انطباعات سيدة جزائرية تزور المغرب لأول مرة(تتمة)

اعداد : ابو اسامة ع /ينشر هذا الجزء كما كتب نزولا عند رغبة صاحبته
أردت أن يكون جامع القرويين أول معلم أزوره….دخلت ا لقصبة .. الأزقة ضيقة غاصة بالمارة..لكن لا تدافع و لا سباب .. لا مشادات ولا اختلاسات .. الرجال يحترمون النساء و يفسحون أمامهن الطريق.. و الباعة يعرضون سلعهم أو خدماتهم بهدوء و براعة … التجار منتشرون في مناطق حسب الحرف : الجزارين ، العطارين ، الدباغين ، النحاسين… دخلت بعض الدكاكين أمتّع عيني بروعة جمال القفاطين المغربية .. وقفت أمام لبّان أستمتع بشرب كأس من " الرائب" وأنا أصغي بطرب إلى الأصوات المنبعثة من دكاكين الحرفيين..
و صلت إلى جامع القرويين و بداخلي عرس..فهذا المكان المبارك كان و لا يزال منارة للعلم و الدين .. و أعرف في بلادي الكثيرين ممّن يتشرفون بأنهم نهلوا العلم من هذا المنبع الأصيل الصافي .. و يذكّرون بذلك كلما أرادوا التنبيه إلى رفعة مستواهم العلمي.. عند عتبة المسجد توقفت للحظة للتأكد .. إذ رأيت الرجال و النساء يدخلون و يخرجون من باب واحدة…وهم يتلاقون في باحة المسجد ، عكس ما هو معمول به عندنا . دخلت المكان المقدّس تنقلت في مختلف أرجائه، و صليت المغرب هناك .. أُعجبت بسيدات متقدمات في السن يقرأن القرآن الكريم و يرتلنه بأحكامه . و بفتيات في مقتبل العمر في منتهى الرقة و الجمال يصلين بخشوع ويسألن باهتمام عن أمور الدنيا و الدين .. و دون أدنى مجهود مني قُدّمت لي عدة دعوات لزيارة أخوات في بيوتهن و حتى للإقامة عندهن…خرجت رفقة فتاتين جامعيتين متشوقتين لمعرفة أخبار الجزائر و الجزائريين .. قمنا بالتجوال في أرجاء المدينة القديمة (فاس البالي) و كانت ترنّ في أذني كلمات من القصيدة الشعبية ( خلخال عويشة ) ..
في اليوم التالي خرجت بمفردي عازمة على أن أسيح في المدينة … فلورانس ، مسجد تاجموعت ، مسجد يوسف بن تاشفين ، سيدي حرازم ، مولاي إدريس , منتزه المرينيين ، دار السلاح، فندق المرينببن..مناظر رائعة.. المباني فيها الكثير من الانسجام و التناسق، والتواصل مع الماضي . و تعكس الكثير من الذوق و الإحساس بالجمال، و الحس المدني. كما تلمس هنا أنّ المغاربة بارعون في البستنة .. و.مرة أخرى أحسست بغصة….و أنا أسترجع في عمراننا مظاهرا للفوضى و التسيب و ا لعنف والتخلف..
