Home»Régional»عوامل التنمية المستترة

عوامل التنمية المستترة

0
Shares
PinterestGoogle+

إن مفهوم التنمية, غالبا ما يطلق على البلدان التي كانت مستعمرة, أو شبه مستعمرة, والتي ظلت تناضل من أجل الاستقلال, ومن أجل التخلص من براثين الفقر, والتخلف, والتبعية الاقتصادية, والسياسية.ويقصد به الزيادة المستمرة في متوسط دخل الفرد لتحقيق الرفاهية لديه. وفي مقابله مفهوم التقدم المرتبط في الغالب بالدول الصناعية التي تعيش حالة التخمة الاقتصادية.
والبلد النامي, أو المتخلف, يعيش شعبه الحاجة, و الفاقة, وسوء العيش.دخل فرده السنوي يتراوح بين 200و 1000 دولار.أما مظاهر التخلف وإماراته, فيمكن لنا أن نلخصها في النقط التالية :
(1) اقتصاد يرتكز على الزراعة البدائية, ذات المردود الهزيل,
(2) الخضوع لهيمنة دول المركز اقتصاديا, وسياسيا, وثقافيا
(3) تدني الدخل القومي مع سوء التوزيع, ( 5/1 خمس السكان يستأثرون بحصة الأسد من الدخل القومي . بينما أربعة أخماس ليس لهم إلا الفقر, والحاجة, والمرض, والجوع وبيوت الصفيح… )
(4) سيطرة الرأسمال الأجنبي على خيرات البلاد ونهبها بحجة الاستثمار,
(5) المعاناة من الركود الثقافي, والسياسي, والانقسامات الطائفية, والعرقية والحروب الأهلية…
إن عملية التنمية تهدف إلى الرفع من مستوى العيش, لدى السكان دون تمييز على أساس العدل.ولا بد لها أن تأخذ الإنسان بعين الاعتبار, لأنه هو الذي يحول المواد الخام, والموارد الطبيعية إلى مصنعات يستغلها لإشباع حاجاته المختلفة. ولا يمكن أن يحصل هذا إلا إذا كان مقتنعا, ومؤمنا, بضرورة التنمية, وتحقيق التقدم في مجتمعه. دون أن ننسى أن على الدولة,أن تتحمل كامل المسؤولية, في تهيئ ظروف, ومتطلبات التنمية ,وتقديم كل أشكال, وأنواع المساعدات المادية منها, والغير المادية , لأفراد المجتمع المطالبون هم الآخرون بالمشاركة الفعالة , والهادفة في تنمية مجتمعهم, دون البخل عليه بما يملكون من مال ,أو علم, أو موهبة, أو نصيحة, ودون الاتكال على الأغنياء. لأن مسؤولية التنمية, مسؤولية جماعية, مشتركة, يتقاسمها الأغنياء, والفقراء على السواء.
اعتاد خبراء الاقتصاد, الاهتمام بالموارد الاقتصادية المادية ,المرتبطة بالأرض, كالمعادن, والصيد البحري, والزراعة, والتجارة, والسياحة, والقوى البشرية… ولم يتفطنوا إلى أن هناك عوامل أخرى أساسية, تتضمن تحقيق أهداف التنمية, مرتبطة بالعقيدة, والشريعة. يمكن أن تحقق الرفاهية في مجتمعاتنا الإسلامية, وهي نوعان:إيجابية, وسلبية. أما السلبية فنقصد بها تلك العوامل المتعلقة بالسلوك الفردي, والجماعي, الذي من شأنه أن يقطع الطريق على التنمية, أو يعرقلها ويؤخرها, وهي كثيرة نذكر منها
:(1) التبذير: وهو عدم المحافظة على المال, وصرفه في غير أوجهه المباحة,وفي المواضع التي حرمها الله كالخمر, والزنا, والقمار,والرشوة , وإهلاك المال من أجل التباهي … يقول الله سبحانه وتعالى:[ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا] (الإسراء آية 26-27)
(2) التقتير: وهو عكس التبذير, أي الشح والبخل, وهو حبس المال, ومنعه من التداول. وله انعكاسات وخيمة, على حركة التنمية, وعرقلتها, أما على المستوى الأخلاقي, فهو صفة قبيحة, يكرهها العبد في نفسه, وفي غيره, لأن صاحبه يحب المال, ويجمعه لذاته, لا لمنفعة أوقيمة أسمى منه .ولذلك نهى الله سبحانه وتعالى عنه فقال:[ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ] (الإسراء 29) وقال أيضا: [ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير] ( آل عمران 180) والرسول صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن الشح مهلك للفرد والجماعة فيقول: [ إياكم والشح فإنما هلك من كلن قبلكم بالشح, أمرهم بالقطيعة فقطعوا, وأمرهم بالبخل فبخلوا, وأمرهم بالفجور ففجروا ] .فكل تنمية إذن لا بد لها من الوسطية, والاعتدال بين التبذير, والتقتير.
(3)الاحتكار: وهو شراء كل الحاجيات التي تتوقف عليها حياة الناس, من طعام, ودواء, وعقار, وخدمات عمالية مهنية, وحرفية, ومعرفة تكنولوجية…وحبسها من أجل عرضها, وبيعها في السوق ساعة شدة الحاجة إليها, بأثمان خيالية, حتى يحقق السماسرة, والوسطاء المحتكرين, منها ربحا سريعا, وكبيرا, على حساب المحتاجين, والفقراء, وقد يتسببون في خلق أزمات اقتصادية, تتمثل في غلاء السلع, وإفلاس بعض التجار, وتعريضهم للفقر, وإضعاف القدرة الشرائية لدى شريحة اجتماعية عريضة. وبغض النظر عن آراء الفقهاء فيما يجوز, وما لا يجوز احتكاره, فهو بلاء مانع للتنمية, يحمل في ذاته بذور الهلاك للفرد والجماعة. يقول: صلى الله عليه وسلم [ من احتكر طعاما ضربه الله بالجذام أو الإفلاس ] (أو كما قال صلى الله عليه وسلم) ويقول أيضا [ لا يحتكر إلا خاطئ].
(4) الكنز: وهو نوع من الاحتكار, من أجل الاحتكار. أي حبس المال عن التداول, ومنع الزكاة عنه, وفي هذا تعطيل, وعرقلة للنشاط, والرواج الاقتصادي. الذي به تحصل التنمية, وفي هذا ضرر بالغ بمصلحة الفرد, والمجتمع على السواء. وهو غير الادخار, الواجب شرعا. إن كان الهدف منه الاستثمار, في مشروعات تنموية تزيد في الإنتاج, وتحسن الدخل القومي, والميزان الاقتصادي للمواطنين, و إغناء الأبناء, والأحفاد عن السؤال… وإلا فالكنز حرام منهي عنه, توعد الله سبحانه وتعالى صاحبه بأبشع صور العذاب لقوله تعالى:[ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليه في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنز تم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون] ( سورة التوبة. آية 34-35)
أما العوامل الإيجابية للتنمية فمنها:
(1) الزكاة و هي عبادة مالية, قائمة على الحسابات الرقمية المفصلة بدقة, ويعتبرها البعض, ركنا من أركان الإسلام, لا فرق بينها, وبين الصلاة. وغالبا ما ترد في القرآن الكريم مقرونة بالصلاة.كقوله تعالى: [وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة]. ويمكن أن نعتبرها, أول تشريع, في تاريخ البشرية, فرض واجبا ماديا, يؤخذ عنوة من أغنياء البلد المسلم, ويرد على فقرائه.ولقد حارب أبو بكر الصديق رضي الله عنه, مانعي الزكاة, في حروب الردة باعتبارهم كفارا, مرتدين, وقال قولته المشهورة:(والله لو منعوني عقالا, وفي رواية أخرى عناقا لحاربتهم عليه).
في تصوري أن الزكاة, سواء كانت زكاة أبدان, أم زكاة أموال, هي ركيزة أساسية في مجال التنمية, عن طريقها يمكن للمجتمع الإسلامي, أن يضمن الرفاهة لكل أفراده. فإذا افترضنا مثلا أن ثلث المغاربة فقط (10 ملايين) يملك كل واحد منهم 20000 درهما يؤدي عنها 2,5 في المائة فإن مجموع ما يخرج من الزكاة هو50000000000000درهما(خمسون ألف مليار درهما)فإذا أضفنا إلى هذا الرقم زكاة الفطر, والذي يقدر هو الآخر ب300000000درهما ( ثلاث مائة مليون درهما) على أساس أن كل فرد يؤدي 10دراهم فإن مجموع مدخرات الزكاة بنوعيها سيكون :50000300000000 درهما (خمسون ألف مليار وثلاث مائة مليون درهما) فإذا وزعنا هذا القدر من المال ,على ثلث سكان المغرب المفروض أنهم محتاجون(10 ملايين) فسيكون نصيب كل واحد منهم: 5000030 درهما (خمسة ملايين وثلاثون درهما) .وهذا القد رمن المال,- وهو أضعاف أضعاف, الدخل القومي للفرد, في الدول النامية ,والذي يتراوح ما بين 200 و1000دولار- في الضر وف الاقتصادية الحالية, كاف لتحقيق الرفاهية, لكل فقرائنا. أضف إلى هذا الرقم, ما يقدمه المحسنون, من مساعدات اقتصادية للفقراء, والأقارب, في شكل هدايا, وصدقات, أوفي شكل مشاريع خيرية, كبناء المساجد, والمدارس, والمستشفيات….
وعلينا أن ننسى التكافل الذي يبديه الفرد داخل المجتمع الإسلامي, والمتمثل في القرض الحسن, والوصية, والوقف, وتويزة (أي تقديم العمل لمن يحتاجه دون مقابل)…عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه, ولا يسلمه, ومن كان في حاجة أخيه, كان الله في حاجته. ومن فرج عن مسلم كربة, فرج الله عنه كربة, من كربات يوم القيامة. ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.] (رواه البخاري)
إن استغلال هذه العوامل, التي ذكرنا وحدها, كافية لتحقيق التعمير, والتنمية الاقتصادية دون الحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية, التي ترهقنا بشروطها, وتنهب خيراتنا, وتسرقها بحجة الاستثمار, والمشاركة في التنمية.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *