Home»Régional»تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه ( 24) : نظرات في عامية أهل بسيط أنـﯕاد

تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه ( 24) : نظرات في عامية أهل بسيط أنـﯕاد

0
Shares
PinterestGoogle+
 

تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (24)

                                               ذ: الفيلالي عبد الكريم

نظرات في عامية أهل بسيط أنـاد.

1- اهتمام المغاربة بتوثيق العامي الفصيح

  اهتم المغاربة بموضوع العامية، وخاصة بالمعجم الفصيح فيها، وهذا يعكس بعد النظر في التعامل مع الموضوع والمتمثل في جعل العامية دعامة للفصحى وفي خدمتها، وكذلك التقريب بينهما.

   لا نجد، في حدود علمي، إلا أحمد الرهوني (1373هـ) من الذين  عملوا على جمع وتوثيق عامية تطوان دون تمييز بين العامي فيها مطلقا وبين العامي الفصيح. وقد كان مشروع الرهوني يضم إضافة إلى تدوين العامية تسجيل العادات والتقاليد بالمدينة، وضم كل ذلك كتابه « عمدة الراوين في تاريخ تطاوين »، حققه جعفر بن الحاج السلمي، وقد أوكل إلى إحدى تلميذاته بمهمة دراسة وتهذيب معجم العامية التطوانية الواردة فيه. تقول زينب بن عبود مهذبة الكتاب في مقدمتها له: «وإذا قمنا بإحصاء كل ألفاظ المعجم، نجد أنه ضم 1650 كلمة. وهي كلمات تهدي للقارئ بعض المعارف الأساسية الضرورية لتعلم اللهجة التطوانية»[1]. ولمثل هذه الأعمال قيمة توثيقية مهمة إذ تمكننا من رصد التطورات التي قد تلحق العامية في ما بعد. ولعبد المنعم سيد عبد العال من مصر دراسة حول لهجة شمال المغرب (تطوان وما حولها)[2]، غير أنها ركزت على الجانب الصوتي والصرفي دون الاهتمام بجمع المادة اللغوية.

  وألّف أحمد بن محمد الصبيحي السلاوي (ت 1944م):  قبل الاستقلال كتابا في الموضوع نفسه نُشر بعد وفاته سماه « معجم إرجاع الدارج في المغرب إلى حظيرة أصله العربي »، وقد بلغ عدد كلماته سبع وثمانين وتسعمائة كلمة، وأنبه هنا إلى أنه اعتمد في ترتيبه على أوائل الكلمة دون نظام الجذور.

ويبقى عمل الصبيحي رائدا في هذا المجال لسبقه الزمني ومخالفته لعمل المستشرقين الذين حين ألفوا في الموضوع[3]، إذ جمعوا الألفاظ العامية دون تمييز بين ما هو عامي محض منها وبين الفصيح، كما أن دوافعهم لم تكن بريئة؛ فالخلفية الاستعمارية التي كانت تطمح إلى إحلال العامية مكان الفصحى كانت دوما حاضرة في أعمالهم. ويقول محمد بن شريفة: «ومن الواضح أن هذا الاهتمام الكبير باللهجات المغربية في عهد الحماية لم يكن بريئا ولا خالصا لوجه العلم، وإنما كان نتيجة تخطيط استعماري بعيد المرامي، وهذا ما كشف عنه المستعمر الفرنسي الشهير جورج كولان الذي كانت سلطات الحماية الفرنسية ترجع إليه وتستشيره في المسألة اللغوية بالمغرب، فقد كتب هذا المستعرب في الأربعينيات بحثا عالج فيه مشكلة اللغة في المغرب واستبعد ما كان يطالب به الشباب المغربي المثقف من نشر الفصحى واعتبر إحلال الفصحى محل الدارجة أمرا عسيرا، واقترح – فيما اقترح – حلين: أحدهما « تعميم الدارجة التي يفهمها الجميع واتخاذها كلغة للثقافة » والآخر هو « تعميم اللغة الفرنسية في المغرب وجعلها للثقافة وحدها »»[4]. وقد ردّ عبد الله  كنون على كولان بمقال يفند مزاعمه.[5]

إنّ منطلق الباحث المغربي حين يبحث في العامية هو تدعيم الفصحى وتقويتها وتيسير التواصل بها. وهكذا نجد الصبيحي يبحث عن الفصيح في العامي ويحاول أن يبحث عما انحرف عن الفصيح ليرده إلى أصله الفصيح، إذ يقول: «كثير من الدارج بالمغرب يظنه بعض الناس وأحيانا بعض علمائنا ليس بعربي والحال أن أصله ثابت في كتب العربية المعتبرة، وليس هذا ببدع ولا غريب عند من علم أن العامة الناطقين بهذا الدارج إنما هم سلالة أو ورثة أولئك الأعراب الأقحاح الداخلين للمغرب أفواجا عظيمة مرة بعد مرة أخرى بلغة اتسعت مادتها حتى لِمَا وجدته أمامها فأثرت أثرها البالغ الذي توارثه الجيل عن الجيل إلى أن وصل إلى عامة اليوم أحيانا بدون أدنى تغيير أصلا وغالبا ببعض تغييرات … وكلها عند إمعان النظر ترجع لقصد تسهيل النطق وتخفيف وطأته عند كثرة دوران الكلمة في الاستعمال»[6]

    كما هو معلوم أن الصبيحي توفي سنة 1944م، وتبدو ريادته في الوعي بما تضمنته العامية من ألفاظ فصيحة، وما جمعُه لها إلا قصد الاستفادة منها عن طريق توظيفها، وأشار إلى أن ما لحق الباقي من تحريف يعود إلى كثرة دورانها على الألسن، وإن لم يفصح عن ذلك فبسبب دورانها يتم اللجوء إلى الاختصار والحذف لأن المتكلم ينحو إلى الاقتصاد في الجهد أثناء التحدث.

  وكان قد اطّلع الصبيحي  في سفره إلى مصر قبل تأليفه للكتاب على كتب في هذا الشأن.[7]

     ومن بين الكتب التي ألّف المغاربة حول العامية نجد مؤلفا للشاعر محمد الحلوي وسمه بـ « معجم الفصحى في العامية المغربية »، والملاحظة نفسها نسجلها لما سبق أن بيناه عن ترتيب كتاب الصبيحي، وهي بناء الكتاب اعتمادا على الكلمات وليس على الجذور، وقد ضم كتابه ثمان وعشرين وسبعمائة كلمة. يقول محمد الحلوي في مقدمة كتابه: «على الذين يقترحون استعمال العامية في المسرح ويتنبأون مستقبلا بحلولها محل الفصحى في الكتابة والتعبير أن يكلفوا أنفسهم قليلا من البحث في العامية ليكتشفوا أنها تختزن رصيدا مهجورا من الفصيح وأن الرجوع إليه معناه إحياء ما دفنه الزمن في طياته من كلمات الفصحى التي يتضايقون منها»[8].

  وقد خاض عبد الله كنون في الموضوع وجرد عدة كلمات فصيحة في العامية المغربية، غير أنه لم يستقص كل الكلمات لأنه كان في حال سفر أثناء تحرير مقاله، ولم يتجاوز عدد الألفاظ التي ذكرها خمسين كلمة. يقول عبد الله كنون في مقدمة مقاله: «وبعبارة أوضح تسجيل ما في العامية المغربية من كلمات صحيحة الاستعمال وبعضها مما لا شك في فصاحته لأنه ثابت في كتب اللغة إلا أنه من الغريب الذي لم يعد مستعملا في لغة الكتابة والبعض الآخر مما تميزت به العامية المغربية»[9].     

  وقد كتب محمد الفاسي في الموضوع ووثّق مجموعة من الكلمات العامية ذات الأصول الفصيحة، يقول في مفتتح مقاله: «إن دراسة اللهجات العربية العامية والبحث عن أصولها واشتقاقاتها وتطور معانيها واستعمالاتها من البحوث التي تساعد على فهم عقليات المتكلمين بهذه اللهجات ومظاهر حضارتهم وعوائدهم وكثير من أحوالهم، ولا شك أن المفردات المستعملة في هذه اللهجات تكاد تكون كلها عربية الأصل، وما دخلها من الألفاظ الأعجمية أقل من القليل ولا أعني بهذا ما تعبر عنه بالدّخيل فذلك وقع قبل الإسلام في أكثره وتضمه المعاجم العربية بل ورد حتى في القرآن الكريم »[10].

  نلاحظ أن الاهتمام انصبّ على نوعين من الكلمات؛ كلمات متداولة عند العامة وهي فصيحة غير أنّ كثيرا منها يجهل أن أصولها فصيحة، وثانية لحقها تحريف تم إرجاعها إلى أصولها الفصيحة، ومنطلق هؤلاء الباحثين ذوي المكانة العلمية الرفيعة في الثقافة المغربية كان هو خدمة اللغة العربية الفصحى بالتدليل على المشترك بينها وبين  العامية.

[1] ـ  معجم الرّهوني للغة العربية العامية التطوانية (دراسة وتهذيب). زينب بن عبود. منشورات جمية تطاون أسمير. تطوان. ط: 1. 2007. ص: 19.

[2] ـ عنوان الكتاب: لهجة شمال المغرب « تطوان وما حولها ». طبع بدار الكتاب العربي بالقاهرة. سنة 1968.

[3] ـ أذكر من ذلك عمل كزميرسكي في: « المعجم العربي الفرنسي، وكولان في: « معجم العامية المغربية » وغيرهما.

[4] ـ  حول معاجم العامية المغربية: عرض تاريخي. محمد بن شريفة. الأكاديمية. مجلة أكاديمية المملكة المغربية. العدد: 18. سنة 2001. ص: 99.

[5]  ـ ينظر: التعاشيب. عبد الله كنون. دار الكتاب اللبناني. ط 2. 1975. ص: 96 وما بعدها.

[6] ـ معجم إرجاع الدارج في المغرب إلى حظيرة أصله العربي. أحمد بن محمد الصبيحي السلاوي. تقديم وتخريج محمد حجي. منشورات الخزانة العلمية الصبيحية. سلا. المغرب. (المقدمة) ص: 25.

[7] ـ أشار الصبيحي في مقدمة كتابه إلى أنه اطلع على بعض الكتب المصرية منها: « أصول الكلمات العامية » لحسن توفيق، و »الدرر السنية في الألفاظ العامية وما يقابلها من العربية » لحسين فتوح ومحمد علي عبد الرحمن، و »تهذيب الألفاظ العامية » لمحمد السوقي. ينظر معجم إرجاع الدارج في المغرب إلى حظيرة أصله العربي. ص: 54 و55 و58.

[8] ـ معجم الفصحى في العامية المغربية. محمد الحلوي. شركة النشر والتوزيع المدارس. الدار البيضاء. 1988 . ص: 9.

[9] ـ خلّ وبقل (مجموعة مقالات أدبية ونقدية). عبد الله كنون. ص: 61.

[10]  ـ الألفاظ المغربية العامية التي لها أصل في الفصيح. محمد الفاسي. مجلة المناهل. العدد: 16. 1979. ص: 54.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.