ذهبت إلى جامعة" ظهر المهراس" طلبا للاستفادة من أساتذتها و باحثيها في ميدان تخصصي .. فلم يبخلوا عليّ بذلك…
" ما سخيناش بك آختي " عبارة رقيقة رددها علي الكثيرون من أهل فاس …ولا يعلم إلّا الله مقدار ما أحسست به من ألم و أنا أغادر هذه لبلدة الطيبة…
ركبت في حافلة قاصدة الدار البيضاء … جميع الأغاني التي أُذيعت علينا طوال الرحلة كانت لمطربين جزائريين، فإضافة إلى أغنية " يا الرايح وين مسافر تروح تعيا وتولّي" التي تسمعها في كل مكان هنا في المغرب ، وبعض أغاني الراي ،استمعنا إلى أشرطة كاملة لدحمان الحراشي، و إلى أشرطة لرابح درياسة لم أستمع إليها قبل ذلك .. و أدهشني مدى تجاوب الركاب مع هذه الأغاني…
زرت "درب غلّف" و السوق المركزي و مشيت في" المعارف" و أكلت الحوت عند " أمين" .. اطّلعت على الاختلاف الكبير في مستويات المعيشة بين مختلف الأحياء … و مشيت في الأزقة الضيقة .. ماسحو الأحذية منتشرون في كل مكان ( و كذا الحمالون ) لكن لا ترى عليهم بوادر الذل وهم لا يلحّون عليك. تجولت في أحياء كثيرة تسكنها طبقات اجتماعية متباينة و استغربت أنني لم اسمع كلمة فاحشة واحدة . يتخاطب الناس بينهم بكلام مهذب (أنعام آختي، أنعام آخوي، أ الشريفة، عافاك آختي، نجاك آخوي، بصحة وراحة، الله يسامح، الله يعطيك الستر…).
ركبت سيارة أجرة قاصدة " باب مراكش" .. "أنعام أ الشمالية؟" ، سأل السائق و هو يريد أن يعرف الاتجاه الذي أقصده. حسبني – كغيره ممن رآني لأول مرة- من الشمال المغربي. وعندما تكلمت حسبني من الشام .. فالجزائريين في اعتقاده (دوزيام فرنسيس) يتحدثون بالفرنسية . و عندما أجبت بالنفي سألني مُستبعدا (ربما لهندامي) : تونسية؟ .. قلت "لا" فسكت .. و انتظر أن أُواصل .. ولمّا طال صمتي خمّن ، و كأنّه تذكّر وجود جزيرة نائيّة : "دزيريّة" ، ثمّ أضاف و قد تغيّرت نبرات صوته " فحاال فحال أحنا خوت..". سائق آخر ، و هو شاب نشيط قال لي "الجزائري مزيان …..لكن غيرأمشي امعاه نيشان…"
رأيت أن أقضي ليلة في دار للشّباب ، و هو مكان محترم، هادئ ، نظيف و جميل الموقع يرتاده السياح من مختلف الأعمار و الجنسيات.. سمحت لي ليلتي تلك بالاحتكاك بأناس جاؤوا من مختلف بقاع الأرض، و فُتحت أمامي نافذة على العالم. و قد جئت من بلد حُرّم على الأجانب منذ سنين طوال…
في اليوم التالي ذهبت لزيارة السيد "عبد الجبار معطي" في المدرسة العليا للأساتذة … و هو أستاذ قدير زارنا في الجزائر و كنت حينها، أنصت لمحاضراته بكل شغف. أّعجبت ببراعته في الإلقاء و بسعة أفقه، وغزارة معلوماته و إتقانه للغتين العربية و الفرنسية .. ذهبت إليه دون سابق إشعار .. و كان منتهى أملي أن ينفق عليّ بعضا من وقته الثمين ناصحا و موجّها .. فوجدت فيه الأخ الكريم …دعاني للذهاب إلى منزله .. بيت جميل حديث البناء في "سيدي برنوسي" .. الجو الأسري راق . أحسست منذ الوهلة الأولى أنني بين أهلي و ذويّ..و لن أنسى ما حييت كرم الضيافة الذي حظيت به من قبل زوجته وهي امرأة فاضلة و أم من الطراز الرفيع. كما لن أنسى عفويتها و نشاطها الفائق و تربيتها الراقية لأبنائها و بناتها ووعيها الكبير بمسؤولياتها… وأثّر في نفسي كثيرا أن لا أحد يلحّ عليك بالسؤال إشباعا لفضول. بل إنهم لا يسألونك حتى كم تنوي البقاء عندهم..
سؤال لم أجرأ على طرحه على أهل هذا البيت الطيب، بقي معلقا في نفسي لمدّة :" كيف أحظى بهذه المعاملة الأخوية وأنا أعلم بأن هذه الأسرة الكريمة عانت من سلوك بعض الجزائريين- و هم مع الأسف من طبقة مثقفة – ومن جحودهم واستغلالهم ؟".. لكنّ هذا السؤال ما لبث أن تلاشى عندما اقتربت منهم أكثر.. .. فهذا الأستاذ مغربي أصيل.. والكرم طبع فيه.. و هولا يحمل ضغينة و لا يعمّم أحكاما .. خاصة عندما يتعلق الأمر بجزائريين..
