دلالة الاتفاق بين شيعة لبنان وسنتها
تناقلت وسائل الإعلام خبر توصل حزب الله الشيعي مع السلفية السنية في لبنان لتوافق يمنع الاصطدام المسلح بين الطائفتين. واختلف الناس حول هذا التفاهم بين مؤيد ومبارك له ، ومعارض ومشكك فيه.فالذين باركوه انطلقوا من خلفية حسن النية والظن بالفريقين، والذين شككوا فيه انطلقوا من خلفية سوء الظن بالفريقين. أما من أحسنوا الظن فقد غلبوا العقيدة على السياسة ، وأما الذين أساءوا الظن فقد جعلوا السياسة فوق العقيدة.
ولو تأملنا حقيقة ما يفضي بالفريقين إلى صدام كما حصل مرارا لوجدنا التأطير الديني هو المسئول عن هذا الصدام. فعندما تعمد المرجعيات الدينية إلى أمور الخلاف بين المذاهب داخل دائرة الإسلام فتؤججها كما تؤجج النار ، وتروج لها بين العامة والسوقة الذين لا يملكون الأرصدة الكافية من العلم للميز بين ما يصح وما لا يصح شرعا وعقلا تكون العواقب وخيمة. فالعامة يتلقفون ما يسمعون ممن يسمى مرجعا دينيا يلبس العمامة فيجلس إليهم وصيا عليهم وعلى تدينهم ينقل أخبار الدين عبر تاريخ طويل فيكشف عن مصادر ويسكت عن أخرى ، ويزكي مصادر ويطعن في أخرى ، ويقدم ما شاء ويؤخر ما شاء معطلا العقول والأفهام بفرض آرائه التي تقدم كمسلمات لا تقبل الشك وتفوق اليقين ، فيتلقف العوام ما يسمعونه ممن يظنوه مرجعهم في الدين فيعمدون إلى التطبيق الأعمى لما يسمعون فتكون النتيجة الصراعات الدامية التي تحرف الجهاد ليصير مجرد اقتتال تزرعه المرجعيات الدينية ليستفيد العدو الحقيقي منه فائدة كبرى .
لقد كان بإمكان كل المرجعيات الدينية وكل المرجعيات السياسية ومنذ زمن بعيد أن تتوافق على نقطة واحدة وهي تأجيل كل الخلافات المذهبية المفضية للصراعات ريثما تتخلص البلاد الإسلامية المحتلة من المحتل الغاصب. فإذا كان قدر المسلمين هو أنهم جسم واحد يتداعى أعضاؤه للعضو الواحد إذا ما اشتكى فإنه لا مبرر لنزاع أعضاء الجسم الواحد في حال شكوى أحدها، ذلك أن خاصية الصراع داخل الجسم الواحد غير مقبولة عقلا ومنطقا إذ لم يحصل أبدا أن شاهدنا جسما واحدا يتسلط بعض أعضائه على البعض الآخر بالعدوان إلا أن يكون صاحب هذا الجسم الواحد مجنونا مخبولا.
فالتوافق الذي حصل بين بعض الشيعة وبعض السنة في لبنان ونقل عبر وسائل الإعلام كحدث جديد هو أولوية كان لا بد أن تكون منذ أن تسلط العدو على بلاد المسلمين وليس مجرد رغبة من قيادة الطائفتين بعدما تأكد أن التأطير الديني السيئ قد أفضى بالعوام إلى ما لا تحمد عقباه.
والاتفاقات المؤقتة بين الطوائف لا تجدي نفعا طالما أن مرجعيات هذه الطوائف لم تشطب من تنظيراتها المحسوبة على الدين الأمور الخلافية والعدائية المتسببة في جر العوام من الأتباع إلى الهاوية . فالذين يريدون توافقا بين العوام من شيعة وسنة عليهم أن يتقوا الله فيهم فيعرضوا عن قضية اللعن والشتم التي تلصق بآل البيت والصحابة رضوان الله تعالى على الجميع، فإذا ما قالت المراجع للناس إنه لم يثبت أن تشاتم آل البيت مع الصحابة ، وإنما اختلفوا في أمور تسيير شؤونهم واجتهدوا في ذلك ولم يخطئوا جميعا وإنما أخطأ من ظن بهم الخطأ فإن العوام والأتباع سيحسنون الظن ببعضهم ولن يخطر له ببال أن يسفه بعضهم عقيدة الآخر وإنما سيسلمون بالاختلاف الذي كان بين السلف والذي لم يفسد لودهم قضية كما فسد ود من جاء بعدهم جهلا وضلالا وافتراءا على سلف كريم.
إن إنهاء الصراع بين الشيعة والسلفية في لبنان ، وغير لبنان معناه إطفاء نار الفتنة واستئصال جذوتها أما إخماد اللهب مع استبقاء الجذوة فمحض عبث إذ سرعان من ينفخ في الجذوة من جديد فتصير لهبا أشد مما كان ، لهذا لا بد من فتاوى تكذب التلاعن بين السلف الصالح أل البيت والصحابة ، وتكذب تكفير المسلمين وما إلى ذلك من أمور تجعل البعض يفقد الثقة في البعض الآخر.
Aucun commentaire