Home»Régional»سلام عليك يا تويسيت 17

سلام عليك يا تويسيت 17

5
Shares
PinterestGoogle+

لم تدم فرحة الاطفال بالعطلة الربيعية سوى ايام معدودات,ولم تدم الجولات اليومية في مروج الدوار بحثا عن الاعشاش,فقد حان موعدالعودة للدراسة من جديد,وجاءت معها الامور التي أرقت الاطفال في سنهم المبكر,حيث عادت الوجبات المملة التي لاتغني ولا تسمن من جوع,على جبل النفايات المعدنية,وقطع المسافات الطوال جيئة وذهابا نحو المدرسة ومنها نحو الدوار,اضافة الى الخوف من الاساتذة الاجلاء الذين كانوا يتعاملون بصرامة مع المخلين بواجباتهم المدرسية.

ورغم الضجر الذي كان يصيبنا من استئناف الدراسة بسبب التنقل اليومي ووجبات الشاي البارد والارغفة اليابسة,كانت ايام العطل الاسبوعية تقلل من ضجرنا وكراهيتنا,لانها متنفس لنا,لنلعب ونرتع في خمائل الدوار ومروجه اليانعة,وفرصة لنا للبحث عن الاعشاش والنبتات من جديد.

لازلت أذكر ان الاذاعة المغربية كانت تبث على امواجها مسلسلا شيقا يحكي سيرة البطل الاسطورة سيف بن ذي يزن للمخرج الراحل مؤخرا,المرحوم محمد حسن الجندي,فكانت حلقاته تغري بالانصات والمتابعة,ولا زلت اذكر ان القليل من اهل الدوار من كان يملك مذياعا,فكنت اترقب عودة ابن عمي مساء للاستماع لحلقات الازلية والتي كانت تبث على ما اذكر حوالي الساعة الثامنة مساء,وفي بعض الاحيان لا اتمكن من ذلك,حين يغيب ابن عمي عن الدوار,هذا الامر جعلني ابيع كمية من الشعير بعد استشارة والدتي,لابتاع مذياعا صغيرا,لا زلت اذكر ان رقمه 6 حتى ان اهل الدوار كانوا يسمونه بالمذياع رقم 6,فصرت بعد ذلك استمتع في كل مساء بحلقات الازلية التي احبها الصغير والكبير انذاك.

كان الابتعاد عن بلدة الاجداد يدنو مني,لان ختام الموسم الدراسي وشيك,وهذا الفراق طبعا مرتبط بنجاحي ونيل الشهادة الابتدائية,وبالفعل كان لي ذلك,هذا الفراق اسعد الكبار لانه مرتبط بمسيرة دراسية قد تؤهلني الى وظيفة معينة,بينما سقط على قلبي كالصاعقة,لانه عبارة عن فطام مع الالعاب الشيقة,وابتعاد عن الخلان والبحث بمعيتهم عن الاعشاش في مروج الدوار وبين اشجار الصنوبر الباسقة,وتوديع نهائي لوادي سيدي لخضر المحاط بالمروج واشجار البلوط البري,وغياب عن تلك الصور الرائعة:خراف تربض تحت الاشجار لتجتر ما اكلت في صمت رهيب,وقطعان من البقر ترتع في مروج الدوار لتبحث عن كل لذيذ,وصهيل للخيل الرابضة امام الدور والخيام.

لست ادري كيف اعبر عن هذا الفراق المر,والابتعاد عن قريتي التي ترعرعت بها,وبين جنباتها,ولن يطاوعني في هذا الوصف لا قلم ولا لسان,لان المرارة في القلب ساكنة وبين الجوانح موجودة,وعالم اخر ينتظرني,اصدقاء جدد,والعاب اخرى ستختلف لا محالة عن العاب الدوار البسيطة التي تتقمص ادوار الكبار.

دخلت عالما اخر,بين الاحياء والازقة,ولم تعد عيوني تتمتع بجمال المروج الخضراء,ولا سمعي بثغاء الخراف وخوار البقر,وصهيل الخيل الجامحة,وهي طبعا لوعة الفراق في سن لا يتحمل الفراق,فشكوت غربتي بلسان الشاعر حين قال:

بك يا زمان اشكو غربتي//ان كانت الشكوى تداوي مهجتي

قلبي تساوره الهموم توجعا//ويزيد همي ان خلوت بظلمتي

قد كان نومي هانئا فوق الثرى//من غير شكوى او عذول شامت

من غير هم بالزمان وكربه//من غير تسهاد يشتت راحتي

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. محمد المهدي
    03/03/2017 at 21:22

    ابدعت واجدت استاذ علي .. انها حقا نوستالجيا وحنين و شوق لاذع يلقي بنا في اتون طفولة غامرة بالسعادة والصغاء والنقاء ، في زمن كان لا يزال على طهارته ، لم تدنسه تمظهرات التكنلوجيا ولا ضجيج السيارات ولا تخلخله مسلسلات التفاهة والغباوة والعهر التي تملأ فضاءنا اليوم ،و تفسد ما تبقى لدينا وفينا من جميل ..
    لقد اسدلت علينا غطاء من حنين ، وكسوة من انين و ضجر من زمن عبناه وهجوناه ، لكن الحقيقة المرة هي اننا نحن عاهة وعيب الزمن .. ان من لا ماضي له لا حاضر ولا غد له ..
    دمت جميلا اخي علي.
    محمد المهدي – تاوريرت

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *