Home»Régional»شهادة طالب علم في علامة

شهادة طالب علم في علامة

0
Shares
PinterestGoogle+

انتظرت مدينة زيري بن عطية سنوات طويلة بعد رحيل المرحوم العلامة السيد بنسعيد المهداوي الواشاني عالمها النحرير الذي كان ينحر علوم اللغة العربية وعلوم الدين نحرا في المسجد الجامع العتيق لعقود من السنين لتحيي ذكراه من خلال دورة علمية حول قضية  » المجتمع والعلماء  » وهي دورة نظمها المجلس العلمي المحلي بوجدة ، وجمعية النبراس للثقافة والتنمية ، والجماعة الحضرية. وأود في البداية أن أشير إلى أن عنوان الدورة كان من المفروض أن يقدم فيه العلماء على المجتمع هكذا :  » العلماء والمجتمع  » ما دام الله عز وجل قد رفع من قدرهم في قوله عز من قائل : (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)) فإذا كان الله عز وجل قد رفع الذين أوتوا العلم درجات فلا يحسن أن يتقدم المجتمع عليهم رتبة ولو تعلق الأمر بمجرد عنوان لدورة علمية . وأود أيضا أن أعبر عن أسفي لتخصيص يومين يتيمين لعالم كبير قضى سنوات طوال يعلم في صمت وتواضع ودون ضجة إعلامية أو إشهارية . وأود أيضا أن أدلي بشهادتي في هذا العالم الجليل ، وما هي إلا شهادة طالب علم متواضعة تشرف هي بالعالم المشهود له ، ولا يشرف بها لأن درجة العلم التي رفعه الله بها تجعله فوق شهادات العلماء بله شهادة طالب علم مغمور،إذا ما جاز بطبيعة الحال لطالب علم مثلي أن يدلي بشهادته المتواضعة في علامة . لقد كلفت بعرض في اللغة وأنا بمركز تكوين المفتشين من طرف الأستاذ الدكتور محمد الأوراغي ذكره الله بخير حول كاف الخطاب في اللغة العربية .

و أ ثناء البحث وأنا في عطلة أسبوعية في مدينة وجدة خطر ببالي أن أقصد العلامة السيد بنسعيد وكان صيته قد ذاع في الناس بنية التقرب منه والاستماع إليه لأنه لم يحصل لي من قبل شرف الجلوس إلى حلقات علمه التي كنت أسمع بها فقط . واتفق أن زرته قبيل صلاة عصر وكان قد ابتلي في حبيبتيه فطلبت من مؤذن المسجد الجامع العتيق أن يستأذن لي العلامة من أجل استفساره عن قضية لغوية . وبعد أن أذن لي تقدمت منه فقبلت يده وسألته مسألتي فبادرني بالسؤال عن هويتي فقلت له : لن تعرفني يا سيدي لأنني لست ممن يحضر دروسك . فقال : وما خطبك ؟ ، قلت : طالب علم جئت أسأل عن كاف الخطاب في اللغة العربية ، فقال : ومن شيخك أو شيوخك ؟ ولعله قصد عالما من أمثاله ، فقلت : لا شيوخ لي ، وإنما هم أساتذة نتردد عليهم بحكم الدراسة ، وبغرض الحصول على شواهد لا بغرض التبحر في العلوم ، فانتهرني قائلا : اذهب إلى شيخك واسأله مسألتك. فانصرفت أنتظر الصلاة وقد حدثتني نفسي حديثا سيئا في العلامة وأنا بطبعي سريع الانفعال وسريع سوء الظن إذ ظننت الظنون بمن كانوا يرفعون من قدره حتى شوقوني لرؤيته ، وندمت على زيارتي له ، وقلت في نفسي : ما هكذا يستقبل عالم طالب علم ؟ وكأني بالمؤذن قرأ ما جاش في خاطري فبادرني بقوله : لا تنصرف بعد الصلاة قد يطلبك الشيخ ، فتلك عادته ، لا تستعجل .

وبالفعل قضيت صلاة العصر وقد أم العلامة الناس ، وما لبث أن سأل عني : أين صاحب كاف الخطاب ؟ فدنوت منه وجددت له التحية فشرع في الحديث عن كاف الخطاب يحيل على مصادر اللغة القديمة ، ويشرح ما قيل في هذه الكاف ، ويبين الفروق بين أقوال النحاة ، كان يتحدث وأنا أسجل حتى كتبت عنه صفحتين كاملتين . وفجأة سكت ثم أمر المؤذن أن يدخله مقصورة المسجد . فانصرفت وأنا أستغرب موقفه معي ، وأتساءل : لماذا انتهرني في بداية الأمر ، ثم عاد يطلبني بعد ذلك ، ويمدني بعلمه ؟ ولما عدت بما أملاه علي العلامة إلى الأستاذ الدكتور محمد الأوراغي استحسنه وسألني عن مصدره ، وشكك في كوني اطلعت على مصدر أو مصدرين ورد ذكرهما فيما أملاه الشيخ علي ، فصدقته القول فأكبر العلامة وأثنى على علمه .

وكان لا بد أن يمر وقت طويل لأستوعب سلوك العلامة معي. لقد كان اللقاء الخاطف معه عبارة عن تربية ، وعلم ، وموعظة بليغة . أما سؤاله عن شيوخي فكان تنبيها لي على أن العلم لا يأخذ دون شيوخ ، وأن الأصل في طلب العلم استئذان الشيوخ قبل الرحيل إلى غيرهم . وأما الجواب عن مسألتي بعد ذلك فخلق عالم ما كان ليكتم علما . وأما جوابه فكان استرسالا في الكلام إذ لم يطلب مني الغرض الذي أريده من كاف الخطاب ، بل تناول القضية اللغوية بما علمه الله معتمدا على ذاكرة وقادة وبلغة عربية راقية ، وبتدرج من فكرة إلى أخرى وكأني به قد راعى مقدار تحصيلي كطالب علم ، وكان يتكلم بهدوء مكنني من تسجيل أكبر قدر من المعلومات دون أن يكون كلامه إملاء .

هذه شهادة طالب علم في علامة ، وهي شهادة في زمن ارتفاع العلم ، وهو زمن يحل فيه الجهل محل العلم كما جاء في الأثر . إنني استحضر سلوك هذا العالم ، وأقارنه بسلوك بعض المتطفلين على العلم الذين يسبقهم كبرياؤهم مسافة كذا وكذا ، ولا شغل لهم إلا التظاهر والتباهي والغيبة والنميمة ، فلا تكاد أعينهم تقع على أحد إلا ازدرته ، وقد لا يتورعون عن إظهار الازدراء لمن يقتحم عليهم أماكن يقتلون فيها الوقت قتلا يوميا في القيل والقال. ولا يكاد المنصرف من مجلسهم يغادر حتى تسلق جلده ألستنهم الحداد . وإذا حدث أن استفسرهم أحد عن شيء شمخوا بأنوفهم ، واستخفوا بالاستفسار والمستفسر على حد سواء ، وانصرف عنهم السائل انصراف الظمآن من سراب بقيعة .

يشمخون بأنوف أولى بها نفث المخاط ، وهي أبعد ما تكون عن الشمم إذ هو شمم كاذب يخفي جهلا وسوء أدب مع ادعاء الانتساب للعلم دعوة اللقيط لنسب شرعي . فرحم الله العلامة السيد بنسعيد المهداوي الواشاني رحمة واسعة . ويا ليت بعض من جلس يسرد على الناس سيرته أن يتعظ بها . وإذا حق لأمثال العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة أطال الله عمره ، أن يتحدث عن العلامة المهداوي لأنه من طينته علما وأدبا ، فإن حديث غيره من المتطفلين عن هذا العلامة يحسب عليهم ولا يحسب لهم إذ تعد كل خصلة يذكرونها له قدحا فيهم

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

4 Comments

  1. عبد الحق
    26/04/2010 at 18:34

    الندوة العلمية التي ينتقدها الأستاذ شركي لم تكن حول شخصية العلامة السي بن سعيد مهداوي رحمه الله، بل إن المنظمين اختاروا لها فقط اسم  » دورة العلامة سيدي بن سعيد مهداوي  » وإلا فهي تتحدث بكل وضوح وبعيدا عن كل تأويل تعسفي عن حضور العلماء في المجتمع بصفة عامة، ويبدو أن صاحب المقال لم يتابع أشغال هذه الندوة، بل لعله لم يطلع حتى على فقرات برنامجها …
    ثم إن العلماء والشيوخ والباحثين الذين أطروا أشغال هذه الندوة العلمية معروفون بعلمهم وأخلاقهم ومكانتهم محليا ووطنيا فكيف يصفهم صاحب المقال بتلك الصفات القبيحة… ثم يدلي بشهادة لم تطلب منه…
    اتق الله يا سيدي في أعراض الناس فإنها حفرة من حفر جهنم وقف عليها كثير من الناس …
    عبد الحق

  2. وجدي غيور
    29/04/2010 at 13:46

    لقدولى زمن  » من علمني حرفا صرت له عبدا » و لا غرابة في هذا لأننافي عصر تطغو عليه الماديات . رحم الله أساتذتناالأجلاء و كل من ساهم في تربيتنا و تعليمنا

  3. Hammout
    29/04/2010 at 13:47

    السلام عليكم أتمنى أن يكتب أكثر عن علم من أعلام ألأمة و لكن رجاء كما تعلمنا من بعض مهندسي الدعوة الى الله « أميتوا الشر بعدم ذكره » و ما الذي يرجى من ذلك إلا تشيين القلوب و اتساع الهوة. فالله يتوب علينا جميعا. و السلام على من اتبع الهدى

  4. youssef
    29/04/2010 at 13:47

    j aime ma ville oujda

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *