كرم السوداني

كرم السوداني
الكرم ضد البخل، والشح، ويطلق على فعل الخير بأنواعه، كالإنفاق في سبيل الله مما نحب، وإطعام الطعام، والجود بالغالي والنفيس… عن اقتناع وطيب خاطر وحرية.على شرط أن يكون ذلك الإنفاق مشروعا، والمنفق منه حلالا طيبا.ولقد نوه الإسلام بالكرم والكريم،وحث عليه ، فقال سبحانه وتعالى :{ …ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (صورة الحشر الآية 9) وقال أيضا{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون }. ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،عن أكرم الناس فقال :(أكرم الناس أتقاهم ). أو كما قال صلى الله عليه وسلم .و جاء في حديث له ،صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فاليكرم ضيفه )( رواه البخاري) .والتاريخ سجل للعرب العديد من الصفات الحميدة ،إلا أن أفضلها في تقديري الكرم ، خصوصا في الأوقات التي يعز فيها الطعام، أو يقل .وهذا الحطيئة يحدثنا عن كرم العرب في قصيدة له أكبر من رائعة فيقول :
وقال ابنه لما رآه بحيرة // *// أيا أبتي اذبحني ويسر له طعما
ولا تعتذر بالعدم عل الذي طرا //* // يظن لنا مالا فيوسعنا ذما
لعل الإخوة السودانيين الذين عرفتهم { مسلمي الزين موسى – مصطفى أبو إدريس – كامل – نوح رحمه الله …كانوا يجسدون كرم العرب ، ومكارمهم ويتحلون بتلك الأخلاق الرفيعة ، التي دعا إليها الإسلام ، وحث عليها أتباعه .وهذه قصتي مع كرمهم، أرويها لك .ما سمعها مني أحد منذ ثلاثين سنة . لقد رجعنا من جولة بفاس القديمة ،وفي طريقنا إلى الحي الجامعي ، مررنا بحي الليدو حيث كان يسكن أبو إدريس ، وكامل ، ومحمد إسماعيل . فوجدنا بضيافتهم إخوة من السودان يفوق عددهم العشرة ، من بينهم فتاتين ،أو ثلاثة من أصل سوداني .استقبلونا بالترحيب الذي عهدناه منهم ،وأصروا على مشاركتهم وجبتهم ، التي كانت تتكون من طعام لا أعرفه ، وأضنه دقيق مطبوخ بالحليب ( فلقد سألت عن مكوناته ، وطريقة طهيه ، لكني تلقيت جوابا من الأخ مسلمي ،عمق جهلي بالوصفة والطعام معا, وهذه طريقته الذكية ، في الشرح قد عهدتها من قبل ، فعندما لا يريدك أن تفهم ، يتظاهر بالشرح، والتوضيح ، فيلف ،ويدور، ويكثر من الابتسامة ، ويخلط الجد بالهزل …قاصدا من وراء ذلك إخفاء الحقيقة عنك ، وصرفك عن الموضوع ) . إلى هنا كان الأمر بالنسبة لي عاديا، لأن كل مجتمع له ما يميزه
من خصوصيات، تتعلق باللباس، و المسكن، و العادات والأعراف ،والدين …والطعام جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمعات.وأنا أفهم ذلك ، وأقدر وأحترم خصوصية كل مجتمع، التي هي عنوان شخصيته الأساسية .ولكن الذي أثارني، و لم أستطع فهمه في حينه ، هو الطبق الثاني ،الذي قدم لنا كعنصر جانبي ، والذي كان يحتوي على سلاطة من فاكهة أو خضر الخيار ،وأوراق الخس ، وقطع من الطماطم أو البندورا( كما كان يحلو للإخوة المشارقة تسميتها ) وقطع من البصل ،مع قليل من الزيت ، والملح ، والخل . بالإضافة إلى علبتين من دانون .تعجبت من هذا الخليط الذي لا تحتمل عناصره الانسجام، كيف يمتزج دانون مع الخل، والبصل ،والعناصر الأخرى ؟ولم أتمالك فانتقدت هذا الخليط الذي لا تقبله عادتنا ولا يستسيغه مذاقنا .لكن أحدا لم يجبني . وبعدها فهمت سر هذا الطبق العجيب الذي ما زال راسخا في مخيلتي، ولم يفارقني قيد أنملة ، رغم مرور كل هذا الزمان .إنه الكرم ، إيه إنه الكرم ،فلم يكن في بيت الإخوة من الطعام إلا ما قدم للضيوف ،ولم يكن عندهم من علب دانون إلا علبتين ، فلم يكن من الممكن تقديم علبة لكل فرد ،وفي نفس الوقت لم يسهل عليهم الاحتفاظ لأنفسهم بالعلبتين لوقت آخر . ففضلوا تقديم دانون للضيوف، ولو أضر بخليط السلاطة ومذاقها على الاستئثار به.إنه الكرم، إنه الكرم السوداني… ( يوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .)






2 Comments
الكرم العربي لا نقاش حوله كان ولا يزال وقد نسجت حوله الحكايات والقصائد اما قراءتك في مقالك فانها لا تجانب حقيقة الامر المتعلقة بالكرم العربي ولكنك اضفت شيئا من مخيلتك لأن خلط بعض الاطعمة بالزبادي شيئ معروف ومتداول في المطبخ الشرقي واصحابك حينما خلطوا الزبادي بالسلطة فليس لقلتها لديهم وانما لاعطائها »السلطة » مذاقها المعروف لديهم
يجب ان نحطاط مما وصلنا عبر التاريخ من صور مبالغ فيها في كل المجالات بانسبة للنماذج التي قدمتها لنا كتب التاريخ والادب والفلسفة وغيرها . ويجب ان ننتبه جيدا لما هو معروف لدى كتابنا القدامى عن ( الشخصية النموذج ) وهي موجودة في كل شيء . جمال المراة لدى الشعراء مثلا . حاتم الطائي والكرم . علماء الدين والقدسية التي يضفيها البعض على البعض . نماذج من الحضارة العربية التي لايقبلها العقل ولا التاريخ السليم …. الخ اما ما اعتبره الاخ كرما سودانيا في اضافة دانون الى السلاطة من طرف اصدقائه فلا اجد اي اثر للعنوان الكبير الذي اعطاه لموضوعه . ولايعدو ما تقوم به امهاتنا من اضافة الماء الى القدر لري اكبر كمية من (الطعام – الكسكس ) اذا فاجاها احد الضيوف .