Home»Régional»مساء الأربعاء بباديتنا

مساء الأربعاء بباديتنا

0
Shares
PinterestGoogle+
 

شحلال محمد
كلما حل يوم الأربعاء،إلا وعادت بي الذكرى إلى عقود خلت،حيث كان هذا اليوم مخصصا لإنهاء آخر الاستعدادات من أجل التسوق صباح اليوم الموالي.
كان جل الأهالي يضطرون ،،لاستعارة،،قطعة سكر ممن يسر الله عليهم،لأن ،،الرافيطايما،،غالبا ما تستنزف يوم الثلاثاء،فيحرم،،الواشون،،من كؤوس الشاي التي لا غنى عنها باعتبارها المادة الأساسية في التغذية المحلية.
كان نفاذ باقي المواد أمرا اعتياديا،لكن غياب ،،الصينية،،يعني أن انقلابا قد حصل في وتيرة الحياة المعتادة،لا سيما وأن الشاي يعتبر هناك بلسما لآلام الرأس ،فضلا عن قيمته الغذائية، ولذلك كان المعوزون يحسبون ألف حساب لاقتراب يوم السوق الأسبوعي متمنين ألا يفاجئهم ضيف في تلك الظروف الحرجة أواخر الأسبوع،حيث يفقد القرى فيجف معه مابقي من ماء الوجه !
لا يمر النصف الأول من يوم الأبعاء،حتى تكون النساء قد أنهين عملية نسج الحصير التجاري (أجرثيل)،الذي يعتمد على عائداته العديد من الرجال للتسوق.
لم يكن من الغريب أن نلاحظ أحد مظاهر التضامن بين الجيران،حيث تبادر بعض الجارات إلى مؤازرة صديقاتهن اللواتي تأخرن في ،،أقظاو أوجرثيل،،أي أنهن يساهمن في إنهاء عملية النسج حتى تكون السلعة جاهزة للتسويق.
وفي مقابل الاتجار في الحصير،فإن بعض الناس ،كانوا يفضلون ،،ثاجليبث،، وهي بيع رأس أو أكثر من الشياه،ثم تدبير عائداتها بما يضمن التوازنات المالية التي لم تنجح فيها حكوماتنا إلى الآن !
قبيل المغرب،يتفقد الرجال ملابس السوق التي تم تنظيفها خلال النهار،ولا يلبسونها إلا في الصباح الباكر مخافة أن تعلق بها البراغيث والقمل المنتشر يومئذ ،فيتحول صاحبها إلى مادة للتندر في المقاهي الشعبية التي يتحلقون فيها حول كؤوس الشاي .
كنا نشاهد أرباب البيوت يخرجون موسى الحلاقة(المطوي)المحفوظ في قطعة قماش، ومعها شفرة يمددون في عمرها ولو على حساب إهابهم الذي لا تخفى آثار المعركة التي يخوضها قسرا !
كانت حلاقة الرأس بدون تصنيفات،حيث أن المطلوب هو تعرية الرأس مما نبت فيه من شعر حتى يأخذ شكل بطيخة لم تصل مرحلة النضج،وبالمقابل فإن بعض الرجال ،كانوا يحرصون على تربية شاربين يروضونهما ليسيرا في الاتجاه العلوي الذي يرمز إلى الرجولة التامة !
لقد كان للشاربين الصاعدين وقع خاص في نفوس الآخرين ،إلى درجة أن شوارب بعض الناس قد تحولت إلى قدوة يتأسى بها اللاهثون وراء الرموز،حيث أن بعض هذه الشوارب قد تحولت إلى معالم تنسي الناس في باقي مكونات شخصية صاحبها.
ليس أمر الشوارب بغريب في وسط له تراثه الثقافي الخاص، ذلك أن الأهالي ظلوا أوفياء لمقولة مأثورة في عالم الشوارب:
(شلاغم الضد ،إكبروا ويطلعو للخد، وشلاغم النم،إكبروا ووليوا للفم)! ولذلك كنت ترى بعض الأشخاص لا يكفون عن لف شواربهم وتوجيهها نحو الأعلى ،حتى يصدق فيهم معنى المقولة المرجعية !
كان السوق ببلدتنا يعج بالحركة منذ زوال يوم الأربعاء، حيث يقصده القادمون من الوجهات البعيدة،مما يخلق رواجا منقطع النظير في المقاهي الشعبية،التي كانت روائحها المعتقة جذابة،خاصة في مثل هذه الأيام التي ينضج فيها لفت محلي خالص، غالبا ما يكون عنصرا أساسيا في الطبق الذي يعتمد زيت الزيتون التي تغزو السوق في الفترة ذاتها، وكأن بينها وبين اللفت علاقة لا تنفصم !
كان العديد من الناس ينجذبون نحو السوق مساء يوم الأربعاء للاستمتاع بنكهة العشاء الذي يعد في هذه المقاهي التي تشترك كل مقوماتها في الأصل الطبيعي المحض.
كان أهلنا يتوجهون نحو السوق في الصباح الباكر حتى يتمكنوا من تصريف سلعهم البسيطة في ساعات النهار الأولى ليتداعوا لشرب الشاي مرفوقا بقطع الخبز التي يعرضونها لحرارة الجمر حتى تستعيد جاهزيتها للتحويل السلس !
كان المتسوقون يقضون بياض اليوم في ذرع جنبات السوق ،بحثا عن الأخبار والحوادث التي جرت في غضون الأيام السابقة، ليجدوا مادة خصبة للسمر عند العودة.
أما النساء،فإنهن يجتمعن خلال يوم السوق للترويح عن النفس واستغلال الفرصة للاغتسال لاستقبال ،،مول الخيمة،،الذي ربما يفاجىء شريكته بقطع من السواك أو لباس من نوع،،قاطونا،،الذي يوفر بعض الدفء في فصل البرد،وقد تكتمل الفرحة إذا وجدت الزوجة ضمن ،،القش،،زوجين من حذاء بلاستيكي منذور للبدو، قد يخفف من شقوق القدمين التي تزدهر في هذا الفصل.
لم يكن للمرأة من عطلة إلا يوم السوق،لتستأنف معالجة الحلفاء منذ فجر اليوم الموالي احتراما لجدول زمني غير قابل للتعديل !
كانت الفترة عصيبة،لكنها لم تخل من حلاوة بسبب بساطة الطموح الذي كان ينحصر في توفر أساسيات الحياة، ليخصص باقي الوقت لإضفاء ملح خاص على الأجواء الأسرية المرحة التي افتقندناها عندما اختلت شروطها.
*سبق الحديث في هذا الموقع عن أجواء السوق،لذلك اقتصر الكلام على عشيته التي يراودني حنينها كلما تعاقبت الأيام.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.