وجهة نظر الإسلام في هدر المال العام

لقد شاعت فضيحة هدر المال العام في بلادنا حتى تناقلتها وسائل الإعلام الأجنبية فضلا عن وسائل إعلامنا ؛ وهي فضيحة اقتصادية أخلاقية حيث تجاوز المال المغتصب عشرين مليارا؛ وهو مبلغ مرهق لميزانية الدولة ؛ كما أن ضياعه ينعكس سلبا على أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية ؛ ذلك أن رقم البطالة عندنا قد قفز إلى ما يناهز المليون عاطل ؛ ولربما كان المال المهدر حلا مناسبا لمعضلة البطالة المستفحلة عندنا .
إن مثل هذه الفضيحة يكثر الحديث عنها بين الحين والآخر ولكنها سرعان من تنقشع غيومها ؛ ولا نسمع بعقوبة شملت المتورطين فيها ؛بل ربما عاشوا مكرمين معززين يتصرفون فيما اختلسوه من المال العام كما لو كان مالهم الخاص.ولعل دين الإسلام الحنيف ؛ وهو دين الدولة الرسمي قد وقف من هذه الفضيحة موقفا صارما وأعد لها العقوبة المعلومة ولكنها معطلة مع الأسف الشديد ؛ فلو بترت الأيدي المختلسة لكانت عبرة لغيرها ممن يفكر أصحابها في الاختلاس. إن الإسلام لا يفرق بين الخيانة العظمى والغش ففي الحديث النبوي الشريف: ( من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا ) فديننا يتبرأ من الذي يحارب الأمة الإسلامية تماما كما يتبرأ ممن يغشها . والغش نقيض النصح ومنه الغشش وهو المشرب الكدر ؛ ومنه الغشاش وهو أول الظلمة وآخرها ؛ فهذه المادة اللغوية تفيد الممارسة الخفية وهي ما كان وراء كدرة أو ظلمة من اختلاس؛ والذي يفعل ذاك يسمى الغش ( بضم الضاد) أو الغاش أو الغشاش . والغش خيانة من سنخ الخيانة العظمى لهذا قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بحمل السلاح على المسلمين لتساوي مخاطرهما على الأمة السلامية .والخيانة سلوك غير مقبول في عقيدة الإسلام لقوله عليه السلام :(المؤمن يطبع على كل شيء إلا الخيانة ) ومعلوم أن الله عز وجل يمقت الخيانة والخوان كما جاء في الذكر الحكيم ( إن الله لا يحب كل خوان كفور ) والخوان كفور بالضرورة لأنه يكفر نعمة الخالق ومعروف المخلوق وهي أشنع جريمة يطلق عليها الخيانة العظمى ؛ ويلقى مرتكبها أقسى العقوبات .
انه لا فرق بين من تسبب في تفجيرات مدينة الدار البيضاء في السادس عشر من مايو 2003 لأنه في نظر الإسلام حمل السلاح على المسلمين فتبرأ منه الإسلام وأهدر دمه ؛ وبين من اختلس المال العام لأن هذا السلوك غش وخيانة ؛ فمختلس المال العام غش أو غاش أو غشاش استأمنته الأمة على مالها العام وطلبت نصحه فيه فخان الأمانة ولم ينصح وغش ؛ وهو بموجب الشرع الإسلامي مارق من الدين لقوله صلى الله عليه وسلم ( لاايمان لمن لا أمانة له ؛ ولا دين لمن لا عهد له ) ؛ وهو بذلك ليس من المسلمين بدليل الحديث الشريف ( ليس منا من غشنا ).
والعجب كل العجب أن تشتد الإدانة ضد من حمل السلاح على أمته ؛ وتغيب الإدانة عندما يتعلق الأمر باختلاس المال العام ؛ فلا نسمع بعبارة الخيانة العظمى في حق المختلسين ؛ ولا بالعقوبة القصوى ؛ بل يمر وقت قصير فيصير المختلس مواطنا كامل المواطنة وقد اغتنى بالمال العام ؛ وحاول غسيله بمشاريع كما يغسل المال الحرام المحصل بتجارة محرمة؛ وفي بعض الأحيان يتحول المختلس إلى محسن يشيد المساجد وينفق على اليتامى والعجزة ؛ ويحظى بلقب الحاج وهو لقب يحظى بتشريف وتقدير شعب المغرب المحب للديار المقدسة وللكعبة المشرفة ولشخص الرسول الأعظم .
لقد كثرت سبل اختلاس المال العام واكتسب المختلسون خبرة في الاختلاس دون ثبوت الحجة عليهم ؛ فهم يوظفون كفاءات الغش والتدليس إن صح أن نسميها كذلك لطمس معالم كل اثر يوصل إلى خيوط الخيانة .
فمجرد ظهور ميزانية في قطاع من القطاعات تصاحبها الاجتهادات في التزوير والتدليس من أجل هدر مالها فتمرر المبالغ المختلسة إلى جيوب الخونة بطرق فيها من الحيل ما تحار له العقول ؛ وتقدم بين يدي الاختلاسات التبريرات الورقية التي لا تعدو قطرات حبر على ورق ؛ ولكنها تكتسب مشروعية لا يطعن فيها طاعن. قد يشكك البعض في هذا الكلام ولهؤلاء نقول : كيف اختلس مبلغ عشرين مليار ؟ هل تم السطو عليه بالسلاح من خزينة الدولة ؟ لا لقد خرج من الخزينة بواسطة الوثائق المغشوشة .
لقد عرف المغرب ظاهرة محاكمة المجرمين ضد ضحايا سنوات الرصاص ؛ وهو أمر جميل ؛وكنا نود لو أخذت المحاكمة مسارها القضائي العادل وفق شريعة الإسلام ولم تقف عند حدها الصوري ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة ويدان من أدين ليقتص منه ؛ ويبرأ من بريء ليرد له الاعتبار وفق قاعدة الإسلام التي تجعل الحياة في القصاص ؛ ويكون الظالم عبرة لمن يعتبر؛ كما كنا نود لو وقف في قفص الاتهام إلى جانب مجرمي السادس عشر من مايو الذين حملوا السلاح علينا مجرمو اختلاس المال العام بتهمة الخيانة العظمى أيضا . ولو حدث ذلك لرأينا عجبا إذ سيقف من أوقف أصحاب تفجيرات الدار البيضاء إلى جانبهم في قفص الاتهام مع فارق زمني وتهمتهم واحدة وهي الخيانة العظمى خيانة العنف والإرهاب وخيانة الغش والاختلاس ؛ وربما كانت آثار اختفاء عشرين مليارا أخطر من آثار التفجيرات وفي كل شر مستطير.
فالي أن يحين الوقت لتطبيق الشريعة الإسلامية في جريمة الخيانة العظمى سواء كانت سياسية أم اقتصادية نحن في انتظار يقظة الضمير في بلدنا ليتوقف مسلسل اختلاس المال العام على يد من استؤمنوا من المسئولين فخانوا الله والرسول والأمة ؛ والحالة أن مسلسل الاختلاس سرطان لا زال ينخر جسد الأمة.
Aucun commentaire
حياك الله يا اخي وكثر من امثالك ان السرقات في بلدنا لاتعد ولاتحصي والسارقون ما اكثرهم وما ذكرته في مقالك يجب ان نزيد عليه سرقات اخرى ولو استردت هذه الاموال من هؤلاء الخونة لحلت مشاكل المغرب الاقتصادية وقضينا على البطالة ولكن نهايتهم اتية بحول الله وعونه فنحن نحيا عهد المحاسبة والعقاب وقد ولى عهد الحماية والسكوت اعانك الله على فضح الخونة واظهار حقيقتهم وما احوجنا لمثل هذه الاقلام التي لاتسكت على الفساد
في الحقيقة مادام لم يحاكم أحد من الكبار كما في الغرب فلن يكتفوا هم يسرقون والموضف الصغير يحاصر وهم صانعوا القرارات (المظف الذي يسعى وراء قوت يومه يجتاز المبارات لكي يترقى والموظف الضعيف يقومون بامتحانح كما نسمع الان في ولاية وجدة انكاد اين كنتم ياسادة قبل 20سنة لتقومون بهذا المتحان ؟ اليوم وبعد 20 سنة تأتون لتمتحنوا الناس بعد أن نسوا كل شئ ركظا وراء قوة يومهم وهل بقي لهم الوقت ليهيؤا لامتحان اننا نعلم أنكم ستأخدون حاشيتكم لتكونوا عصابات ولكن نطلب الله ان ينصر ملكنا عليكم لتحسوا بالقهر الذي تسببونه للعامة وخاصة الطبقة الكادحة
تحية وسلام لأستاذي وعزيزي سيدي محمدشركي، ليعلم من يختلس المال العام أن لعنة الله والتاريخ والأمة عليه إلى يوم القيامة حتى يقتص منه رب العالمين وأنه محاسب على ذلك مهما عمر في هذه الأرض ومهما عظم شأنه فيها. فهو صغير وحقير في الدنيا قبل الآخرة. ودام قلمك فياضا بالحق.
تحية لك استادي الجليل على هدا الموضوع ..لو تكاثفت سواعد الامة على محاربة الغش والفساد لاستطعنا مواكبة الدول المتقدمة ..لدلك لا بد من استيقاظ الضمائر من سباتها..فسباق الالف ميل يبدا بالخطوة الاولى ….