الطرح الإسلامي لثقافة اللباس

منذ أن ترك الإنسان مرحلة الطبيعة في مشواره التاريخي ودخل مرحلة الثقافة أخذ موضوع لباسه أهمية خاصة حسب الحقب التاريخية المسومة بمختلف القناعات. فحسب الطرح الديني الإسلامي يعتبر اللباس من خصائص الإنسان ذلك أنه لما وجد أول الأمر وجد بلباسه الذي نزع عنه بعد الخطيئة الأولى والذي حاول تعويضه بواسطة الخصف من ورق الشجر لصيانة ما يسوء الكشف عنه من أعضائه.
ومن خلال هذا الطرح ظل اللباس نعمة يمنها الله عز وجل على الإنسان كسربال يقيه الابتذال بالمفهوم الخلقي ويقيه الحر والقر بالمفهوم النفعي البرغماتي .
ومعلوم أن موضوع اللباس هو موضوع خلاف بين الثقافات ؛ ومن المستحيل أن تتوحد الرؤى في شأنه إلا إذا توحدت المعتقدات وهو أمر من المستحيلات ؛ لهذا فالطرح الموضوعي لموضوع اللباس هو معرفة البعد الثقافي له عند مختلف الأمم بعيدا عن أحكام القيمة والإدانة والتسفيه والسخرية كما يفعل من قصر نظره وضاق ولم يغادر ثقب سم الخياط يروم الاحاطة بالدنيا من خلاله.
و في بداية استعراض الطرح الإسلامي لموضوع اللباس يمكن أن نميز بين نظرتين كبيرتين للجسد البشري وهما : 1ـ الجسد المكشوف ؛ 2ـ الجسد المستور ؛ وهنا يدخل اللباس كعامل مهم يحدد الكشف والستر.
فإذا ما اتفقت الأمم قديما وحديثا على فكرة تزيين الجسد ؛ فإنها قد اختلفت حول كيفية التزيين هل تكون بالكشف أم بالستر. ولما كان الجسد الأنثوي ألطف وأجمل وأرق كان أكثر اهتماما عبر التاريخ من الجسد الذكوري الذي يستعمل رمزا للقوة والبطش ؛ بينما يستعمل الجسد الأنثوي رمزا للجمال كما تصور ذلك النقوش والتماثيل والأشعار والأخبار ….
ولا يمكن أن ننكر أن اللباس له علاقة بغريزة الجنس المتأصلة في الإنسان ؛ وهو ما جعله موضوعا خلقيا بامتياز عند مختلف الأمم سواء كان تقييم تعاملها مع الجسد سلبيا أم كان ايجابيا ؛ كما هو شأن التقييم الإسلامي السلبي لتعامل سكان سدوم وعمورة مع الجسد الذكوري ؛ وتعامل الحضارة الفرعونية مع الجسد الأنثوي ؛ وهو تقييم قد نجد ما يناقضه في ثقافات أخرى قديما وحديثا.
ومعلوم أيضا أن الغاية من وجود الإنسان في هذه الحياة بالنسبة للثقافة الإسلامية هو ما يسمى العبادة وهي ممارسة الحياة وفق ضوابط وضعها خالق الحياة لاختبار المخلوقات المستخلفة في ملكوته لمحاسبتها ومكافأتها خيرا وشرا حسب درجة الالتزام بممارسة الحياة فوق الضوابط الإلهية . والغاية من وجود الإنسان لا تتأتى إلا بحفظ نوعه عن طريق التناسل ؛ والتناسل لا يتأتى إلا عبر إغراء الجنس وهو يقوم أساسا على لذة لولاها لاستنكف الإنسان عن التناسل إذ ليس بعد لذة الجنس سوى المشاق من حمل وتربية وإطعام ورعاية وكلها عذاب لا يطاق إلا بإغراء لذة الجنس .
ومعلوم أيضا أن الأمم اختلفت في قضية اللذة الجنسية فبعضها يتخذها هدفا وغاية ؛ والبعض الآخر يتخذها وسيلة لغاية أخرى ؛ ووجهة نظر الثقافة الإسلامية أن اللذة الجنسية مجرد وسيلة للأغراء بالمحافظة على النوع الغاية من ورائها اللالتزام بضوابط الخالق لممارسة الحياة في فترة محددة باعتبارها مرحلة اختبار تعقبها مرحلة الجزاء في حياة أخرى بشكل آخر .
ولما كانت غريزة الجنس من أقوى الغرائز التي تتطلب الإشباع المستمر؛ وكان الجسد هو وسيلتها ؛فانه أي الجسد يمارس أثرا قويا على هذه الغريزة فيقدحها ويحرك مكامنها عبر حاستي البصر واللمس وحتى باقي الحواس أحيانا حسب الثقافات ؛ ولهذا وبموجب ضبط هذه الغريزة تأتي ثقافة الستر في وجهة النظر الإسلامية إذ يعتبر ستر الجسد من الأمور التي تحد من طغيانها إلى جانب ما يعرف بغض البصر ؛ فحاسة البصر تلعب الدور الأساسي في قدح زناد غريزة الجنس عند الإنسان لها اعتبر صرفه تهدئة لهذه الغريزة المتفجرة ؛ كما اعتبر اللباس أيضا تقييدا لهذه الغريزة ؛ ولا يعطل حاجز الغض ؛ وحاجز الستر إلا في حالة ما يعرف بالمحارم حيث يتدخل الوازع الخلقي الديني ليمنع الممارسة الجنسية بين مجموعة معينة من الذكور والإناث بموجب روابط الرحم والقرابة ؛ وفي هذه الحالة لا يكون للغض والستر من دور لوجود ما يسد مسد هما من الموانع .
و لايمكن أن ينكر منكر ما للغض والستر من دور في التقليل من إلحاح غريزة الجنس لدى الإنسان لهذا تقل نسبة تعاطي الجنس غير المقنن في البلاد التي تدين بالإسلام وتكثر في غيرها.
ولعل الصراع القائم بين الثقافة الإسلامية وغيرها خاصة الثقافة الغربية في موضوع الجنس وما يتعلق به قد أخذت شكل الصراع الساخن في عدة مناطق من العالم ؛ فقصة شيخ استراليا تعكس هذا الصراع فهو قد قدم الطرح الإسلامي لثقافة اللباس ؛ وهو طرح يعارضه الطرح الغربي ؛ فالطرح الأول يعتمد الستر أساسا ؛ والطرح الثاني يعتمد الكشف أساسا ؛ فاختلاف الأساسين يفضي إلى اختلاف وجهات النظر ؛ وهو إشكال لا يحل بالإدانة والإقصاء والاستئصال ؛ وإنما يحل بتفهم اختلاف وجهات النظر والتعايش معها بشكل ايجابي عن طريق قبول الآخر لضمان وجود الذات ؛ والا فمن أقصى غيره فلينتظر أن يقصيه هذا الغير.
ولقد استغربت تعاطي بعض المنتمين للثقافة الإسلامية مع هذا الموضوع تعاطيا غربيا على اعتبار أنه الطرح الوحيد أو حتى المشروع ؛ وهو طرحه يفتقر إلى الموضوعية ؛ ولا يغير شيئا من الواقع فسيظل الطرح الإسلامي طرحا مع ستر الجسد ؛ والطرح الغربي طرحا مع كشف الجسد عبارة عن خطين متوازيين إقصاء الواحد عبارة عن نهاية الآخر في نهاية المطاف إذ بالكشف يعرف الستر والعكس صحيح
ولعلنا نتفهم انشغالات كل طرح ثقافي سواء كان سترا أم كشفا ؛ ونفهم لماذا تختلف المواقف بين الطرحين فالثقافة التي تعتمد طرح كشف الجسد تتعامل مع اللباس تعاملا خاصا يراعي متطلبات الكشف ؛ بينما الثقافة التي تعتمد طرح الستر تتعامل معه تعاملا آخر يراعي متطلبات الستر ؛ لهذا لا نستغرب امتعاض أصحاب هذا الطرح من الطرح الآخر؛ولا نستغرب المصطلح المستعمل عند هذا الفريق أوذاك فهو مصطلح له شحنة قيمية ؛ فاستعمال كلمة سفور أو حجاب أو لحم مكشوف ؛ واستعمال كلمة لباس تقليدي أو عصري أو كلمة زينة وجمال وتجميل و انفتاح وانغلاق في مجال اللباس …..الخ لها ما يبررها في الطرحين المتقابلين المتعارضين.
