Home»Régional»محمد بوجمعة: تاريخ وذاكرة -3- كلب السبيكتور

محمد بوجمعة: تاريخ وذاكرة -3- كلب السبيكتور

1
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي
اسمه « REP » من النوع المستعمل كبوليسي ألماني « Berger Allemand »، دخل تاريخ وذاكرة هذه الحومة من بابهما الواسع، وذلك لكونه أدخل الرعب في جميع أبناء الحي. فمن لم يتم عضه، فعلى الأقل تم ترهيبه وإرغامه على تحقيق رقم قياسي في المائة متر بدون حواجز.
لحد الآن، لازالت الفوضى التي كان يسببها « ريب » والهلع الذي كان يدخله في القلوب، لغزا محيرا، ولازلنا بعد أزيد من ثلاثين سنة نتساءل: هل كانت عملية إطلاق « ريب » مقصودة في حد ذاتها وأريد بها إرهاب الحي وتخويفه؟ أم أن الأمر كان بنية إطلاقه ليأخذ حظه من التجوال والجري على اعتبار أنه يظل محبوسا طيلة النهار؟
لازالت الآثار النفسية تجد مكانها من التاريخ وتنطبع في صورة أو في أخرى في الذاكرة، إذ بمجرد أن طرحنا الموضوع للتداول في بورصة الأفكار اعتمادا على استحضار الماضي بأدق تفاصيله وأحداثه، حتى انطلقت شهادات حية لازالت تتذكر عضة، أو تستشعر خوفا كرابط ذهني، تحول إلى كابوس كلما تمت رؤية كلب بنفس الشبه والشراسة.
« ريب » كلب السبيكتور، كما تمت تسميته كناية عن صاحبه « inspecteur de travail »، بقدر ما كان مرعبا يصنع حالات الهلع في الحي، بقدر ما كنا نجد في مطاردته لنا متعة وكأننا أمان نوع من ألعاب الموت « jeux de la mort  »
بنيونس، خالد، عمر، نماذج من ضحايا هذا الكلب، وربما حين تم عضهم كان الأمر مضنيا ومؤلما وربما مبكيا كذلك، ولكن على بعد هذه المسافة الزمنية في عمق التاريخ تحولت تلك الأحداث إلى حكايات مضحكة نذكرها ونضحك منها ضحكا مخضبا بالدموع.
عمر الشاب الظريف المحبوب، الذي كان يحافظ على صلاة الصبح في مسجد مولاي يوسف، ما عاد يحافظ عليها في بيت الله منذ اعترضه « ريب » ورجع إلى عائلته مرعوبا وفي نفس الوقت حامدا لله شاكرا له لكونه نجا من عضة محتومة. ولكن ليس في كل مرة تسلم الجرة.
فما وقع لعمر حدث للعديد من أبناء الحي، وأخي الأكبر أحدهم، رأيته يوما يضع عصا عند رأسه قبل النوم، فسألته عن سرها، فأخبرني أنه البارحة عاد أدراجه ولم يصلي الصبح في المسجد لأنه دخل في صراع مع « ريب » فأخذ قرارا نهائيا هو الدخول في مواجهة دموية جهادية في سبيل الحفاظ على صلاة الصبح، رأيت جدية في قسمات وجهه وهو يتحدث عن الأمر كأنه سيدخل معركة مع كفار قريش.
إن جرائم « ريب » الإرهابية لم تكن مقتصرة على أبناء الحي فحسب، بل طالت القطط والكرات كذلك، وربما عدد الكرات التي قام بتمزيقها بأنيابه الحادة لا يحصى ولا يعد لأن منزل السبيكتور كان ذا حائط قصير يسمح بسهولة بمرور الكرات أثناء المقابلات التي تجري وسط الدرب. أما المارة فكان يشكل لهم تهديدا حقيقيا لكونهم لا علم لهم بوجود وحش عندما يتم فك رباطه ينطلق كالثور الهائج الذي يتجه صوب أي شيء يتحرك، لازلت أتذكر تلك المرأة التي قام بتمزيق جلبابها إربا، وللأسف الشديد أن مالكيه كانوا لا يبالون، ويتعاملون بكامل البرودة مع هذه الأحداث الدموية، مما جعل تحرشات الكلب لا تتوقف ولا تنتهي، وهو الأمر الذي فرض علينا أن نطرح سؤالا وجيها لم نجد له جوابا لحد الآن وهو: هل كانت عملية إطلاق « ريب » مقصودة في حد ذاتها وأريد بها إرهاب الحي والمارة وتخويفهم؟ أم أن الأمر كان بنية إطلاقه ليأخذ حظه من التجوال والجري بحجة أنه كان يظل محبوسا طوال اليوم؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.