Home»National»انطباعات سيدة جزائرية تزور المغرب لأول مرة

انطباعات سيدة جزائرية تزور المغرب لأول مرة

0
Shares
PinterestGoogle+

لم أكن أعتقد يوما بأن زيارة أقوم بها للمغرب ستزلزلني وتحدث في نفسي كل هذا التأثير. وبأنها ستكون بداية لرحلة شاقة مع ذاتي أراجع فيها بجدّ ما غرسته فينا الخطابات السياسية المكثفة – على مرّ عقود- من أفكار جاهزة وأحكام مقّننة ومفاهيم مغلوطة، وما أنتجته فينا من ردود أفعال ومن انعكاسات شرطية.
وعندما وجدتني، أسجل،على غير عادتي، وبتلقائية، هذه الانطباعات، كنت أنوي أن أرجع إليها كما .يتم الرجوع إلى ألبوم صور حوى ذكريات جميلة نريد أن نحميها و أن نجنبّها الترهّل بعوامل الزمن .
ولم أفكر يوما أن تتعدى كتابتي – بحكم تخصصي – مجال العلوم الفيزيائية أو مجال البحث العلمي
عندها رأيت من واجبي، وإن لم يكن من اختصاصي، البحث عن وسيلة أخرى لإيصال بعضا من هذه الخواطر. وأنا أعي بأنني لا املك ناصية الأدب، و أدرك بان ما كتبته لا يتعدى ذاتيتي الضيقة، وبأن به الكثير من الانبهار قد يصل حدّ المغالاة، وأنّه لا يرقى إلى ا لدراسة الجادّة والتحليل الموضوعي
كنت آنذاك( صيف 1999) أستاذة تعليم ثانوي و طالبة علم أبحث في ميدان جديد في بلادي هو طرق تدريس المواد العلمية (يدعوه البعض تعليمية العلوم) في وقت كان فيه البحث العلمي عندنا – نظرا للظروف المأساوية التي كنا نمر بها – لغوا و ترفا. .بينما أصبح تطوير المناهج التعليمية ضرورة و أولويّة …وعزمت على الذهاب إلي المغرب ، بإيعاز و تشجيع من إخوان مغاربة، للإطلاع على الأشواط الطيبة التي قُُُطعت هناك في هذا المجال والاستفادة منها ..
غادرت مطار هواري بومدين محمّلة بأحكام جاهزة .. فالمغرب في ذاكرة جيلي هو معقل لقوى الإمبريالية و رمز للرجعية و الاستبداد و قهر الشعوب. وهو بلد السحر والشعوذة والجوع والفقر والدروشة والتضليل بالدين. وهو بلد المذلة" وسيدي ولا للا " والانحناء و الركوع للأشخاص و تقبيل الأيادي.
المغرب في ذاكرتنا هو بلد الظلم و الأطماع التوسعية التي غدرت بنا قبل أن تلتئم جراحنا، وقبل أن تجف دماء شهدائنا ، هو بلد الاعتداء الجبان لعام 1963 الذي طعننا في ظهورنا ليئد فرحتنا بالاستقلال و ليحني رؤوسنا التي كانت ترنو إلى التمتع بشمس الإنعتاق و الحرية ، و هو قبل ذلك قد خان العهد و خذلنا إذ قبل استقلاله ، استقلالا مبتورا.. في حين كان مجاهدونا يعملون على تحرير كلّ منطقة المغرب العربي … المغرب أخيرا هو التهديد لأخلاق شبابنا بأنواع المناكر والمخدرات و فنون العهر و الموبقات .
أردت أن أعيش الرحلة منذ الانطلاق، فسافرت على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية المغربية.فاجأتني اللباقة الفائقة للطاقم ورقة ا لمضيفات وخفتهن والنوعية الراقية للخدمات ..
كان مقعدي مقابلا لمقعد سيّدة مصحوبة بابنها الصبي و ابنتها الرضيعة ، ابتسمنا لبعضنا عندما بدأت الطفلة تتواصل معي بصوتها و بالتلويح بيديها ،وعندما عرفت من لهجتها أنها من المغرب. بدأت أتفرس في وجهها خلسة و أحدّق في ملامحها و أراقب تصرفاتها…و كأنني ، بدون وعي مني، أحاول أن أطابق في نفسي بين صورتين متناقضتين. راقني كثيرا جمالها الطبيعي ورقتها و عنايتها الفائقة بطفليها. ولم نلبث أن بدأنا نتجاذب أطراف الحديث بتلقائية كبيرة وكأننا نتعارف منذ مدة. هي سيدة من مكناس زوجة جزائري ، كانت تسكن في حي الكاليتوس بضواحي العاصمة- و هو من المناطق التي كانت تعاني الويل في تلك الفترة- هي لم تتحدّث عن هذه المعاناة ، ولا اشتكت من الأيام و الليالي الحالكة التي قهرت سكان هذا الحي ، و كأنّها تعتبر ذلك من السنن الكونية ، أو لعلها تدخله في باب الابتلاء. لكنها تحدّثت عن جارات لها و قريبات لزوجها يلححن عليها بالسؤال " زوجك كان عصبيا جدا و متمرّدا و قاسيا … ماذا فعلت لتجعليه طيبا هكذا؟ " ، وكانت تجيب ما استطاعت مطعّمة إجابتها ببعض النصائح. لكنها فطنت أنّ سائلتها تبقى تبحث عن السّر و تلحّ لتكشف عنه ..سّر آخر يتعدى الصبر والقناعة و حسن المعاشرة و الطاعة و..و.. سرّ تملكه هي بدون ريب. لكونها مغربيّة "مرُّوكية" لكنها تتكتّم عليهضحكتُ قبل أن تُكمل.. فضحكت هي أيضا . بدأت اسألها عن المغرب و أنا أداعب ابنتها التي انسجمت معي كثيرا. لمست في هذه السيدة صبر المرآة العربية وكفاحها وقناعتها وطاعتها لزوجها وإخلاصها له..
