جاهزية بعض الحكام العرب والمسلمين لتكريس الاحتلال في بلدانهم

تعرف الساحة العربية والإسلامية ظاهرة خطيرة تتمثل في تصريحات غير مسبوقة لحكام وزعماء عرب ومسلمين تكشف عن مدى استعدادهم لتكريس الاحتلال الأجنبي لبلدانهم تحت غطاءات لا يقبلها المنطق السليم ؛ ولا تتماشى مع إرادة الشعوب الإسلامية والعربية في الحرية والاستقلال على جميع الأصعدة ؛ ذلك أن بعض الاستقلالات الجغرافية لا زالت مشوبة بالتبعية السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية.
ولعل الغرب المحتل لبلاد العروبة والإسلام خلال القرن الماضي لم يعد يقنع بأشكال الاحتلال المختلفة التي يمارسها على الأقطار العربية والإسلامية التي كانت خاضعة لاحتلاله الجغرافي ؛ لهذا ظهرت عمليات إعادة الانتشار من جديد لتكريس مختلف أنواع الاحتلال في بقع جغرافية معلومة كما كان الحال في القرن الماضي . ولعل المبررات كثيرة لفرض عملية إعادة الانتشار ؛ وعلى رأس هذه المبررات أمن دولة إسرائيل التي زرعت في المنطقة قسرا من أجل أهداف استراتيجية وعسكرية واقتصادية صريحة وضمنية . إن ذريعة أمن إسرائيل التي لا تستطيع تحقيق أمنها إلا بحبل من الغرب هو الدافع وراء عملية تحييد بعض الأنظمة العربية من الصراع عبر ما سمي معاهدات السلام علما بأنها من دول الطوق. ولعل عملية السلام المزعومة أفضت إلى وضعية هجينة وغير مقبولة ؛ ذلك أن الدول الموقعة على معاهدات السلام كمصر والأردن كان من المفروض أن تقدم على ذلك مع أخذ الوضعية النهائية بالاعتبار وهي استعادة ما أخذ من أرض بالقوة خلال حروب متتالية دون التفريط في أرض فلسطين سبب الصراع ؛ فالصراع بين العرب وإسرائيل نتج عن استنبات الغرب لكيان غريب في قلب العالم العربي في أعقاب الحرب الكونية الثانية التي تمخض عنها توزيع الغنائم فكان نصيب اليهود أرض الإسراء بذريعة أسطورة المحرقة على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي رجاء جارودي. ولما رفض في العالم العربي هذا الكيان وتحولت المنطقة إلى بؤرة صراع لا نهاية له فكر الغرب في نهاية تفضي إلى نفس النتيجة وهي ترسيخ الوجود اليهودي من خلال اعتماد سياسة تراخي الزمن وتحين الفرص لخلق ما سماه كيسنجر الأمر الواقع. وبالفعل انطلت الحيلة على بعض حكام العرب فصدقوا مسرحيات السلام وهرولوا وتهافتوا وغيرت ألقابهم فصاروا رجال سلام شجعان.وانتهت القضية الفلسطينية إلى طريق مسدود ؛ ووضع الزعماء الفلسطينيون في حرج غير مسبوق ؛ فجلسوا إلى مائدة المفاوضات يفاوضون على سمك في الماء كما يقال ؛ تشرط عليهم الشروط وهم لا يعرفون نهاية المفاوضات؛ فكما تم تضليل الرأي العام العربي يوم عقدت معاهدة السلام مع مصر ؛ وقيل يومها إن المعاهدة ستفضي في النهاية إلى وجود دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس ؛ ومرت عقود ولم يتحقق شيء من الوعود ؛ ولم تتخل مصر من معاهدة منقوصة قسمتها ضيزى ؛ بل تبعتها الأردن في التوقيع ؛ واستدرجت القيادة الفلسطينية لمفاوضات سرابية؛ وتحقق لإسرائيل ما أرادت وقد راهنت على مرور الزمن وتغير الظروف ؛ فما كان غير مقبول بالأمس أصبح ممكنا اليوم.ففي ظروف 11 أيلول وما نتج عنها من مخططات لمحاربة ما يسمى بالإرهاب صار بالا مكان تركيع من لم يركع من العرب ؛ وصار بالا مكان تحقيق أمن إسرائيل التي تنمرت في المنطقة وتملصت من القانون الدولي وصارت تفعل ما تريد لوجود تغطية غربية فرضتها الظروف ؛ وهي ظروف خطط لها منذ زمن بعيد.
