؤولين بعزم النقابة على بدء تنفيذ أشكال نضالية مؤشر على أحد أمرين : الأول نجاح المسؤولين الإداريين في الاستحواذ على ممثلي النقابة على عادة ودأب الإدارة من خلال تقريبهم وشراء ذممهم بشتى الطرق بما فيها إغراؤهم بمغريات المخطط الاستعجالي التي يلهث وراءها اللاهثون ناسين أو متناسين ملفهم المطلبي الذي عليه مدار الخلاف بين الوزارة والمفتشين ، وهو أمر أتمنى ألا يكون حقيقة ، والأمر الثاني هو خوف و يأس ممثلي النقابة من إمكانية عدم وقوف القواعد إلى جانبهم ، خصوصا بعد تسويفات الوزارة ويأس المفتشين من جدوى الحوار معها ، ومن فعالية جهازهم النقابي الذي لم تعد الوزارة تعتبره رقما وازنا ، وهو أمر أرجحه ، وأتنبأ بأنه قاصمة نقابة المفتشين . ولعل الذي أوصل النقابة إلى القاصمة هو أنها لم تراهن على الأشكال النضالية القوية ، ورضيت بالقليل من المكتسبات وعلقت بسببه النضال . ولا زلت أذكر أن بعض المسؤولين النقابيين لما قبلوا بالقليل ، ولامهم اللائمون في ذلك كان جوابهم ما زال الطريق طويل ، والقبول بالقليل لا يعني نهاية النضال ، ولكنه مع الأسف الشديد توقف وانتهى .
إن الأجهزة النقابية العتيدة لا تتخلى عن نضالها حتى في حال حصولها على الكثير لأنها تعلم علم اليقين أن ما تحققه رهين بحجم النضال. وكم من إدارة سوفت وماطلت ، وعشية الإعلان عن شكل من أشكال النضال الفعالة والمؤثرة تراجعت ، وطلبت السلة بلا عنب كما يقول المثل العامي. ولا يعقل أن تكون النقابة هي التي تطلب السلة بلا عنب لأن منخرطيها بعضهم يقف موقف المتفرج ، و ينتظر انتظار الديكة الروم التي لا تجيد إلا الأكل كما جاء في المؤلف الطريف لبوكماخ رحمه الله ، أو لأن البعض الآخر يستجيب للمتسللين أكثر مما يحفل بالنقابة ، وشغلهم الشاغل تبرير التسلل ، ولوم النقابة التي لم تعلن مسلسلها النضالي ، ولم تصف ملفها المطلبي ، وممثلو النقابة مهتمون بالرد على هؤلاء وربما اتخذ بعضهم لوم هؤلاء ذريعة للانسحاب من مسؤولية تسيير النقابة ليس عقابا لهم ، وإنما رغبة في الانصراف قبل أن يتم الإعلان عن حلول موعد قاصمة النقابة . ومن المعلوم أن النقابة هي القواعد ، وأشكالها النضالية تأخذ حجم وشكل هذه القواعد .
فإذا كانت القواعد صلبة لا تلين ، وحاضرة لا تغيب كان النضال قويا وتأثيره أقوى ، أما إذا كانت القواعد منقسمة على نفسها فريق يحذو حذو المتسللين في الكيد للنقابة ، وفريق يجيد التربص ويراهن عليه جني الثمار ، وهو غائب الغيبة الكبرى فإن مسؤولي النقابة لن يستطيعوا المغامرة بالإعلان عن أشكال نضالية تخزيهم أمام مسؤولي الإدارة . ولا زلت أذكر في جهتنا الشرقية كيف أعلن مكتب نقابتنا الجهوي كشكل نضالي مقاطعة مداولات الامتحانات فتسلل المتسللون ، واعتمدت الإدارة رجال الإدارة التربوية بديلا عن رجال المراقبة ، ووجدت فيهم المركب الذلول إلى جانب المتسللين للالتفاف حول نضال النقابة ، والتحق بعض المنخرطين مع المتسللين طمعا في أجر مداولات زهيد أو خوفا من إدارة لا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا . ولا زلت أذكر أيضا كيف أعلنت النقابة في جهتنا كشكل نضالي مقاطعة تغطية مقاطعات التفتيش الشاغرة بسبب تقاعد أو موت أو انتقال من كان يشغلها ، ومرة أخرى تسلل المتسللون ، وتبعهم المؤهلون للتسلل من بعض المنخرطين ، ولم تجد النقابة بدا من قبول الأمر الواقع . والمحزن ألا يفكر البعض في أداء واجب الانخراط السنوي لتأكيد انخراطه على الأقل ، ومع ذلك فهو أول المنتقدين للنقابة ، وفي ذمته دين الانخراط .
ومن العجب أن سارع أمثال هؤلاء إلى تزويد النقابة بملفاتهم لطلب التعويض عن التكوين بمراكز التكوين ، وهي قضية اضطلعت بها النقابة صيانة للحقوق دون أن يفكروا في أداء واجب انخراطهم كأضعف إيمان ، ومثل هؤلاء يعتبرون النقابة كورق المراحيض ـ شرف الله قدر النقابة والمخلصين الصادقين من منخرطيها ـ إذ لا يعنيهم من النقابة إلا التخلص من أدرانهم . وأخيرا أقول ـ والنقابة تعقد مؤتمرها الذي أسأل الله له كل التوفيق ـ لكل منخرط صادق إن النقابة توشك أن تدخل قاعة العناية المركزة ، وربما استهدفت من شتى الجهات ، لتصير مركبا ذلولا يركب لقضاء الحوائج بما فيها الحوائج الحزبوية والسياسوية التي نأت النقابة بنفسها عنها منذ تأسيسها ، ونضال من أجل ذلك المخلصون من أبنائها ، ومات منهم من مات رحمة الله عليهم ، وهمهم أن تكون نقابة المفتشين مستقلة وشامخة لا تركع ولا تقبل المساومة ، ولا ترضى بالدنية ، ولا تلين ولا تفتر في نضالها دفاعا عن المنظومة أولا ، وعن جهاز المراقبة الذي يحرسها ، وأنعم بها من مهمة شريفة نبيلة يضطلع بها المخلصون ، ويرتزق بها المرتزقون ، وسيعلم المرتزقون أي منقلب ينقلبون .
1 Comment
الأستاذ شركي تحية وبعد: إنني من المداومين على قراءة مقالاتك على وجدة سيتي، لكن لدي تساؤل بسيط: كلما تناولت انخراط أي فاعل في منظومتنا التربوية في البرنامج الاستعجالي إلا وربطت ذلك بالتعويضات المادية، ألم يعد في بلدنا أناس لهم غيرة دينية ووطنية على التعليم العمومي؟ شكرا