بعدما صدرت الإساءة من بابا الفاتكان نهارا جهارا ؛ وتناقلتها جميع وسائل الإعلام في العالم ؛ وبجميع اللغات ؛ وبعد ردود الفعل الغاضبة في طول وعرض بلاد الإسلام على المستوى المتدني للبابوية في هذا العصر الذي كان من المفروض أن يشهد أكبر قدر ممكن من التقارب بين العالم الإسلامي والمسيحي نظرا للتطورات الفكرية التي حصلت في العالم وقربت المسافات بعدما تحول العالم بفعل تكنولوجيا التواصل إلى مجرد قرية صغيرة كما يقال. ولعل التواصل المتوفر بشكل غير مسبوق من شأنه أن يسهل التقارب والتفاهم الذي كان متعذرا خلال قرون طويلة ؛ وكان سببا في حروب طويلة حصلت ملايين الأرواح بين الجانبين.
في هذه الظروف تأتي تصريحات البابا مخيبة للآمال إذ تدنى مستوى رجل الكنيسة الأول إلى الحضيض عندما سمح لنفسه بالاعتداء على مقدسات المسلمين دون احترام مشاعرهم ؛ وكان عليه أن يحتفظ لنفسه برأيه الذي يعرفه المسلمون جيدا لأن صاحبه يقف على الطرف النقيض لعقيدتهم ؛ ولا حل للإشكال سوى قاعدة (لكم دينكم ولي دين ) التي يرفعها الإسلام شعارا ولا يلغي الآخر كما يحاول البابا من خلال تصريحاته التي تهدف إلى هدم العقيدة الإسلامية من خلال الأوصاف المشينة.
فلو أن صاحب التصريح كان نكرة من النكرات لهان الأمر ؛ ولكنه الرجل الذي يقف في شرفته ويسجد له الملايين ؛ فهؤلاء الملايين يأخذون عنه دون اعتماد عقولهم لقناعتهم بأنه لا ينطق عن باطل ؛ وهذه هي المشكلة حيث سيتجاسر أتباعه على الديانة الإسلامية وسيكون ذلك هو الفتيل الذي يشعل فتنة لا يعلم عواقبها إلا الله عز وجل ؛ وهو أمر لا يقبل من ممثل طائفة دينية مهما كان في العالم حرصا على السلم العالمي المعرض أصلا للخطر بفعل السياسة المتعالية لحكام اليمين المسيحي المتطرف الذين يعيثون في الأرض فسادا هم والصهاينة أمام سمع وبصر البابا الذي يبارك ضمنيا أعمالهم بصمته المطبق في حالات الاعتداءات على المسلمين من طرف أتباعه في بقاع العالم الإسلامي خصوصا في أرض فلسطين مهد المسيح عليه السلام الذي جاء بالسلام .ومعلوم في عقيدة الإسلام أن الساكت عن الحق شيطان أخرس وأمام ردة الفعل العنيفة على إساءة البابا والتي تمثلت في النيل من المشاعر الدينية لمليار وثلث مليار مسلم جاء العذر وهو أكبر من الزلة إذ أعرب البابا عن أسفه لأن المسلمين أغبياء لم يفهموا ما قاله لأنه كان يتكلم بسجع الكهان الذي لا يفهمه إلا الفاتكان ؛ ولو فكر الحبر قليلا لعلم أنه لو كان له فهم لأحسن التعبير لأن الناس يفهمون عن كل من نطق ؛ ولا يفهمون عن العجماوات لأنها لا تكاد تبين . فإذا كان قصده الاعتذار حقا فعليه أن يعترف بخطئه كما يفعل المسلمون وهو عندهم فضيلة ؛ أما إذا كان قصده الإمعان في إهانتهم وذلك من خلال وصفهم بالجهل والغباء وقلة الفهم ؛ فانه يستحق أن يقال له لو أوتيت ذرة من فهم المسلمين لوصلت إلى الحقيقة وهي أنك لم تعرف الله عز وجل إذ نسبت له الولد ؛ وزعمت أن البشر قتلوا الولد الإله وصلبوه ؛ وجعلت الإله أقانيم ثلاثة تركبها في عقل خال من المنطق؛ وصدقت أنك مقدس فوق البشر وأنت تأكل الطعام وتذهب إلى المرحاض ؛ وتذنب كما يذنبون وربما أكثر مما يذنبون. إن الذي لا يفهم هو الذي يقول ما لا يفهم ؛ وهو الذي لا يقدر عواقب ما يقول عندما يتعلق الأمر بالعقائد ؛ وصدق من قال : من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجر . لقد جزت قدرك يا بابا السوء إذ مسست بشخص نبي كريم لم يظلم الرهبان والقساوسة ولم يسيء إلى كنيسة وصان لأتباع المسيح كرامتهم ولم يكرههم على الدخول في ملته ؛ وحذر من الإساءة إليهم . انك تسير في فلك اليمين الصليبي المتطرف الذي لا يقدر عواقب الإساءة إلى مليار وثلث من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وليس أمامك إلا الإقرار بالذنب أمام المسلمين دون مراوغة ؛ ودون إمعان في الإساءة باتهام المسلمين بقلة الفهم والا ففي المسلمين من يستطيع إفهامك ما لم تفهم ؛ وحينها سكون عليك إثم أتباعك ؛ والمسلمون من أخلاقهم الصفح الجميل إذا ما كان العذر صادقا كما علمهم رسولهم الذي وصفت أعماله بالشريرة يامن لا يميز بين شر وخير؛ وخير لك الغرق في صمك كعادة رهبان صوريين يعيشون في أبراج الفاتكان العاجية ولا يعرفون ما يجري حولهم ؛ انك في فوهة بركان الإسلام الذي لن يصبر على اذاية ولن يقبل دنية. وقد أعذر من أنذر ولا عدوان إلا على الظالمين.