حكايا استاذ متقاعد : نبش في رحلة وراء البحار ـ الحلقة 13 ـ

تابع 13
لم تكن ضيافتي لتنتهي في مدة أقصاها ثلاثة ايام كما تقضي الأعراف التي نشأنا في ظلها،بل ان العائلة التي حللت بينها اشترطت علي أن اقضي شهر غشت كاملا في كنفها.
كان لطبعي الذي صقلته فطرية البداوة التي لم اطلقها الى الان، دور في انتزاع حظوة لدى كل أعضاء العائلة، الى درجة ان كل فرد فيها كان يسعى الى ارضائي حتى لا أتعجل العودة.
ناولتني الام كتابا حول الزعيم الشيوعي الراحل ،، جورج مارشي،، باعتباره نموذجا لها ولابنتها الكبرى في مجال السياسة، وكانت فرصة لأكشف عن بعض ما أعرفه عن النظام السياسي الفرنسي، خاصة وأن اليسار هناك كان يومئذ يسير بخطى متزنة نحو قصر،، الاليزي،،.
اندهش الجميع من العرض الذي قدمته، والذي كان الفضل فيه يعود الى مادتي،، القانون الدستوري والعلاقات الدولية،، اللتين درسناهما في شعبة العلوم السياسية، ناهيك عن المواكبة الثقافية للعصر.
أتاح لي هذا،، الفتح،، كسب نقط اضافية لاسيما لدى مراسلتي التي شرعت تتباهى بي أمام زميلاتها، بينما لم يغب عني لحظة واحدة أن كل هذه المكاسب لن تستطيع اختراق الشخصية التي صاغتها الجينات البدوية!
صارت الجولات يومية، فتعرفت على خبايا المدينة الساحرة، كما وضعتني العائلة في صورة التقاليد الفرنسية والحياة الاجتماعية عموما.
مرت الأيام سراعا، فلاحظت أن الأم تعاملني معاملة أم لابن مدلل من خلال أختيار القاب جميلة تناديني بها وهي التي كانت يومئذ تتجاوز عقدها السادس.
كانت امرأة طيبة الى أقصى الحدود، وبلغ بها الاعجاب أن عرضت علي امكانية الاستقرار الرسمي بفرنسا على أن تتولى القيام بما يلزم لذلك.
كان العرض يقتضي تفكيرا عميقا، لأن هذه المرأة التي بذلت ما في وسعها لارضائي، وسمحت لصغيرتها بأن تكون الى جانبي طول الوقت دون حذر أو تحفظ ، لم تكن لتنسيني في أمي التي خلفتها ورائي وظلت علاقتي بها علاقة ضيف بمضيفه منذ حداثة سني !
لم تعد الهواجس بمناى عن علاقتي بمراسلتي وأهلها، وكان من الطبيعي ألا أستسلم للنزوات وحدها، والا فان الصورة التي رسمتها عن نفسي سيلحقها المسخ الذي يطال الشخصية المصطنعة!
أوضحت لربة الأسرة بأنني متأثر بحدبها الى درجة أنها اصبحت تزاحم أمي بالدم، غير أني لا أستطيع أن أظل بعيدا عن هذه الأخيرة خاصة وأنا صغيرهأ الذي انتزع مكانة باقي أبنائها!
تفهمت الأم الثانية كما تقول عن نفسها، وتقبلت موقفي بمرارة، فألقت بالكرة في مرمى صغيرتها!
يتبع.




Aucun commentaire