ما محل قوات مكافحة الشغب من الإعراب في دولة الحق والقانون ؟؟؟
إن عبارة » دولة الحق والقانون » ليست مجرد شعار تلوكه الألسنة أمام وسائل الإعلام من أجل التسويق الإشهاري الداخلي والخارجي ، بل هي ممارسة ملموسة على أرض الواقع المعيش. فالمعلوم أن الدولة التي ترفع هذا الشعاريجب في حاكمها في ومحكومها أن يخضعان معا للقانون الذي هو عبارة عن حقوق تترتب عنها بالضرورة واجبات . ولا يجوز لطرف منهما أن يكون فوق القانون بمعنى يتمتع بحق ليس له ، أو يخل بواجب يلزمه.
و من المعلوم أيضا أن جميع بلاد الدنيا تقر وتعترف بحق التظاهر والتجمع من أجل التعبير عن المواقف والآراء السياسية . وتكاد وسائل الإعلام العالمية المختلفة تنقل لنا التظاهرات في العالم يوميا. و نحن نشاهد نوعين من التعامل مع ظاهرة التظاهر حسب قرب أو بعد أنظمة هذه البلدان من شعار الحق والقانون. ففي بعض بلاد الله نجد الناس يتظاهرون وهم يجوبون الشوارع آمنين مطمئنين بلافتاتهم وهتافاتهم تصاحبهم وسائل الإعلام وتحيط بهم قوات حفظ الأمن بدون عدة أو عتاد و التي يخيل لمن يراها أنها تحميهم وتحرسهم أكثر مما تراقبهم ، وبسيارات إسعاف احتياطية للطوارىء . أما في بلاد أخرى فنجد قوات الأمن التي تنعت بقوات مكافحة الشغب مدججة بالعدة والعتاد من تروس وخوذات وكمامات وهراوات وبنادق وقنابل مسيلة للدموع أو حارقة ، وأحيانا سيارات مصفحة ، وطائرات عمودية مسلحة وخزانات وخراطيم مياه …إلى غير ذلك مما هو فوق الحق والقانون. وتنقل وسائل الإعلام التي تسترق التصوير صورا لهذه القوات وهي تمارس كل أنواع العنف ضد المتظاهرين ، وقد لا تسلم الصحافة نفسها من عنف هذه القوات التي تخشى أن يفتضح عنفها أمام العالم. فالمطلوب في دولة الحق والقانون أن يضمن حق التظاهر الذي تتقدم الجهة الراغية فيه بطلب في شأنه للسلطة المعنية ، والتي لا يمكنها أن ترفضه لأنه حق مضمون في دولة الحق والقانون. ومقابل ذلك تلتزم الجهة الراغبة في التظاهر بالأمن والسلم المدنيين وبالأساليب الحضارية في التظاهر. ويكون من واجب قوات الأمن صيانة الأمن والسلم المدنيين ، وبموجب ذلك التدخل لحمايتهما بما ينص عليه القانون وليس بما هو فوقه أو خلافا له مما يشاهد في بعض البلاد التي يصير فيها تدخل قوات الأمن بعنف لا يجيزه قانون ولا عرف ولا أخلاق
.
فإذا ما عدنا إلى قضية تدخل الأمن مساء اختيار عمدة مدينة وجدة ضد مستشاري حزب العدالة والتنمية ومن ناصرهم من مسؤولي الحزب المركزيين أو من مناضلي الحزب أو من المتعاطفين معه نجده تدخلا خارج ما يسمح به القانون ، وما يجب في دولة الحق والقانون، ذلك أن القانون يخول لمسؤولي الحزب المركزيين ولمناضليه حضور عملية اختيار العمدة والتي كان من المفروض أن تنقل من قاعة بلدية وجدة ، وعبر الشاشة العملاقة وبمكبرات صوت إلى خارج مبنى البلدية على غرار نقل الحفلات الساهرة ، كما أنه من المفروض أن يسمح للصحافة بالحضور، ولكن مع الأسف الشديد تمت مصادرة هذا الحق مما دعا تشبث أصحابه به. وأكثر من ذلك لم يصن حق مستشاري حزب العدالة والتنمية في الانسحاب من عملية لهم منها موقف و لا حق الاحتجاج على ذلك . فكان لا بد أن يتشبث المستشارون بحقهم ولكن السلطات بخستهم حقهم ، وتشبثت بما تعتقد أنه حقها في المحافظة على الأمن والسلم المدنيين وإن لم يتعرضا لخطر فعمدت إلى العنف الذي لا زال خارج طائلة القانون ذلك أن الأوامر التي تعطى لما يسمى بقوات حفظ الأمن أو قوات مكافحة الشغب لا نعرف لها نصوصا قانونية تضبطها بل تخضع لسلطة تقديرية يختلف تأويلها ما بين الآمر والمأمور حيث قد يبالغ أحد الطرفين في تأويل أو فهم أمر التدخل فتكون العاقبة وخيمة والفاتورة ثقيلة. فالجماعة التي تضج حناجرها بالصياح والتنديد بما لا يمس مقدسا ولا يبح هيبة وطن لا يمكن أن تقارن بجماعة تعمد إلى تخريب الممتلكات العامة والخاصة وتعرض الأمن والسلم المدنيين للخطر. وعليه يختلف تدخل قوات الأمن في الحالتين . أما أن يكون العنف حاضرا في كل الأحوال فهذا غير معقول و لا يليق بدولة الحق والقانون. فانسحاب مستشاري حزب العدالة والتنمية من عملية اختيار العمدة عن طريق تحالف مطبوخ لا يستدعي تدخل قوات الأمن بالعنف الذي تناقله شهود العيان عبر أجهزة الهواتف الخلوية .
والغريب أن تستخدم قوات الأمن من طرف السلطة الاستخدام غير القانوني استجابة لنوازع الآمرين بالعنف حتى أنه ترسخ في قناعة قوات الأمن هذا العنف ، وصار مفخرتهم التي تضاهي الفخر عند قوات تصد عدوا عن حوزة وطنها. إن غياب القوانين المقننة لتدخل قوات الأمن في حال المظاهرات والتجمعات هو إجهاز على دولة الحق والقانون. ولابد أن تتدخل العدالة ـ إذا ما كانت للعدالة مستقلة ـ للبث في قضية العنف غير المبرر في قضية اختيار عمدة وجدة وإلا فإن الإجهاز على دولة الحق والقانون ستكون له ردود أفعال سلبية كما هو الحال في العديد من بلدان العالم لأن العنف يولد العنفوان بالضرورة ، ولنا عبرة في البلد الجار ، وفي الصومال وغيرهما . والخسارة الكبرى بسبب هذا العنف غير المبرر قانونيا والمبالغ فيه أن تفقد الثقة في الاعتدال لحساب التطرف الذي قد يؤدي ـ لا قدر الله ـ إلى ما لا تحمد عقباه ولات حين مندم يومئذ .
Aucun commentaire