حكايا استاذ متقاعد : نبش في رحلة راء الحدود ـ 2 ـ

تابع 2
كان علينا أن نستقل سفينة اسبانية متوسطة الحجم، وعندما تقدمنا للقيام باجراءات السفر ، وعلى رأسها مراقبة المتاع، شعرت بالبون الشاسع بين الموظف هنا وهناك!
شرع أحد الموظفين في القيام بعمله والابتسامة لا تفارق محياه، فلما جاء دوري، وما ان اطلع على هويتي، حتى بالغ في الترحيب بي، بل لقد احجم عن مراقبة حقيبتي!
تمنى لي الرجل سفرا ممتعا، ولم يفته أن يحدد لي بعض الوجهات الاسبانية باعتبار مكانتها، ثم خيرني في عدة اماكن للجلوس.
كان هذا التصرف كافيا ليشعرني بانسانيتي التي مرغها الموظف ،،الاعور،، في التراب!
اقتنيت دزينة من السجائر الشقراء بثمن بخس، ثم توجهت الى سطح السفينة لأقطع المسافة واقفا وأنا أتمنى لو طالت الرحلة حتى أتمكن من اقتفاء أثر طارق بن زياد وبقايا السفن التي احرقها حتى لا يبقى امام جنده الا اختيار المواجهة!
لم يغب ابن بطوطة عن مخيلتي ورحت اتخيل مواصفات هذه الشخصية التي علمت المغاربة وكل شعوب العالم بأن الحياة يمكن يكون لها معنى اخر واعمق خارج الاوطان الأصلية!
كنت انفث لفافات التبغ وانا أحدد الفرق بيني وبين كل من طارق وابن بطوطة:
فالأول كان هدفه أن يوصل رسالة الاسلام الى أبعد الحدود الممكنة، وكان ابن بطوطة يسعى الى ارضاء فضوله المعرفي،بينما كنت اركب البحر ارضاء لنداء القلب، حيث لم أعد اختلف عن عمر بن ابي ربيعة وهو يتعقب أثر ،،نعم،،الا في مسرح الأحداث: فقد كان مدعوا لتحديد خيمتها ليلا وسط الفلاة، ولم ينفعه الا طيبها الذي حمله النسيم الى قلبه فخلد ذلك بقوله:
فبت اناجي النفس : أين خباؤها؟
وكيف لما اتي من الامر مصدر؟
فدل عليها القلب ريا عرفتها لها
وهوى النفس الذي كاد يظهر!
لكن وجهتي لم تكن بين الخيام، بل كان علي أن أقطع مئات الكلمترات تناوب خلالها على قلبي مزيج من الانتشاء والتوجس!
فجأة قطعت علي صفارة السفينة حبل هواجسي معلنة رسوها بشاطىء ،، الخزيرات،، ( الجزيرة الخضراء)، فاذا الاتفاقية المشؤومة المبرمة بهذه المدينة تعيدني الى ازمنة الهوان التي جعلت بلادنا تتجرع غصص الامر الواقع!
عندما استرجعت ذكرى احتلال وطني تحت مسميات مشبوهة، اكتشفت صعوبة المعادلة التاريخية:
لقد تبين لي ان العلاقات البشرية هي في النهاية سلسلة من الانتقامات: بالأمس، غزا طارق شبه جزيرة ابيريا وأمكن جنده من احتضان ،، حوريات،، ماوراء البحر ، وارسى دعائم واقع جديد امتد لثمانية قرون نمت في تلابيبها عوامل الانكسار في الوقت المناسب ، فكان الغزو المضاد بكل ما ترتب عنه!
انه مكر التاريخ الذي لا زالت البشرية تصرفه بتعاقب النصر والهزيمة!
يتبع.





Aucun commentaire