مهمة التفتيش بين إرادة الوزارة الوصية وقناعة الممارسين

تكاد مهمة التفتيش تكون ركن الزاوية في كل الوزارات ؛ وعلى رأسها وزارة التربية الوطنية ؛ وهي مهمة جهاز قد لا يعرف منه الرأي العام سوى صورة مختزلة في الجانب التربوي من المهمة ؛ وتحديدا في الزيارات الفجائية للفصول الدراسية ؛ حيث يباغت المفتش المدرسين لتفتيشهم ؛ كما يباغت مفتشو كل الوزارات والقطاعات العمومية وشبه العمومية وحتى الخصوصية موظفيهم قصد مراقبتهم والوقوف على مدى التزامهم بأداء الواجب المؤدى عليه. وهذه صورة لا تمثل سوى النظرة السطحية لجهاز له دور الإشراف الشامل والفعلي على قطاع التربية بكل مستوياته البيداغوجية والمالية والإدارية والتوجيهية والتخطيطية من خلال مماراسات متعددة الأوجه بحثا وتنشيطا وتكوينا وتقويما ومراقبة. وليست المراقبة سوى حلقة في سلسلة ممارسات عدة يعكسها مفهوم الإشرافية.
ونظرا لأهمية جهاز التفتيش ولخطورة مهامه فقد اتخذ مكانة متميزة داخل هيكلة الوزارة حيث يتربع على قمة هرمها ما يعرف بالمفتشية العامة الموازية للوزارة بمديرياتها المختلفة. وعوض أن تفعل مكانة هذا الجهاز على مستوى هرمية الوزارة ؛ فانه واستثناء في أرض المغرب تحول إلى تابع لا يرقى إلى مستوى مديريات الوزارة ؛ وجرد من دوره الإشرافي حيث تعتبره الوزارة ممثلة في شخص الوزير وكتابته العامة ومديرياته مجرد خضر فوق الكسكس حسب التعبير المغربي للدلالة على تفاهة الشيء.
وهكذا فقد التفتيش بكل مستوياته قيمته عندما تخلت المفتشية العامة ممثلة في شخص المفتش العام للوزارة عن دورها الحقيقي المتمثل في الإشراف الفعلي على قطاع التربية بما في ذلك مراقبة أداة الوزارة انطلاقا من قمتها إلى قاعدتها ؛ وهو دور لا يتأتى دون استقلالية قرار المفتشية العامة على غرار استقلالية القضاء أمام السلطة التنفيذية ؛ إذ لا يصح إشراف أو مراقبة من تابع مسلوب الإرادة تملى عليه القرارات في مجال اختصاصه ؛ فيصير أداة في يد وزارة يتناوب عليها وزراء من مختلف الأطياف السياسية فتصطبغ أحيانا السياسة التربوية بالصبغة الحزبوية عوض الصبغة الوطنية في غياب الإشراف الفعلي للمفتشية العامة وتوابعها. وقد ترسخت هذه النظرة منذ عقود خلت من خلال عبارة ( المفتشية العامة للوزارة عوض المفتشية العامة على الوزارة ) وهو التعبير السليم ؛ ذلك أن اللام تفيد التبعية ؛ وعلى تفيد الاستعلاء الاستقلالي. وعوض أن تضع المفتشية العامة هيكلتها وفق ما يناسب دورها الإشرافي على المستوى المركزي والجهوي والإقليمي انصاعت لهيكلة تحجم دورها لتظل دواليب الوزارة تعمل في غياب المشرف الرقيب وصمام أمان التربية التي تعتبر رأسمال الأمة ؛ ورهان البلاد في مجال التنمية.