و لقد لمست هذا في عدّة مناسبات.. الكثير من المغاربة يحسون بتعاطف كبير و بحنين للجزائر و للجزائريين… حنين الأخ الذي فُصل عنوة عن أخيه. وهم يلتمسون لهم الأعذار " معليهش مساكين…أحنا فحال فحال .." واستغربت كثيرا أن أجد هذا التفهم من طرف مغاربة التقيت بهم، تضرروا كثيرا من معاملات جزائرية. فمنهم من طُرد تعسّفا في منتصف السبعينات فاقدا مصدر رزقه و كل ممتلكاته ومُبعدا عن أقرب الناس إليه… و منهم من لديه والد أو قريب قتل أو سجن لعشرات السنين في غياهب الصحراء…
تجولت في شوارع " كازا".. المدينة التي تجمع متناقضات عجيبة ككبريات المدن .. راقني الجو في " ماك دونالد". أكلت و أنا أتأمّل في المكان الذي يمتد على مرمى البصر.. تبادلت ابتسامات مع أطفال تفيض السعادة من عيونهم و هم يلتهمون بنهم كبير أكلتهم المفضلة في علب رائعة. لكن.. وجدت أفكاري تحلّق في جوّ آخر: أسماء المدارس والشوارع التي مررت بها في المغرب ، باستثناء أسماء الملوك، هي في الغالب أسماء بلدان أو مدن،أو زهور، أو معاني جميلة ( مثل التقدم و المعارف..) ،أو معالم و أحداث.. أو شخصيات تاريخية عريقة تملؤك إحساسا بالاعتزاز و بالامتداد طولا و عرضا. أسماء الشوارع، والمدارس و الجامعات و المطارات في الجزائر.. هي أسماء "ثورية"، تذكّرك على الدوام بالمحن و البؤس و الموت و المذابح… تسد الآفاق أمامك… تجعلك تحسّ بالإحباط .. أو بالاعتزاز المبالغ فيه المُفرغ من معناه، و الذي يغرس فيك العدوانية و الغرور و الإحساس الكاذب بالتفوق على بقية الشعوب. و كثيرا ما تذمرت منذ طفولتي من هذه الأسماء والشعارات التي تغرس فيك توجها (ثوريا) وتشدك إلي الوراء بأغلال من حديد… ألم يستشهد آباؤنا لنحيا نحن؟ ألا توجد طرق أخرى للاعتراف بتضحياتهم و لتخليد أسمائهم، دون أن تتوجه أذهاننا باستمرار إلى المعارك ودون أن ترتسم لدينا ديكورات الحرب؟ و أذكر أنني في الصف السادس الابتدائي عندما طُلب منّا كتابة موضوع إنشائي يدور حول حب المدرسة كان من بين ما كتبت ما معناه :" … أحلم أن يستبدل اسم مدرستي باسم عالم فذ من الأسلاف مثل ابن سينا أو جابر بن حيان أوبن الهيثم أو ابن باديس لنحتذي حذوهم. .. نحن نحترم الشهداء و ندين لهم بالاستقلال لكننا نريد أن نتجاوز فترة الحرب لنبني و طننا بالعلم و العمل و كان هذا أمل الشهداء ." . و كانت مدرستي تحمل اسم شهيد لم يحكوا لنا عنه شيئا يوما. طبعا لم يعجب هذا الاستطراد المعلمة، و عزته إلى وقاحتي المعهودة … فالشهداء هم سرّ وجودنا وعلة حياتنا و منتهى انتمائنا… و الحديث عنهم وعن أمجادهم و بطولاتهم وعن الثورة المظفرة و الحلف الأطلسي و الاستقلال المعجزة هو خبزنا اليومي : المكتسبات الثورية..المعارك.. مجاهدون.. شهداء… خَوَنة.. تُصاب بدُوار و يملؤك إحساس مُحبط يخنقك .. إحساس بأن جذورنا تمتد إلي عام 1954, وفي أحسن الأحوال إلي عام 1830 .. واليوم أتساءل : إلى أيّ حدّ أثمرت فينا هذه المجهودات التربوية ؟ .. .وإلى أي مدى ساهم هذا التوجيه الثوري للأذهان بجميع إفرازاته في تبني أبناء جيلي لمواقف" ثورية" و في نسج خيوط المأساة التي سحقتنا لأمد طويل ؟
اشتريت تذكرة قطار الدار البيضاء – مراكش .. تذكرة درجة ثانية هذه المرة طلبا لاحتكاك أكبر مع عامة الناس.. داخل القطار شدّني صوت مهذّب واضح منبعث من مكبّر ، يرحب بالمسافرين بلباقة، يعلن عن دخول كل محطة، ويعتذر باستمرار عن كل تأخير و يبرّره.