وطئت رجلي لأوّل مرّة أرض المملكة المغربية..وقفتُ في محطّة قطار المطار مشدوهة أتأمل من حولي.
انتابني إحساس غريب و قوي .. .مزيج من الأحاسيس المتضاربة لم املك تحليلها، لكنها هزّت معالم بداخلي و حرّكت أوتارا في أعماقي و قرعت طبولا في رأسي. أيقنتُ يومها أنني سأرجع من ّ رحلتي هذه و قد تغيّر فيّ الكثير .. وأحسستُ بالخوف الشديد على نفسي… خوف من أن أفقد اتزانا فكريّا
ووجدانيّا، وإن كان هشّا، إلّا أنني عانيت الكثير من أجل إرسائه. و أعاني أكثر للمحافظة عليه، وان استدعى ذلك أحيانا كثيرة إخماد صوت نفسي كلّما همست لي أن افتحي أبواب و منافذ قلبك المغلقة بإحكام و أفسحي الطريق لنور الله….و أنّى لي أن أبني توازنا جديدا أكثر استقرارا وأقدر على الصمود و قد نال منّي التعب و كادت الأحداث التي دامت أمدا أن تُصيّرني شبحا يتحرّك آليا و لا يلوي على شيء.
أسكتُّ صوت هواجسي وأجلت الإصغاء إليها وقرّرت أن أخوض غمار التجربة بكل عمق .
نزلت بفندق "شالة" و هو فندق راق في مدينة الرباط . فنفسي الجريحة تاقت إلى شيء من الترف المحظور عليها منذ سنين .. وهناك ما لبثت أن أيقنت أنّ لفظي" سيدي"و "لالاّ " ليسا من مظاهر الذل التي تكرّس التفاوت الاجتماعي كما ُلقّنّا عندنا ، بل هما من ألفاظ الأدب التي تكثر هنا، فرجل الأعمال النازل بالفندق ينادي لعامل بسيط بلفظ "سيدي" ، وجميع سائقي التاكسي ، وعمال الفندق والمطاعم يخاطبونني بلفظ " لاللا" ولا أنكر أن ذلك يداعب وترا حسّاسا في نفسي ، أنا التي كنت أستنكر ذلك يشدة.
كان يقيم في الفندق مجموعة من الأئمة جاؤوا من فاس لإحياء المولد النبوي الشريف ( العيد علي حد تعبيريهم) في الرباط ، راقبتهم عن بعد كأوّل عينة من المغاربة تصادفني.. أعجبتني أناقة مظهرهم (بجلابيبهم الجميلة مختلفة الألوان ) ونظافتهم ، و شدتني رقتهم و لباقتهم في الكلام، وهزّني إنشادهم و تراتيلهم . خرجت لأصلي العصر في مسجد السنة . داخل المسجد التقيت بفتيات جامعيات تبدو عليهن آيات العفة والذكاء المتوقد، رحبن بي بحرارة و تحدثن معي بالكثير من الحرية…
في اليوم التالي سألت عمالا من الفندق عن الأماكن السياحية و المعالم الأثرية في الرباط . تمشيت في المدينة العريقة ..يصاحبني إحساس بالأمن و الأمان لم أذق طعمه منذ فترة طويلة… قطعت مسافات كبيرة مشيا على الأقدام . جلست في أماكن عامة و ساومت بعض السلع… هذه المعالم المنتشرة ، هذه الأسوار، هذه الأبواب و الحصون، هذه البروج و المنارات و الصوامع، فيها روح، تنبعث منها رائحة الأجداد الزكية..التي طالما افتقدتها … تجعلك تحس بعطر الماضي، بمعايشة السلف،, بالتواصل مع التاريخ… و بجذور لك غائرة .. وتملؤك فخرا و زهوا و اعتزازا بالنفس
تفرست في الوجوه.. النظرات صافية والوجوه مبتسمة … لهم صبر كبير و رباطة جأش و" طول بال "غريبة تحسُها عند التعامل. كما تسترعي انتباهك سرعة البديهة وروح الدعابة… ألفاظهم مهذبة و لغتهم سليمة و أصواتهم منخفضةأناس يحترمون مواقعهم وحدودهم. لا تتداخل أطوال الأمواج.. تحس بذاتك و تحس بغيرك. هنا لا تطرق أسماعك أصواتا لا تستسيغها ولا تُجبر على تتبع أحاديث لا تحبها. ولا تحدق فيك الأعين بشراهة أو عدوانية…. ودون أن تطلب المساعدة تجد دائما متطوعين لخدمتك و توجيهك بمجرد ما يُلاحظ عليك التردد ( أشنو تبغي أ الشريفة ؟)، و يبادرون بعرض مساعدتهم وان كان طريقك يخالف طريقهم، وان كان هذا يعطّلهم .. وهم ينصحون بالحذر إذا رأوا في الطريق بعض الخطورة عليّ كامرأة (احظي راسك )، و بالاحتراس (سوّلي العيالات)، ويرشدون إلى الأماكن الجميلة. يفعلون ذلك دون أن ينتظروا جزاء ولا شكورا، فهم يولّون راجعين ( بلا جميل ).. قبل أن تلتفت إليهم شاكرا

زرت في اليوم التاالي ضريح محمد الخامس رحمه الله بمقاطعة حسان، و هو معلم رائع. كما زرت شارع التقدم واشتريت، من سوق شعبي هناك، ذرى مشوية و زيتونا ( ما أكثر أنواعه هنا و ما أشهاها)، ووقفت لمدة طويلة أمام عشاب أو طبيب شعبي و هو يرغّّب في بضاعته ..انبهرت بمستوى لغته و سعة اطلاعه وسرعته الفائقة في الحديث و براعته في الدعاية لسلعته… انه فعلا تحفة أثرية تجعلك تحس بأنّك تسافر عبر الزمن إلى أسواق في بغداد في قرون ولّت … و في السويقة استغربت لإقبالي على أكل (الببوش) أي الحلزون و ما كنت أعتقد أنني سأقوم بذلك يوما .. فنظافة الباعة توحي بالثقة ، و حسن معاملتهم تشجّع فضولك و تقضي على ترددك..
عند رجوعي إلى الفندق فوجئت بوجود فرقة موسيقية أتحفتنا بأغاني شجية من الملحون أدتها بوقار و خلقت جوا من الطرب الراقي .
مررت بمحلات راقية مثل "مرجان" و" السلام"، و بقصور رائعة مثل قصر السلطان زايد آل نهيان، وبشواطئ جميلة، ومناظر خلابة و أنا أتوجّه إلى (تمارة )، أزور سيدة مغربية كانت دعتني للعشاء عندها ، وهي كاتبة في إدارة متحصلة على ليسانس أدب عربي . كان الاستقبال رائعا والمعاملة تلقائية والجو الأسري ممتازا. و كانت الشقة " من أربعة غرف" جميلة و منظمة بذوق رفيع في حي نظيف و هادئ … لم أكن أتوقع أن مغاربة من طبقة الموظفين البسطاء، يعيشون في هذا المستوى.. واستغربت كثيرا عندما ذكرت لي السيدة ، أنها، بمرتبها، تدفع إيجار البيت وحقوق تمدرس طفليها في مدرسة خاصة.. وأحسست – و أنا أقارن بإمكانياتي المادية و بمستوى المعيشة الذي يمكن أن توفره ليبالكثير من الغبن مطعما بالأسى

في اليوم الثالث حضرت مناقشة أطروحة تخرج في الطب في مستشفي ابن سينا حول مرض الربو. تعرفت على صاحبتها في قطار الدار البيضاء – الرباط الذي أقلني من المطار، و دارت بيننا مناقشة ودية أثناء الرحلة و كأننا نتعارف منذ مدة. داخل قاعة المناقشة وجدت جوا إسلاميا ساميا ، وروح الأخوة والتعاون، وكرما فائقا.
كما زرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم ، وحصلت على مراجع هامة لها علاقة ببحثي وأوصاني أحد المسؤولين هناك بالاتصال باللجنة الوطنية بالجزائر لأبقى على إطلاع على مشاريع المنظمة ونشاطاتها . لكن لا علم لي و لا لأحد من معارفي ذوي الاختصاص بوجود مثل هذه اللجان. و أحسست مرّة أخرى بالغبن الشديد.إذ اكتشفت أننا بالجزائر آخر من يعلم ومن يستفيد من مشاريع المنظمات العربية و الإسلامية والدولية في هذا الميدان، وسبق وان لمست ذلك عند زيارتي لمقرات اليونسكو، ولمقر الالكسو بتونس..
ذهبت إلى أكدال أسأل في الجامعة عن أستاذ أستاذ مختص في تعليم العلوم الفيزيائية و باحث تشيط و مشرف معروف في هذا الميدان ، لعله يساعدني على فك بعض الألغاز في بحثي و على إيضاح الرؤية .. فقيل لي بأنه أصبح مسؤولا على مديرية الدعم بوزارة التربية.
زرته هناك على غير موعد .. كان استقباله أكثر من لائق.. وجّهني إلى ذوي الاختصاص في كلية العلوم بالسملالية و المدرسة العليا للأساتذة بمراكش.
مساء حضرت مسرحية " جار ومجرور".. شدني جمال السيناريو و حسن الأداء،و الشجاعة في الطرح ، وأعجبني جو المسرح. اذ كان الجمهور متفرجا ممتازا.

توجهت الى مدينة فاس بواسطة القطار.. الطبيعة رائعة.. كل شبر من الأراضي مستغل خير استغلال.. جنات غناء، والخير وفير. .وتحسّرت وأنا أعيش ثانية مرارة الإحساس الذي انتابني وأنا أ سافر إلى تونس برا انطلاقا من الجزائر، مرورا بالأراضي الجرداء، التي التهمتها الأشواك، وتلك التي التهمها الاسمنت، وتلك التي تحولت إلي مستنقعات وإلى أماكن لرمي القاذورات. دخل إلى العربة التي كنت فيها رجل تبدو عليه علامات الوجاهة رفقة زوجته وابنته.. حيّوني بوقار.. بعد مدة خرج الرجل من العربة، وعاد يستدعى زوجته وابنته و يأخذ متاعه … ثمّ رجع بعد قليل .. نظر إليّ بأدب و احترام وقال معتذرا " اسّمحي ليَ منين بدّلت المكان ، بحيث أنا كنكمي ".أي أدخّن .و لا أٌنكر أنّني تأثرت كثيرا بهذا الموقف الراقي.
أحسست بنوع من الخشوع و أنا أدخل مدينة فاس ..و كأني ألج إليها من باب التاريخ .. كلّ منظر هنا .. كل ركن.. يفوح بعبير الماضي و بعطر الأمجاد.. أمجادنا التي هي أمجادهم .. …واغرورقت عيناي بالدموع و أنا، كأنما أدرك للمرة الأولى، بانّ لنا نفس الذاكرة .. و أننا نشترك في نفس الأصول و نفس الأمجاد.. و نتلاقى في بوتقة واحدة في أمس قريب غير بعيد عن يومنا المشؤوم هذا ..
يتبع

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

4 Comments

  1. badr
    13/10/2006 at 20:28

    et voila ce j’attend notre vraie fraternité on est tous des arabes.tahya magreb

  2. Abou Anass
    14/10/2006 at 17:42

    La vérité blesse mais c’est comme ça que nous sommes mis en erreur dans cette vie. L’information ou la désinformation parfois tue. Nous prions le bon Dieu qu’un jour nous serons unis : frères du grand maghreb. Il y a un ange que le prophète Mohammed a rencontré le nuit de l’ascension son douae perpétuelle devant un bloc de glace en contact avec le feu est :
    اللهم كما ألفت بين الثلج و النار فألف بين عبادك الصالحين
    Peu importe qui est le feu ou la glace… Mais il y a des peuples qui se sont massacrés énormément dans l’histoire : guerre mondiale, et maintenant ils sont frères unis comme les français et allemands.
    Oh mon Dieu quand nous serons heureux de visister le grand maghreb même aller jusqu’à l’Egypte et pourquoi pas le moyent orient.
    Oh Dirigents, Pensez à l’Unité, Oubliez les Négatifs et Encouragez le Positif….

  3. Algerien-journaliste
    14/10/2006 at 17:42

    salut l’administrateur
    je veut de le nom ou un e-mail de cette jeune femme pour ou un référence .
    merci

  4. abdo
    22/06/2012 at 23:17

    maintenant ils sont frères unis comme les français et allemands.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *