المؤسسة العسكريةالعربية في الميزان

رغم اننيي لست عسكريا, ولكني لا أفقد الحس, ولا القدرة على التمييز بين النصر والهزيمة, خصوصا وأن الخبرة العسكرية ليست ضرورية لمعرفة أن للنصر شروط مادية, كالعدة, والعتاد والتكوين العلمي, والتدريب القتالي الميداني…وشروط أخرى نفسية, كالإيمان بعدالة القضية, دينية كانت أو وطنية, أو إنسانية, ورفض الظلم, ونصرة المظلوم….
إن التاريخ أرشدني, والقرآن الكريم أخبرني, بأن النصر يكون دائما للفئة القليلة ذات العقيدة السليمة, الصحيحة.ففئة بدر المؤمنة ,هزمت كثرة قريش الباغية , وسرية طالوت شردت جيش جالوت الطاغية, وجيش فرعون أغرق بسبب شرذمة قليلة من أصحاب موسى (إنهم لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون) . والتاريخ يشهد أن كل الحروب التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم, خاضها بجيش أقل بكثير من جيش عدوه, إلا يوم حنين.(ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا.) أما عندما تكون المواجهة بين عقيدة الكفر والضلال, وبين عقيدة محرفة, فإن النصر يكون لهذه الأخيرة, حتى ولو كانت غير سليمة.فمثلا انتصرت الروم على الفرس, لأن الروم كانوا أصحاب كتاب, أما الفرس فكانوا عبادا للنار.(غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) وعلى هذا الأساس, يكون من الواجب على المسلمين شرعا مساندة أهل الكتاب, ومناصرتهم على أهل الشرك.
.فإذا وقعت المواجهة بين أهل الكفر والضلال بعضهم مع بعض, فهنا تتساوى المعادلة, وعندئذ تكون الغلبة للأكثر قوة وعتادا, وعلما بفنون الحرب. مثال ذلك الحرب العالمية الأولى, والثانية التي انتهت بانتصار الحلفاء, لأنهم كانوا أوفر قوة, وأكثر نفير.فإذا حدث أن وقعت الحرب بين المؤمنين, فالنصر يكون لأصحاب العقيدة الأصح, أو للفئة التي بغي عليها, فإن لم يكن ذلك, فالحرب تكون سجالا بينهم. (مثال ذلك وقعة الجمل, ووقعة صفين, التي دارتا بين سيدنا علي كرم الله وجهه, ومعاوية بن سفيان رضي الله عنه, لأن الحرب كانت منهما اجتهادا. (والمجتهد له أجران إن أصاب, وإن أخطأ فله أجر واحد). والمطلوب منا في هذه الحالة, تقريب وجهة نظرهما, والإصلاح بينهما.وفقا لقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين }
هذه النماذج من الحروب, وما يرتبط بها من نصر, وهزيمة, نجدها تتكرر في العصر المعاصر. فهذه أمريكا رغم ما تملك من قوة, وعتاد, وأموال, و تكنولوجية حربية ذاقت الخزي, والهوان ,على يد المقاومين الفيتناميين, لأنهم آمنوا بقضيتهم العادلة,فبذلوا في سبيلها التضحيات الجسام, كما خرجت من لبنان, و الصومال مهزومة, مندحرة. وهذه فرنسا وبجانبها الحلف الأطلسي, طردت من الجزائر تجر أذيال الخيبة فارة بجلدها, أمام المجاهدين الجزائريين الذين كانت تلقبهم[ بفلاقة](أي مهشمي الرؤوس), وقد رضيت كما يقال من الغنيمة بالإياب.وكم حدثنا التاريخ عن حرب أنوال في شمال المغرب, التي قادها المجاهد عبد الكريم الخطابي, مع فئة قليلة آمنت بربها, وبالجهاد في سبيله, ضد الحلف الأطلسي بقيادة إسبانيا فهزمته بإذن الله شر هزيمة, وهي لا تملك يومئذ من الأسلحة ,إلا الإيمان, وما غنمته من عدوها. فكانت بذلك رائدة حرب العصابات, بلا منازع في عالمنا المعاصر.وهل ينسى التاريخ هزيمة الاتحاد السوفيتي, وهو يومئذ ثاني أعظم قوة عسكرية ونووية في العالم, على يد ثلة من المجاهدين هبوا لنصرة دينهم, فأسقطوا عدوهم من عليائه, ومرغوا أنفه في التراب, وشتتوا جمعه, وفتتوا اتحاده إلى غير رجعة.
وفي أيامنا هذه, حقق حزب الله في لبنان أروع الانتصارات التي ظل العرب يحلمون بها منذ 1948على الرغم من قلة عدده وعدته, مقارنة مع عدوه , الذي ظل يرهب العرب ردحا من الزمن, إلى درجة أنهم أصبحوا لا يجرؤون على التفكير في محاربته, بل تحولوا إلى حراس لحدوده. الشيء الذي أحرج الأنظمة العربية أمام شعوبها, وجعل الشعوب تتساءل عن جدوى ترسانة الأسلحة التي تقتنيها الدول العربية على حساب أرزاقهم, إن لم تستعملها في الذود عن الوطن, والمواطن العربي, أو عندما تنتهك حرمتهما.
طبقا للمنطق المادي العسكري, لا يمكن على الإطلاق أن تحدث مثل هذه الانتصارات لصالح هذه الفئات المستضعفة في الأرض. ولكن الله يريد أن يمن على الذين استضعفوا في الأرض ويجعل منهم أئمة وورثة لأرضه.
إن الحروب التي خاضتها الجيوش العربية ضد إسرائيل(12 مليون نسمة منتشرة في العالم). كلها فشلت, ولم تستطع إلحاق أي هزيمة بإسرائيل, ولو جزئية, بما في ذلك حرب أكتوبر ,1973التي حاولت بعض الدول العربية ,عن طريق الدعاية الإعلامية تحويلها إلى نصر كاذب, علها تدغدغ مشاعر شعوبها, وتوهمهم بالنصر. مع العلم أن الدول العربية تنفق على تسليح المؤسسات العسكرية ما يزيد على 60 مليار دولار سنويا كما يقول الخبراء العسكريون, (أغلب هذه الأسلحة خردة أو أقل جودة مما يملكه الغرب) هذه الميزانية العسكرية في نظري لو دعمت بها مليشيات جهادية كحزب الله في لبنان, و حركة حماس في فلسطين,أو المحاكم الشرعية في الصومال… لكفت الجيوش العربية القتال ضد إسرائيل, بل ولدافعت عن الأنظمة العربية ورفعت رؤوسها إلى السماء. لأن مثل هذه الحركات الجهادية, لا تطمع في الحكم, ولا تهتم به وإنما تريد العزة لله ولرسوله وللمؤمنين, وتريد تحرير الأوطان ,والعباد.
إن هزائم العرب المتتالية أمام إسرائيل لا يعود في تقديري إلى تفوق, إسرائيل المادي, والعسكري, والتكنولوجي, والدعم الأمريكي ,الغير مشروط فقط,بل إلى العقيدة اليهودية التي آمنت بها إسرائيل وظلت تحارب من خلالها العرب . بينما العرب (أزيد من مائة مليون نسمة) ظلوا يواجهونها بشعارات قومية لائكية, فكان النصر دائما للعقيدة الدينية, ولو كانت فاسدة,على الشعارات لا دينية مهما كانت ,لأن ناموس الله الحربي يريد ذلك.
لقد أثبت الواقع أن المؤسسات العسكرية العربية مجتمعة عجزت, عن مواجهة جيش إسرائيل, الذي (لا يقهر) .وأصبحت كل الدول العربية, التي لها حدود مع إسرائيل, متشبعة بثقافة الهزيمة, تتحاشى الدخول معها في نزاع, بل أصبحت حارسة لحدودها مانعة أي تسرب للسلاح, إلى المقاومين في أرض فلسطين. يقول يوسف القرضاوي في إحدى خطب الجمعة. (إن الريح لا تستطيع أن تمر من الحدود المصرية, والأردنية, إلى فلسطين .- ودعا إلى فتح الحدود أمام المقاومين أو غض الطرف عنهم – ويصرح أحد القادة العرب بأن له 7 ملايين عاطل في بلده, وهو غير مستعد للدخول في حرب من أجل لبنان.و هل عدم دخوله في عداء مع إسرائيل, سيحل مشكل البطالة في بلاده ؟وهل حل مشكل البطالة عندما توارى عن ساحة لبنان؟ (لو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا)
إن حزب الله الذي استوعب نواميس النصر التي وضعها الله لعباده, وآمن بأن النصر لا يكون إلا من الله.{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}, وامتلك ثقافة النصر. دخل الحرب وهو حريص على الشهادة, كما يحرص عدوه على الحياة, لا يقبل الدنية في دينه ووطنه, كله إيمان بأنه سيقتل ويقتل. ولكن( قتلانا في الجنة, وقتلاهم في النار) (طبقا للناموس الإلهي في الحربي) . و هو يعلم أيضا, حق العلم أن الحرب مدمرة ,ولها آثار نفسية, ومادية, وخيمة على الفرد, والمجتمع, ولكنه آمن وصدق بقوله تعالى: (فإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ).
فوقف صابرا محتسبا أمره إلى الله, لا يفكر في الفرار, أو التراجع أمام العدو, حتى ولو مكنه هذا الأخير من ذلك. كما حدث في بعض المعارك, في جنوب لبنان, إذ كان العدو يخشى ملاقاة جند الله, فيفسح أمامه الطريق, ويغض عنه الطرف عله ينسحب. لكن جند الله كان يأبى إلا المواجهة , لأن سلعة الله غالية, فهي إما النصر, أو الجنة, و لأن الدين الإسلامي ,علمنا أن التولي يوم الزحف من أكبر الكبائر.( إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ) .على خلاف العسكري النظامي فهو أحرص الناس على حياة, جبان بالقوة, محارب بلا قضية, ولا إرادة , بل بالأمر العسكري, ومن ثم فهو مستعد للفرار في كل لحظة, يحمل في ذاته جينة الفرار إن صح التعبير. وهذا ما يفسر وجود الجنود الإسرائيليين في حرب 1973 موثقين إلى دباباتهم وطائراتهم .
أمام غطرسة الغرب ,وقوته العسكرية, والتكنولوجية, وأمواله الطائلة, التي غالبا ما يسخرها لشراء الذمم, وسيطرته الإعلامية .ليس أمام العالم الإسلامي, إذا أراد المواجهة, و التحرير, إلا نموذج حزب الله في لبنان, وحماس في فلسطين, وجبهة التحرير في الجزائر, وجيش التحرير في المغرب…لأن المقاوم لا يأتي الحرب إلا طائعا متطوعا طالبا للشهادة , ملبيا النداء الداخلي الذي يطلبه للنصر, أو الشهادة .على خلاف العسكري النظامي الذي لا يأتيها إلا كارها, مرغما, ملبيا للأمر العسكري, همه الوحيد الحرص على الحياة, والرجوع سالما متوجا بأعلى رتبة عسكرية ,و كثيرا ما نسمع أن بعض قادة الجنود يقتلون منافسيهم في ساحة الوغى, أو يتآمرون عليهم مع العدو من أجل الرتب العسكرية, ومن أجل إتاوات مادية , فتكون النتيجة , الانقلابات العسكرية,والهزائم النكراء…(نموذج حرب 1967أو ما يسمى بحرب 6 أيام أو 6 ساعات. تحطمت فيها كل القوى العسكرية المصرية, والسورية, والأردنية) .كل ذلك بسبب الخيانات ,وعدم إخلاص العسكري النظامي لمؤسسته ,لأنه ملحق بها مضطرا غير راغب , ولا راض ,ولا مؤمن, أو طامع. على خلاف المقاوم الذي ينخرط في المقاومة ,وكله إيمان بقضيته إلى درجة الحلول بها والاندماج الكلي معها.
إن المقاوم لا يحتاج إلى نفقات باهظة, كالعتاد الحربي, واللوجستيكي, والأجرة الدائمة والترقية ,واللباس ,والسكن, وغيرها من النفقات العسكرية الضرورية, التي يتطلبها النظام العسكري, والتي قد لا تستطيع الدولة تحملها, وغالبا ما تدخل بسببها في المديونية الربوية التي تثقل كاهلها, و تفقدها سيادتها في اتخاذ القرارات,وتِؤدي بها إلى التبعية ألا مشروطة.
إن المقاوم يجهز نفسه بنفسه لا يكلف الدولة إلا التأطير, والتوعية ,إن لزم الأمر. ( جيش العسرة, و مقاتلو معركة أنوال نموذج ).وليست له عقدة الرتب العسكرية ,لأن الإمارة عنده من الدين, وهي مسؤولية عظيمة يحاسبه الله على أي تقصير, أو تفريط يصدر منه في حقها, ومن ثم فهو يتحاشاها, ولا يطلبها, ولا يقبلها , إلا نزولا عند رغبة جماعته وإلحاحها عليه, وهو مستعد للتخلي عنها في أول فرصة تتاح له. لأنه يقاتل من أجل النصر, أو الشهادة, لا من أجل دنيا يصيبها. وهذا ما يفسر لنا صعوبة الاختراق الأمني للمقاومة .
أثبت الواقع أن الجيش النظامي أثناء الحرب, يتلقى ضربات موجعة, لأنه يسهل على العدو ضرب تجمعاته, ومكامن قوته, وأسلحته, وربما قبل أن تتحرك إلى ساحة الوغى, و ذلك لسهولة اختراق نظامه السري في إدارة شؤون الحرب ,لأن العدو يجد دائما من الجواسيس, من يقوم له بالمهمات الصعاب مقابل المال .أم بالنسبة للمقاومة فمهما تلقت من الضربات فلن تكون إلا محدودة ,لأنها سريعة الحركة لخفة عددها وعدتها , سريعة التغيير لخططها الحربية (أسلوب الكر والفر). لها صلاحية اتخاذ القرار الفوري والامركزي, قلما تتأثر بالقرارات السياسية.( حركة الجهاد في فلسطين) عدادها يتزايد باستمرار بتزايد المتطوعين.على خلاف الجيش النظامي, فهو معرض ثناء الحرب لفرار الجنود, ولرفض الاحتياطيين الالتحاق بالجندية, ومقيد بالأوامر المركزية البيروقراطية, زيادة على شعور الجندي البسيط بالدونية والضغط المستمر الممارس عليه من طرف قائده المباشر-‘نسمع الكثير عن المعاملات ألا أخلاقية, وألا إنسانية التي يتعرض لها الجنود والمجندات, وخصوصا هتك العرض , والتحرش الجنسي -.ولقد وجدت مجندات أمريكيات متوفيات في فراشهن, بسبب جفاف أجسامهن ,لأنهن كن يخفن من الخروج ليلا لشرب الماء أو للذهاب لدورات المياه, حتى لا يتعرضن للاغتصاب.
انطلاقا من كل المعطيات السابقة على الدول العربية, والإسلامية, إذا أرادت التحرير والخروج من الهيمنة الغربية. أن تسلم الراية لشعوبها , وتمكنهم من ثقافة الانتصار الخالدية (نسبة إلى خالد بن الوليد) وتكوين مليشيات توكل لها مهمة الدفاع عن العباد, والبلاد, والنظام. وذلك بفتح مدارس قرآنية, تدرس القرآن وعلومه الشرعية والجهادية – حتى لا تترك الساحة لكل من هب ودب -, وفنون الحرب, والقتال إلى جانب العلوم العصرية التي لا غنى لنا عنها .لأنها فرض كفاية.
Aucun commentaire