و كالعادة لم أبذل أيّ مجهود للانسجام مع من حولي.. سألتني سيدة جالسة قبالتي عن انطباعاتي حول زيارتي و في مجرى الحديث، عبّرت لها عن إعجابي بظاهرة أصادفها لأوّل مرة ،وهي ارتياد تلاميذ المدارس و طلبة الجامعات ، إناثا و ذكورا، فرادى و جماعات، للأماكن العامة والحدائق يراجعون فيها دروسهم بكل جدية – قلت ذلك و أنا أسترجع مناظرا مقزّزة لحدائق عامة في بلادي أكلها الإهمال وتحوّلت إلى أوكار للفساد بجميع مظاهره- حركت السيدة رأسها مبتسمة و لم تعلّق . وعندما نزلت من القطار استدرك أحد الشباب وهو طالب في السنة الخامسة طب قائلا :" سأشرح لك أسباب هذه الظاهرة : الصهد (شدة الحر)، وضيق البيوت وانعدام المكتبات". استغربت لتوضيحاته فهو يعلم أنني جزائرية، ويعلم الحساسيات التي بين بلدينا ، ولم يمنعه ذلك من تقديم هذا التفسير حتى لا أنبهر بظاهر الأشياء..
انتزعني من شرودي صوت سيدة جالسة بجانبي و هي تسألني " هل زرت مسجد الحسن الثاني؟" أجبت أن نعم، وعبّرت لها عن إعجابي بشساعة المكان، وجمال التصميم ،وروعة الموقع ودقة التنفيذ .. لكنني أضفت أن ما لم يعجبني هو اختلاط (أو اقتراب ) مكان العبادة بأماكن اللهو و اللعب… قالت بدون تحمس :"ذلك المكان كان سيتسع لإيواء كل المغاربة المحتاجين إلي سكن"، وعندما بقينا لوحدنا في العربة قالت : " لا أقصد من حيث المساحة فقط بل أعني من حيث تكاليف البناء التي دفعت من جيوبنا" . استغربت ثانية و بشدة أن أسمع منها مثل هذا التعليق… من قال بان المغاربة يخافون من ظلّهم ولا يقربون السياسة… أم هي رياح الديموقراطية لم تخطئ طريقها إلى المغرب؟
كان ذلك يوم جمعة.. اكتشفت من حركة الشارع أنّ الموظفين المغاربة لا يعملون وقت الصلاة ( 11سا – 15سا) وأنّ لهم الوقت الكافي للاستعداد للعبادة…. و هم بعد ذلك ينتشرون في الأرض يبتغون فضلا من الله .. كما أن الكثير من الخواص " تجارا و غيرهم " يجعلون من يوم الجمعة يوم راحة لهم.
نزلت في فندق بسيط لكنه نظيف في " غليز" و هو ملك للسيد " بناني" ، رجل محترم كنت قد التقيته و زوجته الطّبيبة في فندق "عمور" بفاس .عصرا خرجت لزيارة " البهجة" المدينة العريقة الحمراء داخل عربة جميلة يجرّها حصان….الحرارة تلفح الوجوه.. لكن انخفاض الرطوبة يجعلها محتملة .. وصلت إلى جامع الفناء "لفنا" .. ساحة الغرائب .. نزلت من العربة ووقفت أتأمّل ما يحدث في هذه الساحة من عجائب الأمور… كالتفاف جمهور كبير من الرجال و النساء من جميع المستويات مكونين حلقة.. تتربع في الوسط امرأة متوسطة السن تهمس في أذن رجل ببدلة أنيقة و ربطة عنق و هو جالس القرفصاء يستمع إليها بخشوع…ثم جاء دور رجل آخر.. ثم امرأة … كان الصّمت يخيم على المكان رغم الاكتضاض.. غادرت هذا المشهد و اتجهت نحو "بائع الحريرة"فاعترض طريقي شخص كأنه خرج لتوّه من كتاب أصفر للتاريخ .. فزعت و صرخت عندما وضع أفعى حول عنقي … أسرعت في مشيتي تفاديا لموقف مشابه.. احتسيت صحن "الحريرة" واقفة و أنا مبهوتة لما يحدث أمامي.
مشيت بعدها نحو القلعة… الطريق جميل و شاعري… تتبعني شاب على دراجة … هرولت في مشيتي ثم غيرت منحى طريقي . لكنه بقي يسير ورائي – لا أنكر أنّ معاكساته كانت مهذّبة و رقيقة و أنه لم ينبس بكلمة مؤِذية – استجمعت كل شجاعتي و وقفت… استدرت نحوه قائلة " سر في حالك".. فأحنى رأسه و عاد أدراجه دون أدنى تعليق.
قصدتُ في اليوم التالي جامعة السملالية حيث لا أعرف أحدا و لا يعرفني أحد. سألت عن مخبر التعليمية "ديداكتيك" فوُجّهت إلى السيد " بوّاب" ، و كان حينها مديرا.. تأثرت لحسن استقباله. قادني إلى المخبر. فرحت بجوّالعمل السائد هناك . لقد لمست عند هؤلاء الإخوة (وأذكر من بينهم السيد فؤاد شفيقي) إقبالا طيبا على البحث في هذا التخصص الجديد، واستغلالا جيدا للإمكانيات المتوفرة لديهم- على قلتها – ومقدرة على توظيف تقنيات البحث، و إطلاعا على مختلف الاتجاهات و استفادة من مختلف المناهج. كما وجدت لديهم قناعة بإمكانية التكامل مع الجزائريين و رغبة في تكوين علاقات تعاون معهم ووعيا بضرورة توحيد الرؤى.
وتذكرتُ أنني – وأنا أخطو الخطوات الأولى في هذا الميدان – قد نهلت من مراجع مغربية في علوم التربية و الابستمولوجيا و تعليمية العلوم .. جاد بها عليّ أستاذ فاضل كان آنذاك مستشارا ثقافيا في سفارة المغرب بالجزائر . و أنّ أوّل من لجأت إليه طالبة يد المساعدة هو الأستاذ "محمد كوحيلة" من المدرسة العليا للأساتذة بمراكش .. راسلته..فلم يبخل عليّ بآرائه القيمة و توجيهاته و نصائحه التي أنارت طريقي في رسالة الماجستير و أجلت الكثير من الطلاسم. و سأطل ممتنة للأستاذين الجليلين ، حافظة للجميل ..
رجعت إلى الفندق. فاجأني حضور السيد بناني و زوجته لاصطحابي إلى بيتهما الجميل. وهناك تعرفت على أطفالها الأربعة المتقاربين في السن وكلّهم في المرحلة الابتدائية من التعليم : فاروق و علي و عمر و هند ( و ليغفروا لي إذا خانتني الذاكرة . إنّما لاختيار الأسماء دلالة كبيرة).. أربعة من الملائكة فيهم الكثير من براءة الطفولة، و رقتها، و تلقائيتها ، و روح الدعابة واتقاد الذكاء ،و الأدب الجم و التربية الدينية الراقية . عرفت من سياق الحديث أنهم يدرسون في مدارس أجنبية (فرنسية و إنجليزية). لا أنكر استغرابي حينها، إذ أنهم يتخاطبون بلسان عربي مبين.