وأمام خضوع المفتشية العامة لإرادة الوزارة لم تجد توابعها على المستويات الجهوية والإقليمية بدا من خوض حرب إثبات الذات واسترجاع المكتسبات وعلى رأسها الاستقلالية الوظيفية التي تمكنها من عملية الإشراف الفعلية على القطاع الذي يعرف مع الأسف الشديد انحرافات خطيرة لها آثار سلبية على المدى البعيد بعد رحيل الوزارة الحالية.ولقد ظل جهاز التفتيش جهويا وإقليميا محروما من قناة قانونية تحمي مصالحه لعقود من السنين إذ لم يكن بوسعه سوى الانضواء تحت تمثيليات نقابية ذات أغلبيات مكونة من أطر وموظفي الوزارة الذين يجعلون قضاياهم فوق قضايا التفتيش ؛ وربما حاول بعضهم الارتزاق بملف هيئة التفتيش الذي يتخذ مطية لتحقيق أهداف لا علاقة لها برجال التفتيش. وأمام هذا الوضع ظهرت فكرة النقابة المستقلة على غرار تقليد معروف ومسبوق في بعض القطاعات كقطاع الطب والصيدلة ….الخ
وهو ما أقلق الوزارة التي تخشى أن يسترد التفتيش هيبته ؛ ويقف لها بالمرصاد بحكم حراسته لقطاع التربية فلجأت إلى أساليب التشويش على نقابة فتية فرض عليها الحصار ؛ ولم يسمح لها بممارسة ما يخوله لها القانون ؛ ولا أدل على ذلك تواطؤ الجهات التنفيذية المسئولة في عملية الإقصاء الممنهجة من خلال رفض إيداع ملف إعادة انتخاب مكتب جديد لسباب واهية مما اضطر النقابة إلى طلب حكم القضاء الذي نرجو أن يكون مستقل القرار كما هو الحال في كل قضاء العالم المتطور؛ ويرجى إنصافه.
Aucun commentaire
عودة ميمونة لقلم أستاذنا محمد شركي إلى الحقل التربوي، مع كل مودة أهديها له.
أخي إن سدنة الوزارة يعملون كل ما في وسعهم لشل جهاز التفتيش، لأنهم يعرفون دوره الأساس في التصحيح والتوجيه والبناء فضلا عن رصد الثغرات. وهذا شيء بالنسبة لي أمر طبيعي ضمن إطار ثقافة معينة لمجتمع ينتمي إلى عالم المتخلفين حضاريا. لكن الذي لا يمكن أن يكون أمرا طبيعيا هو سلوك وتصرفات نوع من المنتسبين لهذا الجهاز، ويحملون اسم المفتش مجازا. حيث انضموا إلى جوقة الوزارة وسدنتها ضد مصالح الإطار، لعل بعض فتات الموائد يتساقط عليهم. ذلك أن من جملة تصرفاتهم دخولهم بكل قوة في تفعيل الوثيقة الإطار رغم النضال الذي خاضته الهيأة ورغم بيان نقابة مفتشي التعليم الواضح بالمقاطعة. فهم يسعون وكأن دنياهم خالدة إن انبطحوا؟! فرغم أن إطار التفتيش مبهدل تبهديلة، فيها الإطار ينتمي إلى » الكاسيات العاريات » فمازال هؤلاء ينبطحون أمام الإدارة، والغريب في هؤلاء القوم أن منهم من يمارس التضليل والدجل السياسي والإيديولوجي والزندقة اللغوية على ضعاف الشخصية من الهيئة، ويوهمهم بأن الوثيقة الإطار مفعلة في المغرب ولم يبق منها سوى هذا الإقليم أو ذاك؟! حيث ضعاف الشخصية يتشبثون بغثاء السيل للنجاة، ظنا منهم أنهم يفعلون خيرا بإطارهم المبهدل؛ حتى أصبح الشرفاء من هذا الإطار تأخذه الحشمة في الانتماء إليه. مثل هؤلاء المنتسبين إلى الإطار هم الذين بخسوا من قيمة هذا الإطار وميعوا مهام التفتيش؛ فجاءت الوزارة لتستغل هذا الوضع وهذا المفتش المتهرئ الخنوع المذلول لتركب عليه وتبخس إطار التفتيش. فاللوم ليس على الوزارة بقدر ما هو على منبطحي الإطار لا شرفائه وأسياده الذين تشهد لهم البنان بالكفاءة والمروءة والجدية.
لقد وجدت أخي تبهديلة المفتش من بهدلته لنفسه بنفسة! ومن هنا وجدت بعض العقليات التي تنتمي لهذا الإطار هي عقليات متحجرة ومستحثات وحفريات نبتت وتكونت عبر الحقب التاريخية في إطار المصلحة الخاصة قبل المصلحة العامة ومن ثم وجدت قول د. عماد الدين خليل صحيحا إذا أردنا تغيير حال إطارنا؛ حيث قال: » ثمة ما يجب أن يقال في هذا المجال وهو أن العقل الغربي كان يملك في الوقت نفسه القدرة المدهشة على نقد الذات ، ومحاولة تعديل الوقفة ، وتغيير القناعات الخاطئة فإذا استطاع ( مفتشونا ) علماؤنا أن يدخلوا من هذه الثغرة فإنهم سيفعلون الكثير » وإلا سيفعل بهم الكثير. والسلام.