في ظل هذه الأوضاع سادت ظاهرة غريبة بين بعض حكام العرب والمسلمين وهي جاهزيتهم الكبيرة وغير المسبوقة لتكريس الاحتلال بشتى أنواعه خصوصا الجغرافي .ففي كل يوم يصدر تصريح لزعيم يدعو جهارا نهارا للاحتلال ويرحب به ؛ فهذا الرئيس العراقي بين قوسين وفي منصة الأمم المتحدة يدعو إلى وجود دائم للجيش الأمريكي في العراق مع قواعد دائمة لدفع خطر موهوم مخالفا بذلك إرادة شعب العراق الذي ينزف دمه من أجل الاستقلال. وهذا الرئيس الأفغاني بين قوسين أيضا يستزيد من قوات حلف الناتو يوميا بدعوى محاربة حركة طالبان ؛ وما عادت طالبان للواجهة إلا من أجل استقلال يطمح إليه الشعب الأفغاني الذي لا يعرف العيش تحت الاحتلال كما شهد بذلك تاريخه. وهذه التيارات اللبنانية المعادية للمقاومة ترحب بالقوات الأجنبية وتستزيد منها وتعول عليها لإحداث توازن قوة في البلاد على حد تعبيرها ؛ وبمجرد إلقاء زعيم حزب الله لخطابه بمناسبة يوم النصر ؛ وهو يوم لا ينكر عاقل أن إسرائيل هزمت فيه مهما كانت التضحيات فالعبرة بالخاتمة انطلقت المهرجانات الخطابية فتحول فئران الأمس إلى أسود تعول على القوات الاجنبة لتجريد المقاومة من سلاحها وهو ما لم تستطعه إسرائيل بترسانتها الحربية الجبارة ؛ فأوكلت ذلك للطابور الخامس ليكون سببا في تدخل قوات غربية تحت مظلة أممية يفضي إلى تحقيق حلم إسرائيل لا قدر الله . وهذه القيادة الفلسطينية منقسمة على نفسها ؛ وقد تحول متهم الأمس بالفتح إلى متهم بالكسر؛ وصرنا نسمع بأم الهرولات حيث لوت فتح بذراع حماس للاعتراف بدولة إسرائيل ليرضى سيدنا الغرب ويفرج عن الرواتب والأرغفة ؛ وسمعنا بما لم نعهد من تهديدات ؛ بل بإعادة الانتخابات وكأن الانتخابات السابقة لم تكن إملاء غربيا جرى بما لم تشته سفنه .
إن الظاهرة أكبر وأشمل مما يتصوره الإنسان العربي والمسلم ؛ فحتى انتخابات اليمن بالأمس راهن الفائز فيها على استرضاء الغرب وتخويف الشعب من غريمه الذي يسبح ضد التيار في الغرب وكانت التهم مؤشرا على الدعوة لتكريس التبعية حتى لا نقول احتلالا بشكل من الأشكال .
ومما أفرزته الظاهرة ظهور مدد الرئاسة مدى الحياة ؛ وتوريث الحكم لأبناء الزعماء من أجل تمديد البقاء في خدمة عدو كشف عن كل أقنعته ؛ وعن نواياه وخباياه.
لقد بقي رئيس السودان وحده محلقا خارج السرب يرفض الاحتلال ؛ ومن يدري قد يتعرض للضغط فيركع ؛ أو قد تكون هذه طريقته في الدعاية وهو في بيت الطاعة الغربية إذا ما جاز لنا أن نسيء الظن.
إن المؤسف في هذه الظاهرة هو استخفاف القيادات بالشعوب ؛ وعدم اعتبارها في استحضار الغزو إلى أراضيها علانية بذرائع لا تثبت أمام الحقائق ؛ وصدق على هذه القيادات المثل القائل : ( فر من ذئب وسكن غاره ) فالخوف من أخ أو صديق أهون من عدو شرس قدم العربون على شراسته في كل مكان .
Aucun commentaire
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
يجب على كل انسان ان يصلح عيوبه قبل ان يكشف عيوب الاخرين فالاحرى بالكاتب ان يتحدث عن المغرب وما يتريها من احتلال لسبته ومليله ويحث الشباب على استرجاع الحق الضائع الذي مات بين طوايا التاريخ بفعل الكتاب غير المؤهلين مهنيا وذلك بالبعد عن هذه القضايا والانشغال بقضايا اخرى بعيده كل البعد عن محيط بلادكم وقضيتكم الان
انا لا الوم المستبد اذا طغى او تجبر فمن حقه ان يستبد ومن حقنا ان نستعد
اخوكم عماد المصري
emad_858@yahoo.com
em855@hotmail.com