قرناء السوء

قديما قيل :(قل لي من ترافق, أقول لك من أنت). مقولة ظلت راسخة في ذهني منذ أن سمعتها من معلمي في المرحة الابتدائية.إلا أنها كانت تطفو أحيانا على سطح الشعور, وتغيب أحيانا أخرى في غيا بات اللاشعور.واليوم وبعد أن لازمتني ردحا من الزمن . عاودتني الفكرة, وأصبحت استشعرها, أكثر من أي وقت مضى, لما تنبهت، بل حصلت لي القناعة, بأن آفة العصر, ومصيبتها, مصاحبة الأشرار, و مخالطة رفقاء السوء. كلنا يعلم مدى المعانات النفسية, والمادية, التي يعيشها الآباء, والأمهات من جراء انحرافات سلوك أبنائهم, نتيجة معاشرة الأشرار, ذوي السريرة الخبيثة .خصوصا, أولائك الذين منحهم الله قدرة فائقة على التأثير. فتعزز بهم الشيطان وكانوا له سندا, في نشر الفواحش, والموبقات, وهدر الوقت, في اصطياد الفسق, والفجور, وتبذير المال في الحرام…إن المخالطة في حد ذاتها ضرورية للإنسانَ, ضرورة الملح للطعام. لأن الإنسان مدني بالطبع, اجتماعي بالغريزة, كما يرى ابن خلدون, وعلماء الاجتماع بصفة عامة.ولكن مخالطة الغير, يجب أن تكون في الخير, الذي يعود على الفرد, ومن يخالط, بالنفع, والصلاح, وما يرضي الله., كالتعاون على البر والتقوى, وتعلم العلم, والجهاد بنوعيه:(الأصغر والأكبر), والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة… وفي نفس الوقت التعاون على محاربة الشر بأنواعه, كالإثم, والظلم, والعدوان, والرشوة, والربا, وأكل أموال الناس بالباطل…
يكاد المهتمون بالتربية, أن يجمعوا على ربط موضوع الرفقة السيئة, أو الخيرة, بالصبية, والأطفال على أساس أن المراهق, هو أكثر عرضة للتأثر بالوسط الاجتماعي, الذي يعيش فيه, فإن كان صالحا تطبع بصلاحه, وإن كان فاسدا سيئا, أسرع إليه الفساد. لأن مجالسة أصحاب السوء يدفعونه إلى ارتكاب أنواع مختلفة من الفساد: كالتدخين, وشرب الخمر, وتناول المخدرات, وإيتاء الفاحشة… يقول ابن سينا: (وينبغي أن يكون مع الصبية, صبية حسنة …حسنة آدابهم, مرضية عاداتهم, فإن الصبي, عن الصبي ألقن, وهو عنه آخذ, وبه آنس…) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:[إنما مثل الجليس الصالح, والجليس السوء, كحامل المسك, ونافخ الكير, فحامل المسك, إما أن يحذيك ,وإما أن تبتاع منه, وإما أن تجد منه ريحا طيبة ,ونافخ الكير, إما أن يحرق ثيابك ,وإما أن تجد منه ريحا خبيثة .]( أو كما قال صلى الله عليه وسلم) وقال أيضا:[ لا تصاحب إلا مؤمنا, ولا يأكل طعامك, إلا تقيا]( رواه أبو داود والترمذي).وفي نفس المعنى يقول سيدنا علي رضي الله عنه:[إياك وصحبة الفاجر, والكذاب, والأحمق, والبخيل, والجبان…) لأن مجالس قرناء السوء يزينها الكلام الفاحش, و الغيبة, والنميمة, والتحريض على ارتكاب المعاصي. ويحضرها الشيطان الذي يأمر بالسوء والفحشاء لقوله تعالى [إنما يامركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون].وقوله:[الشيطان يعدكم الفقر ويامركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم] (سورة البقرة آية 267).فعمل الشيطان هنا , شر مزدوج, فمن جهة يخوف قرناءه بالفقر ,حتى يمتنعوا عن الإنفاق في سبيل الله ,ويتعلموا التقتير ,و البخل بما آتاهم الله من فضله, ومنع زكاة أموالهم … ومن جهة أخرى يأمرهم بمعصية الله, ومخالفة أوامره ونواهيه, مع ارتكاب كل شر و حرام.
إن أثر البيئة الاجتماعية على الفرد حقيقة, أجمع عليها علماء الاجتماع, وعلماء النفس و التربية, لا سيما في غياب دور الآباء, والأمهات التربوي, نظرا لعوامل متعددة منها:(1) نقص الخبرة التربوية لدى الآباء والأمهات. (ليس كل الآباء والأمهات خبراء في التربية, والأخلاق, وليس بإمكاننا أن نجعلهم كذلك)(2) خروج المرأة, والرجل معا للعمل, وشيوع ظاهرة أطفال المفاتيح(3)انتشار وسائل الإعلام التخريبية, والهدامة, والتي تتعاون كلها لعولمة النموذج الثقافي الغربي, الذي لا يعير أي اهتمام للأخلاق .
لكن في تقديري,أن آفة قرناء السوء, ليست خاصة بالأطفال ,والمراهقين. – خصوصا وأن ديننا الحنيف لا يعتبر الطفل, أو الصبي مسؤولا عن سلوكا ته, وتصرفاته إلا بعد أن يبلغ الحلم. وهو سن التكليف -. بل هي مرتبطة أساسا بالراشدين الكبار, وبالمجتمعات, والأقوام. لأن هذه الفئات هي التي نجد القرآن الكريم حملها مسؤولية الفساد, والإضلال لقوله تعالى[ إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين] (العنكبوت 25). وقوله تعالى:[ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهوله قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين] (سورة الزخرف آية 36-37)
من خلال هذه الآيات, يتبين لنا أن المخاطب هم جماعة, وأفرادا راشدين, لهم دورهم القيادي, ألتأثيري في المجتمع. وأن هذا القرين, أو الصاحب, سواء كان جنيا في صورة وسواس,أو إنسيا, في صورة شيطان . ليس قرينا عاديا, بل هو شيطان, مرد على الشيطنة, كما وصفه القرآن الكريم, له من القدرات, والوسائل, الترغيبة, والترهيبية ,والإيحاءات النفسية , التي من شأنها أن تصد الإنسان عن الطريق المستقيم, وتزين له أعماله, وتزخرف له القول, فتصده عن طريق الحق, والصواب.وهذا ما قام به فرعون, وقوم لوط وقوم نوح, وقوم قريش…وما يقوم به الآن, قوم بوش, وبلير ,والمتحالفين معهم, من محاربة لله ولدينه الإسلام, بشكل همجي, لم يسبق للتاريخ, أن عرف مثله, كما حدث في أفغانستان, والعراق, وفلسطين .إذ دمر الإنسان, والحضارة, وحتى الحيوان, والنبات, لم ينج من قنابلهم التدميرية, بحجة محاربة الإرهاب. فهذا بوش طلع علينا بمقولته النكدة , مهددا, ومتوعدا الأحلاف ,والأعداء على السوء.{من ليس معنا فهو ضدنا }مصنفا أعداءه ضمن محور الشر . ويخطو بلير ,وكل الذين في قلوبهم مرض, رهبة ,أو رغبة في قضاء حاجة في أنفسهم, خطوة بوش,, وتتعالى الأصوات, لا للإرهاب,دون تحديد لهذا المفهوم, فيختلط مفهوم المقاومة الجهادية, بمفهوم الإرهاب, و عند ذاك يحلوا الاصطياد في الماء العكر.فلا الإرهاب كما يزعمون قضوا عليه, ولا النسل والحرث والسلام حافظوا عليه .
Aucun commentaire
ان معول الهدم اسرع واقوى اثرا من سواعد البنائين، ورغم عظمة تعاليم ديننا الحنيف فان الافعال السلبية لكثير منا تؤثر تأثرا قويا في اطفالنا وشبابنا.تندر في حياتنا » التربية الصامتة » التي تلقن بالقدوة الحسنة ، بالافعال الايجابية قبل الاقوال ، فكيف بستوعب ابناؤنا القيم الايجابية المجردة – وهم في سن الاقتناع بالمحسوس- وهم يشاهدون بأعيتهم من يعتدي على اعراض وممتلكات الغير ، ومن يؤتي المنكرات جهارا…