أنبه الى أن المقال مبتور لم ينشر كاملا
الأخ محمد شركي جريدة وجدة سيتي لم تقم بأي بتر في المقال وانما قمنا بنشره كما وصلنا حرفيا ….فهل تقصد ان الجريدة هي التي قامت ببتره ام انكم قمتم بارساله مبتورا ؟ لأن تنبيهكم غير واضح ….فقد يفهم القاريء منه ، ان طاقم الجريدة هو الذي قام ببتره ….مع العلم ان مقالاتكم نقوم بنشرها بطريقة آلية لأننا نعرف انها مقالات جادة ومسؤولة ، من شخص جاد ومسؤول …
وتقبلوا اسمى عبارات تقديرنا واحترامنا
شكرا جزيلا للساهرين على الجريدة الالكترونية وجدة ستي ؛ معذرة قصدي بالبتر هو عدم ظهور صفحة أخرى وهي كالتالي : إن نقابة تنفق وقتا طويلا في مجرد إيداع ملف بسبب العراقيل المصطنعة لا يمكن أن تتمكن من ترسيخ فكرة شرعية استقلالية التفتيش الضائعة.
وتعمل المفتشية العامة إلى جانب الوزارة ؛ وتحت وصايتها على طي ذراع جهاز التفتيش من اجل إعادته إلى فراش الطاعة كما يقال؛ وذلك من خلال إعادة هيكلته هيكلة تعطله تعطيلا ؛ وتحوله إلى مجرد أداة طيعة لتنفيذ القرارات مهما كانت خطورتها على قطاع التربية الذي وكلت حراسته لجهاز التفتيش ؛ وهو أمانة الأمة التي ينسب لها ميثاق وطني لإصلاح ما فسد . وتطور الأمر إلى مضايقات تراوحت بين تجريد الجهاز من كل الإمكانيات ؛ وتعطيل مراكز تكوينه وكأن الأمر يتعلق بعملية انقراضه ؛ وتعطيل حركاته الانتقالية المختلة بعد تسريح العديد من رجاله فيما يعرف بالمغادرة الطوعية ؛ إلى جانب المناورة الدعائية التي توهم الرأي العام بتحقيق مطالب هذا الجهاز ؛ وهي إجراءات لا تعدو المراهم التي لا تمس الجروح العميقة الغائرة. ولقد بلغ الأمر حد الاستغناء عن رجال التفتيش في الموسم الفارط ؛ وهو موسم عرف أسوء الممارسات في غيابهم حتى بلغ الأمر حد تسربات مست امتحان البكالوريا الذي لم يلغ ؛ ولم تقدم الوزارة استقالتها بسببه بالرغم من كون التسرب كان في عصر الهواتف الخلوية وشبكات الانترنيت التي حولت العالم إلى قرية صغيرة بله البلد المحدود جغرافيا. وتعمل الوزارة حاليا على شق صفوف رجال التفتيش بالاعتماد على عناصر تطمح إلى تبوء المراتب والمناصب والاستفادة من تعويضات المهام في ظل استنكاف رجال التفتيش المنخرطين في النقابة المستقلة عن ممارستها حرصا على مصالح الجهاز وعلى رأس المصالح الاستقلالية الوظيفية وهي مربط الفرس . وخلال هذا الموسم يحاول الجهاز لملمة شمله من خلال فروع نقابته الممثل الوحيد والشرعي لمصالحه ؛ بعد انتكاسة شراء بعض الضمائر التي غابت لحسن الظن عبر صفقة المغادرة الطوعية مخلفة دمارا هائلا في صفوف رجال التفتيش عندما تحولت إلى منبر دعاية رخيصة للوزارة قصد تمرير مشروع الهيكلة المرفوضة بل والمشبوهة.
وأمام هذه الوضعية المزرية ليس من خيار لرجال التفتيش من توحيد الصف ؛ ونبذ الفرقة ؛ وترك سبل الهرولة أمام التعويضات الهزيلة ؛ والإغراءات التافهة من أجل استقلالية تعيد لجهازهم المهابة وتفسح المجال أمام إشرافه الفعلي على قطاع التربية من خلال مراقبة الخلل مهما كان مصدره ومعالجته ولماذا لا نقول محاربته عبر الإجراءات القانونية التي يضمنها القانون لجهاز التفتيش وفق المعايير الدولية المتعارف عليها عوض بقاء رجال التفتيش أقنانا في ضيعة السيد الوزير ومن يمثله في الجهة والإقليم .