إن ثقافة كشف الجسد لا ترى غضاضة في اعتماد الكشف حتى وسيلة في تسويق السلع ؛ فاللقطات الاشهارية لا تقدم منتوجا إلا عبر الجسد البشري خاصة الأنثوي منه ؛ وقد يستغرب أصحاب طرح الستر العلاقة بين المنتوج المادي وبين الجسد البشري ؛ وهو أمر لا يحتاج إلى تبرير بالنسبة لثقافة الكشف.
ومن هنا كانت الثقافة البورنوغرافية مقبولة في طرح الكشف ؛ وممجوجة في طرح الستر.
وفي النهاية أريد التأكيد على ضرورة زوال فكرة الإقصاء والاستئصال بالنسبة للطرحين ؛ مع ضمان ظروف تعايش بعيد عن الصدام والصراع ؛ وأعتقد دون تعصب أن الدين الإسلامي يحترم هذا التعايش من خلال فكرة ( لكم دينكم ولي دين ) وهو ما يعني لكم طرح الكشف ولي طرح الستر ؛ والاعتراف بيننا اعتراف وجود لا اعتراف مشروعية . فإذا ما اعتمد هذا الموقف الحضاري الراقي زالت التشنجات وساد التعقل وصدق المثل عندنا في المغرب القائل : ( أهل العقول في راحة ) .






Aucun commentaire
ماكانت البشرية أن تصل إلى ما وصلت إليه من تدني الأخلاق ,وفساد الطبيعة .وما كان للشيطان أن يبلغ منها مبلغه ,لولا العري .فهو أول ثمرة جناها الشيطان من عمله وأول انتصار حققه إبليس اللعين على أبينا آدم . إذا تعرى الإنسان , تجرد من آدميته ,و هانت عليه كل جريمة كبيرة كانت ,أو صغيرة .فالستر ليس فاصلا بين أهل الإيمان وأهل الكفر فحسب, بل هو ما يميز بين جنس الإنسان, وجنس الحيوان. والحيوان أنواع, فاليختر صاحب العري, أي نوع من الحيوان يكون.
تحية خالصة، لا أعلم ما هو السبب الرئيسي في العزوف عن قراءة مثل هاته المقالات التنويرية المحضة، فالسواد الأعظم الأغلبية لا تعرف من مضمون هذا التحليل ونصائحه إلا العنوان لكن لا بأس ربما الله يغيرالأحوال،،، إن القرآن الكريم نهى المرأة أن تبدي زينتها إلا للمحارم تشريفا وتعظيما لها، وقد أتى ضمن الأخلاق المشروعة لكل مسلم، التحلي بالصدق، الأمانة، العفاف، والحياء والنزاهة عن كل ما حرم الله،،، إذا من هنا ننطلق أتجاه
الستر للقفز عن كل التداعيات العريضة التي تطرقتم لها بوضوح عبر مقالكم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت،،، ممتاز ما خطه قلمكم الراقي ، ولكم التوفيق إنشاء الله
بسم الله الرحمان الرحيم اشكر ك جزيل الشكر علي هده المقالة التنويرية التي نحن بحاجة اليها و نحن في هده الظروف الصعبة التي اصبح الانسان فيها عرضة للانحلال الخلقي و للانحراف.
اتمني من كل قلب ان يقرا شبابنا مثل هده المقالات التنويرية التي تغدي العقل و تنور البصيرة .
salam 3aliyekom ana ismi houssine rani fi al rorb o rani karah tewahachet walidiya o hebibti bazaaaf o nebalare lahbiba fatima slam o negolha mabe9che bazaf o neji aneche alah o chokran om3a salama