التعليم الأجنبي هنا، التكوين الراقي و إتقان اللغات، لا يطمس الشخصية إذن . ولا يخلخل بُنى الهوية. ولا يمنع من التحكم في اللغة الأم و لا يعني التغريب.
" المغرب غابة ما تبحثين عنه تجدينه"، عبارة قالها لي أحد الأخوة المغاربة المقيمين بالجزائر، أدركت معناها عند نهاية زيارتي هذه… غابة بتنوعها و وفرتها.. لكنّنا لم نسمع إلا عن وجهها المقفر و مناطقها الجرداء. لم تبلغ بي السذاجة درجة أنني لم أقف على مظاهر لم ترقني ولم يمنعني انبهاري من الإطلاع على وجه آخر للمغرب، لكنه وجه لم يفاجئني هذه المرة ، لأنه لا يمكن أن يبلغ درجة الفضاعة التي يتوقعها من جاء من الجزائر… و هذه بعض ملامح هذا الوجه :
– عايشت الفقر المدقع الذي يهوي بصاحبه إلي الحضيض.. و وجود شباب تعج بهم شوراع الرباط ، يشمون خرقة داكنة ويترنحون في مشيتهم، يبدو أنهم خطرون، كن لا أحد يلاحقهم ولا يحسون بأيّ تهديد. كما يتحدث الكثير من الشباب عن تفشي الرشوة وأنها القاعدة وليست الاستثناء. و أنّ لا توظيف بدون رشاوى كما أنّ الامتحانات و المسابقات شكلية وهذا يجعلهم – خاصة أصحاب الشهادات منهم- يحسون بإحباط شديد يصل حدّ اليأس… ولقد عاينت بنفسي بعض مظاهر ذلك في إحدى المصالح الإدارية، إذ لمست تأثير ورقة من 10 دراهم على سرعة الخدمات المقدمة و نوعيتها ..
– " كل واحد داخل سوق رأسه " و" اشكون أدّاها فيك ". عبارات يردّدها الشارع المغربي ، قد تبرّر الكثير من الظواهر و تجيب على الكثير من التساؤلات.. مثل قلة التكافل الاجتماعي في المدن الكبرى .
والحرية الكبيرة التي تتمتع بها بعض البنات و المستغلة أحيانا في الفساد . والظاهرة الجديدة التي انتشرت نسبيا و المتمثلة في زواج المغربيات من أجانب غير مسلمين – وقد يمثل بعضهم دور من أسلم داخل مسجد يدخله للمرة الأولى و الأخيرة- و من هؤلاء أفارقة قادمين من مناطق نائية و مجتمعات بدائية.
-استغربت أنّ أشخاصا من مستويات اجتماعية وثقافية مختلفة يبدون تفهما كبيرا ، بل أحيانا نوعا من التعاطف مع نساء فاسدات – رغم تقدم بعضهن في السن – بحجة أنهن في حاجة مادية. و أنّ آخرون ينظرون للأمر على أنه ظاهرة طبيعية لم يخلُ منها مجتمع على مرّ العصور. و لهم في ذلك أكثر من طرح . ذلك رغم نواقيس الخطر التي تدق بقوة..
– استمعت إلى إخوان مغاربة في مراكز علمية و إدارية مرموقة تتحدث بعدم استنكار ( حتى لا أقول بقناعة) أدهشني عن خورا ق المنجّمين ، مثل الحاجة" بريكة" في شويطر بمراكش وزبائنها من الطبقة الراقية والمثقفة . و عن صعوبة الحصول على موعد عندها. وعن صدق تنبؤاتها.
– سألت أستاذا متمكّنا وذا كفاءة عالية " و هو من ا لشاوية" عن نتيجة ترشحه لأحد المناصب الإدارية، فأجاب بأن أستاذا آخر فاز بالمنصب لأنه قريب منه في المؤهلات لكنّه من" الشرفاء "… هممت بإبداء استنكاري الشديد و لكنني أحجمت إذ أنّ النتيجة لم تفاجئه إطلاقا و " المقياس" لا يضايقه و لا اعتراض له عليه.. بل هو مقرّ به، مدافع عنه. فقط قلت: " لكن لا شريف و لا وضيع بالنّسب في الإسلام. والشريفُ شريف النفس. و كلنا عباد الله وإنّ أكرمنا عنده أتقانا.. و هو سبحانه ما جعل محمّدا أبا و لا جدّ أحد من رجالنا. و كلّنا من آدم و آدم من تراب..و..و ..و.." استرسلت صدفوعة بنوع من الغيض .. ثمّ نظرت إليه.. لم يلق كلامي أيّ صدى في نفسه – اللهم إلّا التذمّر- عندها فهمت أنّ هذه القناعة متجذّرة في نفسه .. ولا يمكن لرأيي أن يغيّر من الأمر شيئا..فغيّرتُ مجرى الحديث .
دامت زيارتي للمغرب أسبوعين.. اكتشفت أنّ الأسفار هي من أهم مصادر العلم- هذا ما تفطن إليه أسلافنا و عملوا به- و أنّ قراءة عشرات الكتب حول المغرب ما كان ليعوّضني عن الاحتكاك و المعاينة، و ما كان ليترك في نفسي مثل هذا الأثر .
رافقني إلي المطار سيدة مغربية وزوجها، كانا في منتهى التلقائية و الرقة…أحسست وأنا أصافحهما ممتنّة مودّعة، بأنني أتقيأ مزيجا أسودا مرا.. مزيجا كان رغيفي اليومي خلال سنين طوال. أُدخل جوفي واستقرّ في أعماقي وأصابني بمغص دائم كثيرا ما تحكم في نفسيتي و شكّل رصيدي الكبير من الكبرياء و الغرور والذاتية و الحقد و العدوانية…
عندما وطئت قدماي أرض الطائرة … انتابني إحساس قوي بالحنين إلي المغرب.




Aucun commentaire
hatta ana intabani ihsas kawi bilhanin ila almaghrib. ahsan balad fi al3alam. kol yawm ahlom an arja3 ila baladi almaghrib. 3acha almaghrib. tahijati min holanda ila almaghariba, wa ila assayida alzazairia.
اشك في انتماء المقال الى سيدة جزائرية انطلاقا من مضمونه الذي يصعب تلمسه في نفسية جل جيراننا وهو ما اعتدنا سماعه منهم ولا زلنا وكذا من الاسم الذي تحمله
Pourquoi vous n ‘avez pas ajouté mon adrese email comme vous l ‘avez promis ?!!! c ‘est quoi exactement votre strategie? mouna_elmalki@hotmail.com
Je suis l ‘ecrivaine du petit et banal texte repris par ce site…Tres desagreablement surprise par la malhonneteté , l ‘illogisme et la mauvaise foi des dirigeants du site….Mais ça m ‘inciterait à revoir mes impressions sur les habitants de ce pays… Amertume et Deception . Mouna el Malki
المقال لم يرد مطلقا كما زعم من تصرف فيه…….. و في هدا ثلخيص لأسباب انهزاماتنا…. مؤسف حقا
الى الأخت منى المالكي …اختي العزيزة المقال ارسل الينا وكما ترين تحت اسمك ، وبما اننا تبينا ان المقال ليس فيه اي تجريح ، او اخلال بالأخلاق ، وبالتالي اعتبرنا انك انت من ارسلت المقال لذا قمنا بنشره ، ولهذا فاننا نحن ايضا بدورنا ندين هذا التصرف ، ….فلا يجوز لشخص ان يقوم بارسال مقال ليس من انتاجه ، كما لا يجوز له ان يتصرف فيه …..
ونحن في انتظار ارسال النسخة الحقيقية لمقالك وسوف ننشرها ….. على اي تعرفين الشخص الذي اعطيته مقالك وانت تعرفين من تصرف فيه
…ورغم ذلك فان جريدتنا تعتذر لك عن هذا الألتباس الذي نبريء انفسنا منه …وشكرا لك لك الأخت منى المالكي